"الانتخابات العراقية".. أحزاب إيران تتصدر المشهد والحراك التشريني يفرض متغيرات جديدة

"الانتخابات العراقية".. أحزاب إيران تتصدر المشهد والحراك التشريني يفرض متغيرات جديدة
استعدادات جارية في العراق اليوم لخوض تجربة جديدة لانتخابات مجلس النواب العراقي التي قد تكون مصيرية هذه المرة لأسباب عدة، أبرزها أنها تأتي في وقت يغلي فيه الشارع العراقي الذي بدأ قبل حوالي سنتين (ثورة تشرين الأول 2019)، وأسقط حكومة عادل عبد المهدي، ولا يزال يرفع مطالب الإصلاح والتغيير، في بلد تهمين عليه طبقة سياسية رهنت مصير ومقدرات العراق لإيران.

ورغم أن الحراك التشريني فرض جملة من المتغيرات على القوى السياسية والأحزاب العراقية، من حيث البرامج المطروحة والتحالفات الجديدة، لخوض الانتخابات المقبلة التي قررتها اللجنة العليا للانتخابات في شهر تشرين الأول القادم، غير أنه يمكن تصنيف تلك القوى داخل قسمين رئيسيين، وإن كان  هذا التقسيم غير ثابت، إلا أنه من خلاله يمكن تسهيل فهم المشهد السياسي والميداني العراقي المتداخل مع قوى دولية وإقليمية، وهذان القسمان هما؛ قوى وأحزاب تابعة لإيران، وأحزاب وقوى وطنية.

1- الصنف الأول: الأحزاب التابعة أو الموالية لإيران وهي وإن كانت في العموم شيعية الطابع؛ غير أنها تضم قوى وشخصيات غير شيعية (سنية وكردية)، وإن بتأثير ضعيف وأعداد قليلة.

ويتصدر حزب الدعوة الإسلامية هذه القوى وقد ظهر منذ تشكيل مجلس الحكم العراقي عام 2003، على يد الحاكم  الأمريكي المدني بول بريمر إبان احتلال العراق، ولايزال موجوداً حتى اليوم  مع إحداث بعض التغييرات في المسميات والتحالفات وذلك وفق  المصالح والمعطيات المتغيرة في الساحة العراقية.

واعتمدت قيادات الحزب في العراق وسارت على فتاوى مرجعياته وخصوصاً محمد مهدي الأصفي الذي اشتهرت فتاواه في دعم نوري المالكي أول الأمر، وضرورة انتخابه وهو ما حصل خلال انتخابات عامي 2006، و 2010.

وشارك المالكي الذي زاد نفوذه في بغداد بعض الشيء، قبيل انتخابات عام 2010 بقوة من خلال الائتلاف الحزبي الذي شكله، وأطلق عليه " ائتلاف دولة القانون " احتفالاً بإنجازاته الأمنية، وضم في طياته بعض القوائم المدنية والمستقلة بعض الشيء، ليرسل انطباعات إيجابية للشارع العراقي الذي وجد في قيادات حزب الدعوة الأساسي انغلاقهم الكامل على قياداتهم وعدم رغبتهم في الانفتاح على الجماهير المتهمة بانتمائها لحزب البعث الصدامي.

 ورغم المنافسة الشديدة التي دارت بينه وبين قائمة " ائتلاف العراقية " آنذاك برئاسة د.اياد علاوي والتي رغم تقدمها بفارق بسيط على قائمة المالكي، إلا أن الدعم الإيراني استطاع تغليب قائمة المالكي عليها، وإعطاءه ولاية رئاسية جديدة حينئذ للحكومة العراقية.

وخلال هذه الفترة استطاع حزب الدعوة والمالكي بدعم من إيران تشكيل قائمة الائتلاف الموحد الذي يمثل الشيعة في مواجهة كتلة إياد علاوي (العراقية) التي تضم شيعة معتدلين وسنة ومستقلين، بعد فرض إيران إعادة تفسير مفهوم "الكتلة الأكبر" على أنها الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان، وهو ماجعل كتلة المالكي هي الأكبر بعد أن تحالف داخل البرلمان مع كتلة "المواطن" بزعامة عمار الحكيم، وكتلة "الأحرار" بزعامة الزعيم الديني مقتدى الصدر، وبذلك تمكنت إيران من قطع الطريق على منافسيها في الوصول لمنصب رئاسة الوزراء الذي تعدُّه من نصيبها. 

