فصل جديد من الإجرام ضد أهل حوران: لماذا تحاصر درعا مرة أخرى؟

فصل جديد من الإجرام ضد أهل حوران: لماذا تحاصر درعا مرة أخرى؟
مما لا شك فيه أن حجم المؤامرات وحجم الإجرام الذي نُسج ووقع على أهالي مدينة درعا وسهل حوران، شكل نقطة إجماع لمعظم جمهور الثورة ومعظم العاملين بالشأن السوري، وهو أمر يدركه تماماً أهالي حوران.

درعا التي فجرت الحراك السلمي في سوريا، وأعلنت عبر أطفالها الشهداء والمعتقلين انضمامها لنادي الربيع العربي الذي أطاح بحكومات وديكتاتوريات, وكانت درعا ومعها معظم الشعب السوري يأملون أن يشملهم التغيير وأن ينجحوا عبر ثورتهم بإزاحة جلاد دمشق وشبيحته عن المشهد السوري، والتفرغ لبناء سوريا المستقبل، سوريا دولة الوطن والمواطنة، التي تضم كل المكونات السورية دون تمييز أو تفريق.

معاناة أهل درعا كانت بدايةً أنها شكلت في سنوات حكم آل الأسد نقطة ارتكاز يمكن للنظام الركون إليها إذا ما اهتزت أرجل كرسي السلطة من تحت أقدامه، بعد أن عزز النظام مواقعه في السلطة من رجالات درعا سياسياً ووزارياً وأمنياً وعسكرياً، حتى بات البعض يتندر بوصفها القرداحة الجنوبية.

لكن ركون النظام لتلك الفرضية أثبت أنه رهان وهمي وفاشل، وأن شعلة الثورة التي انطلقت من درعا أخرست كل أبواق النظام وعملائه، الذين باعوا أصلهم وعشائرهم ومناطقهم مقابل فتات السلطة، وبريق مناصب خلبية، قدمها لهم الأسد مقابل وقوفهم ضد أهلهم وثورة شعبهم.

شكلت درعا في سنوات حكم آل الأسد نقطة ارتكاز يمكن للنظام الركون إليها إذا ما اهتزت أرجل كرسي السلطة، بعد أن عزز النظام مواقعه في السلطة من رجالات درعا سياسياً ووزارياً وأمنياً وعسكرياً، حتى بات البعض يتندر بوصفها القرداحة الجنوبية.

منذ انطلاقة الثورة السورية وبحكم جغرافيا محافظتي درعا والقنيطرة القريبتين من الجولان المحتل, كانت درعا تُدرك أن الثقل العسكري لفرق وألوية وقطعات جيش الأسد تتمركز بين قراها وعلى مقربة من بلداتها، ويضاف لذلك تموضع معظم القواعد الجوية الفعالة لجيش الأسد في مناطقها، لكن كل القدرات العسكرية لنظام أسد لم تمنع نشامى الجنوب من رفع أصواتهم والمجاهرة بالمطالبة بإسقاط منظومة الاستبداد الأسدية، مستندين إلى ثقتهم بأحقية قضيتهم وقدرات حناجرهم وقبضاتهم، وأيضاً إلى وقوف معظم الشعب السوري إلى جانبهم بعد أن خرجت مظاهرات في عامودا والقامشلي وبانياس ودوما وحمص وإدلب وحلب ودير الزور والسويداء وحماه واللاذقية وأرياف دمشق لتقول: يا درعا حنا معاكي للموت.

خلال سنوات الثورة لم تتوقف عمليات نسج المؤامرات الداخلية أو الخارجية على أهل حوران وفصائل حوران ونشطائها وحرائرها, فتم تطويع بعض العملاء سراً وتم تجنيد بعض الموجودين بالخارج لنخر جذع الثورة من الداخل، وبلحظة مفصلية تم التخلي دولياً عن أهل حوران، وتُركوا لمصيرهم منفردين أمام جبروت الروس الجوي، وأمام كل آلة الحرب الأسدية، وكل مقدرات ميليشيات إيران وحزب الله.

وهكذا عادت درعا لتعيش كابوس التخاذل الخارجي والداخلي وصفقات المصالح الدولية التي أجبرتها على الرضوخ لتفاهمات ما كانت لتقبل بها لو توفّر الحد الأدنى من مقدرات المواجهة، وكأن شاعر حوران "واثق الصمادي" كان يقرأ المستقبل عندما أنشد قصيدته المشهورة وخاطب أهل درعا قائلاً: معليش درعا معليش.

 لم تتوقف عمليات نسج المؤامرات الداخلية أو الخارجية على أهل حوران وفصائل حوران ونشطائها وحرائرها, فتم تطويع بعض العملاء سراً وتم تجنيد بعض الموجودين بالخارج لنخر جذع الثورة من الداخل، وبلحظة مفصلية تم التخلي دولياً عن أهل حوران، وتُركوا لمصيرهم منفردين

التفاهمات التي عقدها الروس مع قيادات ووجهاء أهل حوران وبتخاذل أمريكي وإقليمي، لم تُجهض الحراك الثوري لأهل حوران، ولم تنقص من عطائهم للثورة، ولم تقلص من تضحياتهم، أو تغير من مواقفهم المساندة لإخوانهم بالثورة ضد نظام الأسد، سواءٌ ممن رفضوا البقاء وأجبروا على النزوح للشمال السوري مع أهلهم وذويهم، أو من الباقين بمناطقهم ضمن بنود التفاهمات المعقودة.

ومع ذلك، فأكثر ما عانى منه النظام في الجنوب السوري في السنوات الأخيرة هو تكتيك الاستنزاف الذي اتبعه أهل حوران، عبر التخلص من العملاء، بعد أن اعتبروا العملية نوعاً من تنقية مسار الثورة وإعادة ترتيب البيت الداخلي، أو عبر خيارهم بالاقتصاص والتحدي التي مارسها أحرار درعا ضد نظام الأسد حيال أي اعتقال لناشط أو ثوري حوراني، أو عبر مواقفهم الجماعية بالرد على أي حصار لإحدى قرى وبلدات حوران. واستطاع أهل حوران عبر تلك الاستراتيجية المدروسة فرض معادلة صعبة على النظام، وشكّلوا حالة رادعة أجبرت الروسي مع الأسدي على العد للألف قبل الإقدام على أي تجاوز يمس بحرية وكرامة أهل حوران.

الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت بمواقف أهل حوران الرافضة لمسرحية الانتخابات الأسدية، ورفضهم أن يُدنّس تراب حوران بقذارة صناديق انتخاب الأسد، بل زادوا على ذلك بمظاهرات شعبية عارمة فاقت التوقعات، تظاهرات خرجت من قرى وبلدات ومدن الجنوب كل الجنوب لتصرخ بصوت واحد: يسقط الأسد، وسوريا لينا وما هي لبيت الأسد.

 روسيا وميليشيات إيران والأسد، ظنوا بغبائهم وللحظة معينة أنهم ضبطوا الجنوب، وأنهم استطاعوا إخضاع أهل حوران، وأن المسألة لا تتعدى مسألة وقت لعودة تلك المناطق لسيطرة الأسد، لذلك كانت مظاهرات الجنوب حراكاً ثورياً جديداً فجّر الثورة للمرة الثانية بكامل التراب السوري الخارج عن سيطرة ميليشيات أسد وحلفائه، ورسمت مشهداً رائعاً نقل للعالم أجمع رسالة مفادها: قد تكون ظروفنا غير مواتية، وقد تكون الآلة العسكرية والجوية للروس وإيران والأسد قد غيرت بعضاً من موازين القوى العسكرية، لكن شعلة الثورة لم ولن تنطفئ في درعا ولن تتوقف، وأن الثورات قد تمر بمراحل ضعف، لكن الثورات لا تموت، وأن للشعب السوري قناعة مطلقة أن أنصاف الثورات مقتلها.

الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت بمواقف أهل حوران الرافضة لمسرحية الانتخابات الأسدية، ورفضهم أن يُدنّس تراب حوران بقذارة صناديق انتخاب الأسد، بل زادوا على ذلك بمظاهرات شعبية عارمة فاقت التوقعات

الحصار والتضييق الذي لم يتوقف عن أهلنا في درعا ومحيطها زاد مؤخراً عبر طلبات روسية تعجيزية، وعبر تعزيزات عسكرية إيرانية لميليشياتها في الجنوب، وعبر تعدّيات أفرع استخبارات الأسد وقواه الأمنية، تارة بضرورة تسليم بعض الناشطين، وتارة بترحيل البعض، وتارة بضرورة تسليم سلاح، وكل تلك التعديات كان هدفها الأساسي إعادة إخضاع الجنوب.

الحصار المفروض اليوم على كامل طرقات الجنوب مع مدينة درعا، وعملية حصرها بممرات إجبارية محدودة تُخضع العابرين لتفتيش مفارز الاستخبارات والشرطة العسكرية الأسدية، لم يثنِ أهل حوران عن متابعة مسيرتهم، ترافق ذلك مع تغير إيجابي جديد بمواقف بعض الدول التي شاركت سابقاً بصفقة تسليم الجنوب للروس والأسد، وأدركت اليوم عدم صوابية قراراتها السابقة، بعد أن خذلهم الروسي الذي تعهد مقابل عودة نظام أسد للجنوب بتحجيم الدور الإيراني، وإبعاد ميليشيات إيران عن حدود الجولان ما لا يقل عن 60_80 كم, وتعهده أيضاً بعدم اقتراب إيران وحزب الله من الحدود الأردنية ومعابرها، وكل تلك التعهدات لم تتحقق.

ما حصل في الجنوب من تغول إيراني، أو من تجاوزات لنظام الأسد، ليس فشلاً روسياً وعدم إيفاء بتعهدات أعطتها روسيا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأردن، وليس فشلاً روسياً بتعهدات أعطتها لأهل الجنوب، بل يُعد تواطؤاً كاملاً من القيادات الروسية بعد أن أصبحت ميليشيات إيران تنتشر على مسافات لا تبعد أكثر من مئات الأمتار عن خط فك الاشتباك مع إسرائيل (حامية الأسد) في الجولان، وبعد محاولات إيران نشر سياسة "التشييع"، وتعزيز قدرات ميليشياتها لمحاصرة بلدات حوران، وبعد أن أصبحت ميليشيات إيران وحزب الله تسيطر على معبر نصيب وأرياف السويداء، وحولت ميليشيات إيران الحدود مع الأردن لبوابات جنوبية تعبر من خلالها ما تنتجه معاملهم في بلدة "القصير" ومحيطها من مخدرات وحبوب الكبتاغون والحشيش، وعبر أراضيه يتم نقلها إلى دول الخليج.

ما حصل في الجنوب من تغول إيراني، أو من تجاوزات لنظام الأسد، ليس فشلاً روسياً وعدم إيفاء بتعهدات أعطتها روسيا، بل يُعد تواطؤاً كاملاً من القيادات الروسية بعد أن أصبحت ميليشيات إيران تنتشر على مسافة مئات الأمتار عن خط فك الاشتباك مع إسرائيل (حامية الأسد) 

انتفاضة أهل الجنوب المستمرة، ووصول قناعة متأخرة للدول التي تخلت عن الجنوب بخطأ حساباتها وتفاهماتها، قد تقلب مستقبل المنطقة الجنوبية، وقد تعيد رسم خرائط جديدة، خرائط تعيد ترتيب الأوضاع من جديد بما لا يتلاءم مع أمنيات الروس وأحلام الأسد.

وكل أحرار سوريا يقولون اليوم:

أهلنا في حوران صبراً 

فليس حصاركم اليوم هو الحصار الأول.

وليست مواجهتكم اليوم هي مواجهتكم الأولى.

وليست وقفة العز والكرامة التي تقفونها اليوم هي وقفتكم الأولى.

قلوبنا وقلوب كل الأحرار معكم 

فأنتم كنتم خير سند في السنوات العجاف

التعليقات (2)

    hope

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    للاسف سوريا لازالت ورقه يتفاوض عليها الروسي والايراني لتحقيق مصالحهم مع الغرب. القضيه السوريه لم ترتق لمستوى الملف الاساسي في المفاوضات بين روسيا و امريكا.اجتماعات استانه البائسه ستوضح المستوى الجديد للتفاهمات بين الروسي والامريكي. ارجو ان لا تكون درعا واهلها كبش فدا.

    hope 2

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    ما يسمى المعارضه التي تشارك كشاهد ؤور في اجتماعات استانه تتحمل الوزر الاكبر في اعطاء غطاء سياسي لدخول الروس ومافيات ايران و النظام لمختلف المناطق السوريه. ثورة السوريين اتسرقت من اصحاب مصالح ضيقه وسوريا واهلها تركز في مهب الريح. لعنة الله على كل خائن لدماء الاحرار.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات