أبناء إدلب.. كانوا أحرص على مدينتهم وثقافتهم، ومبادرتهم الأخيرة لترميم المسجد الكبير في إدلب الذي تعرض للقصف الهمجي من جيش البراميل، تكشف الانتماء الحقيقي للناس، والتخلف الإجرامي للنظام الذي ثاروا ضده. وإليكم المسجد الكبير وما حل به وكيف يتم ترميمه.
مسجد عمره خمسة قرون!
يُعد المسجد الكبير في مدينة إدلب أحد أبرز المعالم الأثرية والتاريخية والدينية ويحظى باهتمام غالبية سكان المدينة، ولا سيما أهل الحي الشرقي حيث يتمركز ذلك الصرح الديني الكبير، وعن تاريخ المسجد تحدّث (إياد المصري) مدير أوقاف مدينة إدلب لأورينت نت قائلاً:
"يعود تاريخ مسجد إدلب الكبير إلى العصر المملوكي الأخير من عام 658 هجري إلى 922 هجري والذي شهد نشاطاً في بناء المساجد الجامعة "الجوامع" على شكل قباب وأروقة ومجازات وفتحات متناسقة البناء والمساحة، وجُدد المسجد عدة مرات أولاها في العصر العثماني سنة 1000 هجري على يد الصدر الأعظم العثماني محمد باشا كوبرلي، وبعدها عام 1406 هجري وتم خلالها فتح المدخل الشرقي وتوسعة المسجد بتسع قباب جديدة ليصبح العدد الكلي 18 قبة، وتبلغ مساحة المسجد 1030 متراً مربعاً ويتميز بمئذنته المثمّنة ذات الـ 16 ضلعاً.
تصدعات وقصف طائرات الأسد!
ومع تعاقب الأيام تعرض المسجد الكبير لعدد من التصدعات والتشققات في سقفه وجدرانه بسبب العوامل الطبيعية والقصف الذي طال أجزاء منه وخاصةً إبان حملات مليشيا أسد على مدينة إدلب خلال سنوات الثورة العشر، ماجعل إعادة ترميم المسجد والمحافظة على إرثه الحضاري ضرورة أساسية تدغدغ مشاعر المصلين، ولاسيما القائمون عليه، حتى قام بها مؤخراً الشيخ (محمد الأحمد) إمام وخطيب المسجد الكبير والمعروف بأبي أنس والذي حدثنا عن أهمية المبادرة بقوله:
"جاءت فكرة الترميم بسبب كثرة الانهيارات في جدران المسجد الغالب على بنائها الحجارة والطين، والخوف من انهيار أضخم مستقبلاً، وخصوصاً بعد أن تأثر سابقاً بقصف طيران الأسد، ما قد يسبب خطر انهيار قد يهدد المصلين من جهة، وانتشار الرطوبة بشكل واسع على أقواسه وأعمدته من جهة أخرى، ما يفقدها جماليتها التاريخية".
وعن كيفية تمويل عمليات الترميم المكلفة، أضاف (أبو أنس): "قمنا بالتنسيق مع مديرية الأوقاف في مدينة إدلب بجمع التبرعات العينية والنقدية من أهل الخير والمحسنين الراغبين في ترميم مسجدهم، وتحصيل الأجر والثواب من الله، متمثلين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة)، ومن منا لا يرغب بذاك الأجر العظيم".
مراحل العمل والمحافظة على الإرث الحضاري
بجدٍّ ونشاط يسعى القائمون على فكرة ترميم المسجد الكبير، ليتمكنوا من الانتهاء مع قدوم عيد الأضحى المبارك، المحدد لمدة انتهاء مراحل الترميم كافة.. ولكي يؤدوا فيه صلاة العيد بحلته الجديدة.
وبالحديث عن مراحل العمل وكيفيته أجاب الشيخ (محمد الأحمد): "ما يميز مبادرتنا هو العمل على إعادة الشكل التاريخي الأول للمسجد "على هيئته الأولى" عبر قشر " الزريقة" المكونة من الإسمنت الحديث والتي سببت مع مرور الزمن والمخالطة مع الطين المبني منه المسجد، رطوبة واسعة الانتشار، ونقوم بتفريغ محيط الحجارة من الأتربة والطين لتنفيس المسجد والجدران، وبعدها تأتي عملية التكحيل بمواد حافظة أهمها الإسمنت الأبيض والرمل النبكي الناعم الممزوج بمادة البولوبنت لتماسك أفضل ومظهر أكثر قدماً ولمنع تكاثر الحشرات فيها، وبعدها عملية طلاء واسعة بمادة "اللكر" اللامع لمنع الرطوبة ولتحسين المظهر العام".
وأضاف ( الأحمد ): "أضفنا عدة غرف جديدة للمسجد عبر بناء جدران للاستفادة من مساحات إضافية، ونقوم بدراسة توسعية قريبة تتمثل بعدد من القباب والأروقة وصالة للعزاء".
من جهته حدثنا ( إياد المصري ) مدير أوقاف مدينة إدلب عن طبيعة المبادرة التي لا تقتصر على هذا المسجد فقط بقوله: "تسعى وزارة الأوقاف في مدينة إدلب وبإشراف دائرتها الهندسية إلى إعادة تأهيل المساجد المتضررة بشكل عام، ومتابعة العمل في مسجد إدلب من باب تعظيم شعائر الله وإحياء المساجد عمارة وإعماراً لإعادة الصبغة التاريخية للمسجد الكبير والتي تمتد 500 سنة، ليكون مَعلماً دينياً وأثرياً بارزاً في المدينة".
التعليقات (1)