انتخابات 2014

وفي انتخابات عام 2014 حصل انشطار في قائمة الائتلاف العراقي الموحد الذي يمثل الشيعة وانقسمت القوى الشيعية الموالية لإيران إلى: 

ـ دولة القانون بزعامة نوري المالكي

ـ الأحرار بزعامة مقتدى الصدر

ـ المواطن بزعامة عمار الحكيم

ورغم الانقسام استمر الدعم الايراني للكتل الشيعية واضحاً بشكل معلن خلال تلك الانتخابات، إلا أن حظوظ المالكي قد تراجعت من الدعم الإيراني كشخصية شيعية يمكن لها الفوز بولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، بعد الهجوم الذي شنه مسلحو" داعش " على ثلثي مناطق العراق، وحمّله العديد من المنافسين والفرقاء السياسيين مسؤولية ما جرى، فتحول الدعم الإيراني لشخصية أخرى في حزب الدعوة ويعد من قياداتها المعروفة، وهو الدكتور حيدر العبادي، الذي نالت حكومته ثقة البرلمان العراقي في ظل تلك الظروف.

وفي هذه الفترة بدأت إيران تمارس دوراً جديداً في العراق من خلال استصدار فتوى "الجهاد الكفائي" من قبل المرجعية العليا للنجف الأشرف، بعد أن أعلن علي شمخاني سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن بلاده تدعم " العملية القانونية التي جرت لتعيين رئيس الوزراء العراقي الجديد "، العبادي، وبذلك تحول دورها من الصبغة السياسية إلى العسكرية والأمنية أيضاً بذريعة المشاركة في قتال داعش والحفاظ على أمن إيران القومي الذي لن يتحقق ـ وفق ادعاءاتهم ـ إلا بخروج عصابات داعش من الجار العراق.

 وتلا ذلك تشكيل ما سمي هيئة الحشد الشعبي التي أصبحت تتبع شكلياً لمكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، لإعطائها الطابع المؤسساتي، إلا أنها في حقيقة الأمر تتبع لإيران التي تغلغلت في حكومة العراق، ولقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.

انتخابات2018

وفي عام 2018  زادت الانشطارات الحزبية في البيت السياسي الشيعي الموالي لإيران مجدداً قبيل موعد الانتخابات، لتبرز كيانات سياسية بمسميات جديدة، وأخرى قديمة كانت موجودة أساساً في السابق، فانبثق عن حزب الدعوة الإسلامية أكبر الأحزاب الموالية لإيران قائمتان منفصلتان، وهما؛ ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وائتلاف النصر والإصلاح بزعامة حيدر العبادي.

 وضم ائتلاف العبادي أكثر من (18) كياناً حزبياً حيث استمد قوته من النصر الذي تحقق على عصابات داعش وتحرير الموصل وبقية أراضي العراق من خطر تلك العصابات، وقد صرّح العبادي أن هذا الائتلاف سيكون " عابراً للطائفية " لخوض الانتخابات البرلمانية بدليل انضمام خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي السابق للائتلاف في محافظة الموصل وتحالفات سنية أخرى. 

 وفي هذه الفترة تبلورت كتل سياسية جديدة في البيت السياسي الشيعي الموالي لإيران فرضتها طبيعة المتغيرات التي شهدها الواقع السياسي العراقي مثل ( كتلة الفتح ) التي ضمت أغلب فصائل الحشد الشعبي الشيعي فضلاً عن (15) كياناً سياسياً آخر ، أبرزها عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، والمجلس الأعلى، وتجمع العدالة والوحدة، وحركة الوفاء برئاسة أسكندر وتوت، وقد تزعمهم الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري الذي يعد صنيعة إيران في العراق، بعد سنوات طويلة قضاها فيها كلاجئ سياسي خلال سنوات نظام البعث في العراق.

والمتأمل لهذه الكتلة يجد أنها عبارة عن أجنحة عسكرية واضحة حاولت أن تعطي لنفسها صبغة سياسية في مشاركتها في انتخابات مجلس النواب العراقي.   

وهنالك أيضاً كتلة " سائرون " التي تزعمها مقتدى الصدر والذي كان برغم دعم إيران له،  يتمتع بشعبية واسعة في الشارع العراقي لكونه يمثل التيار الشيعي المعتدل، ورفع راية المقاومة المسلحة ضد الوجود الأمريكي في العراق من خلال جناحه العسكري المعروف بجيش المهدي الذي جرى تجميد أنشطته في العام 2007، حتى تغير اسم الجناح مؤخراً لـ "سرايا السلام " التي انخرطت في القتال ضد داعش في سامراء وجرف الصخر وديالى. 

أما تيار الحكمة فتشكل بزعامة عمار الحكيم الذي أسسه في عام 2017 كأساس لمشروع شبابي وطني يكون بزعامته لبناء دولة تقوم على المواطنة في المقام الأول، إلا أن هذا التيار ولكونه الإرث الحقيقي للمجلس الأعلى الإسلامي الذي وضع لبِنته الأولى محمد باقر الحكيم وشقيقه عبد العزيز الحكيم، لا يحظى بقبول جماهيري في العراق منذ البداية برغم دعم إيران الواضح له، وبالرغم من محاولات زعيمه الشاب تغيير استراتيجيته القديمة.

انتخابات 2021

لايوجد تغيير كبير على تركيبة القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران التي تستعد لخوض انتخابات البرلمان العراقي في عام 2021، لكن على ما يبدو فإن هذه القوى بدأت بتهيئة أوضاعها من جديد بعد الحراك التشريني، وباتت في سباق واضح مع الزمن من أجل كسب ود الجماهير التي طالما انتقدت أداءها السياسي وإدارتها للعملية السياسية في العراق. 

وقد تكررت تلك القوى مثل تحالف ( النصر )، وكتلة " الفتح " بقيادة هادي العامري وهي الصوت العالي في الشارع الشيعي نتيجة لما تمتلكه من إمكانات مالية واقتصادية، وميليشيات متمسكة بسلاحها وهي لا تزال خارج سيطرة حكومة مصطفى الكاظمي التي فشلت في نزع سلاحها والتقليل من سطوتها في الشارع، وأبرز من ينتمي لهذه الكتلة ميليشيا " عصائب أهل الحق " بقيادة قيس الخزعلي الذي لا يزال يجسد الدور الإيراني في العراق بشكل واضح.

 أما كتلة "سائرون" التي يتزعمها مقتدى الصدر فهي تستعد لخوض الانتخابات دون شركاء او ائتلافات أخرى، لسعيها للحصول على الحصة الأكبر في البرلمان القادم، وتحقيق الأغلبية التي تؤهلها لتشكيل الحكومة القادمة معتمدة على شعبيتها الواسعة وثقلها في الشارع الذي منحها أعلى الأصوات في الانتخابات السابقة، وهي قد تدخل في منافسة قوية مع كتلة أخرى  وهي "الفتح".

 أما تحالف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المتمحور حول حزب الدعوة / جناح المالكي، فلم يعد يتمتع اليوم بالدعم الإيراني المطلوب الذي كان يتمتع به قبل هجوم تنظيم داعش على بعض مناطق العراق في عام 2014، لذلك فهو يحاول أن يحقق له بعض الثقل الجماهيري والدعم من قبل بعض الكيانات السياسية الأخرى التي تجمعت حوله خلال هذه المرحلة مثل حركة ( إرادة ) بقيادة النائب السابق حنان الفتلاوي، وحزب الله العراقي، وبعض الحركات الإسلامية الصغيرة.

 في حين أن  "المجلس الأعلى الإسلامي" سيخوض الانتخابات بكتلة صغيرة تحت مسمى " نصحح " بقيادة النائب السابق همام حمودي، وهي تضم المجلس الأعلى ومنظمة العمل الاسلامي.

أما عن الأحزاب العراقية الوطنية، فستفرد لها أورينت تقريراً آخر خلال الأسبوع المقبل للكاتبة نفسها، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة بغداد.

التعليقات (1)

    مُلحِد مصيافيّ مُندس

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    الأمل بالحراك التشريني العراقي الثوريّ في تحقيق تغيير ملموس رغم كل الصعوبات وفي المقدمة شبّيحة إيران واللعنة على روح حافر واضع قدم ملالي الإرهاب في دمشق!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات