هل الثورة السورية ليست شأناً غربياً؟

هل الثورة السورية ليست شأناً غربياً؟
منذ خمسين سنة تقريباً، والغرب (أمريكا وأوروبا) يتعايش بأريحية مطلقة مع نظام الأسد (الأب والابن) الديكتاتوري. لم تتعرض مصالحه للخطر طوال هذه العقود الخمسة. 

الجميع، في هذا الغرب، شاهد بلا مبالاة المجازر الرهيبة التي ارتكبها ممثلو هذا النظام طوال فترة حكمهم. لكن، ماذا فعلوا؟ لا شيء!...

 بعضهم انتقد وشجب وأصدر البيانات المنددة، في حين التزم الآخرون الصمت؛ وكأن شيئاً لم يحدث!

هذا يذكرنا بمبدأ معروف في كرة القدم؛ عندما يمرر أحد اللاعبين الكرة إلى لاعب آخر بشكل خاطئ، وهذا يسجل الكرة في مرماه، يدرك الجميع أنه ليس الشخص الذي أعطى التمريرة هو المسؤول، وإنما الشخص الذي سجل. أما إذا كان الشخص الذي سجل الهدف في مرماه مشهوراً، والشخص الذي أعطى التمريرة هو غير كذلك، فلن يقع اللوم على النجم؛ بل على الآخر غير المعروف! 

سيجدون التبريرات ويقولون: لقد مرر الكرة بشكل سيئ، كان عليه أن يأخذ في الحسبان اتجاه الريح، أو يرى بوضوح أين يقف ذلك "النجم" حتى يعطيه الكرة، وبشكل عام كانت تمريرته مفاجئة وغير متوقعة. في النهاية، لا يمكن أن يكون "النجم" مخطئاً!

إن الذي يحدث في الملاعب السياسية غالباً ليس بهذه البساطة. قد يكون له نتائج دموية كارثية. لا يُتهم من الذي ارتكب الجريمة ويحاكم، بل ذاك الذي خلق وضعاً لا يستطيع فيه مرتكبها، كما يُزعم، أن يتصرف بطريقة أخرى.

كانت هناك لحظات من هذا القبيل في تاريخنا السوري الجديد: مجزرة حماه التي قام بها حافظ الأسد وأخوه رفعت، والمجازر الأخرى التي ارتكبها بشار - ابنهما بالإجرام - لاحقاً. تعد هذه الجرائم التي ارتُكبت بمثابة بقع دموية لا تمحى في ذاكرتنا السورية الجمعية؛ ومع ذلك تنسب في الحالة الأولى إلى قسم صغير من الإسلاميين (الإخوان المسلمين)، وفي الثانية إلى الإسلاميين بجميع فئاتهم. 

مجزرة حماه التي قام بها حافظ الأسد وأخوه رفعت، والمجازر الأخرى التي ارتكبها بشار - ابنهما بالإجرام - لاحقاً. تعد هذه الجرائم التي ارتُكبت بمثابة بقع دموية لا تمحى في ذاكرتنا السورية الجمعية

يتم تقديم هذا الأمر بطريقة تجعلنا نحن الذين أطلقنا ثورة لا رجعة فيها، أدت إلى مشاكل لا حصر لها، وما زلنا حتى الآن لا نستطيع تخليص أنفسنا منها رغم مرور عقد من الزمن. ليس الأسد هو الملام غربياً، بل نحن الملامون، لأننا أشعلنا ثورة ضده، وبالتالي دفعناه للرد علينا بهذه الطريقة. إذاً نحن المذنبون، لأننا شاركنا فيها! 

وهنا تأتي إجابتهم عندما نطلب منهم المساعدة في ردع المجرم والقاتل: "لا يمكننا فعل أي شيء، لأنكم فعلتم هذا وذاك، والآن أنتم مسؤولون عن كل شيء. لقد سمحتم للإسلاميين بالسيطرة على ثورتكم، لذلك تحولت إلى جهاد وما شابه.. ألا تعلمون أن الجميع، ما عدا تركيا وقطر، يخشون انتصار الإخوان المسلمين؟".

لا، أبداً.. نحن خرجنا بالآلاف إلى الشوارع والساحات ضد نظام بشار الأسد، ودعونا في البداية إلى ثورة سلمية تطالب بالحرية والكرامة وكل المطالب الجميلة الأخرى. لكن الأسد رد بفظاعة ووحشية لا مثيل لها.. نحن لم نعمل على أسلمة الثورة، بل الأسد هو الذي أطلق سراح المعتقلين الإسلاميين من معتقلاته بعد انطلاق عجلة الحراك الشعبي ضده.. كذلك سمح المالكي - رئيس الوزراء العراقي الأسبق - بهروب الإسلاميين من سجون بلاده. ثم سمحت دول الجوار بدخول الإسلاميين القادمين من كل حدب وصوب، حتى إن هناك الكثير من هؤلاء قد جاؤوا من الدول الغربية، ليلتقوا في سوريا ويشكلوا تلك الجماعات الراديكالية.. هذه ربما كانت خطة متفق عليها للتخلص منهم مرة واحدة؟! 

نحن لم نعمل على أسلمة الثورة، بل الأسد هو الذي أطلق سراح المعتقلين الإسلاميين من معتقلاته بعد انطلاق عجلة الحراك الشعبي ضده.. كذلك سمح المالكي - رئيس الوزراء العراقي الأسبق - بهروب الإسلاميين من سجون بلاده. ثم سمحت دول الجوار بدخول الإسلاميين القادمين من كل حدب وصوب

يرتفع صوتهم ويقولون: "تعتبروننا منافقين، ولا نبحث إلا عن مصالحنا! حسناً، إذا تدخلنا عسكرياً فإننا سنشرع في مسار دموي آخر في منطقة ليس لنا فيها مصالح حيوية، ربما باستثناء النفط القليل. ماذا سنفعل إذا تدخل الروس والإيرانيون، وتسببوا لنا في هزيمة مؤلمة؟ هل سنتحمل الذل، أو نبدأ التصعيد؟ ماذا لو بدأت صواريخ إس 300 وإس 400 بإسقاط طائراتنا؟ ماذا سنفعل إذا أخذ عناصر من حزب الله رهائن منا؟"...

من قال لكم إننا نريد أن تتدخلوا عسكرياً في سوريا.. كل ما نريده هو تجميع مقاتلينا في جيش واحد وتسليحه تسليحاً نوعياً، ومن ثم اتركونا نقاتل الأسد كما كنا في البداية.

يصمتون لبرهة ثم يضيفون: "أرسل رونالد ريغان مشاة البحرية إلى لبنان عام 1983. أدى ذلك إلى هجوم على ثكنتهم في سفارتنا ببيروت ومقتل 241 من هؤلاء المشاة. واعتبر ريغان هذا أسوأ خطأ ارتكبه في رئاسته. هل سنكرره فعلاً، لأن بشار لم يرق إلى مستوى توقعاتنا؟".

أنتم تفكرون بأنكم ستنفقون المال وتسفكون الدم حتى يتمكن "الإخوان المسلمون" من الإطاحة بأسرة الأسد، ويأخذوا السلطة ويخلقوا دولة إسلامية في سوريا. تفكرون بعدد القتلى والجرحى في الحرب، التي ساعدنا نحن أنفسنا على إشعالها. تفكرون بوضع هيبتكم على محك إسقاط الأسد. تفكرون بالخسائر، وردة فعل وسائل الإعلام.. نحن لا نطلب شيئاً سوى أن توقفوا تدخل الدول الأخرى بشؤون ثورتنا، وتقوموا بتوريد الأسلحة لنا، ونحن نتكفل بالباقي...

يؤكدون: "أنتم لا تعرفون بأنه تدفق الدم لقرون من أجل حل النزاعات الدينية والعرقية في الغرب، وقد علمنا أجدادنا أن نبتعد عن هذه الصراعات، لأنها ليست من شأننا، لا سيما في سوريا". 

 تدفق الدم لقرون من أجل حل النزاعات الدينية والعرقية في الغرب، وقد علمنا أجدادنا أن نبتعد عن هذه الصراعات، لأنها ليست من شأننا، لا سيما في سوريا

يشن بشار الأسد حرباً على شعبه منذ عشر سنوات، ولا نهاية للبؤس والمعاناة في الأفق. إنه يجوع شعبه، وحالة الطوارئ أصبحت جزءاً من حياة الناس اليومية. مئات الآلاف ينتظرون في مخيمات اللاجئين، والغالبية تخشى من التعذيب والقمع والتنكيل. جيل كامل من الأطفال يكبر دون أي تعليم في بلد مدمر. جيل لا يعرف سوى عذاب الحرب والجوع والبرد... جيل يكبر، وستكون داعش والقاعدة والميليشيات الشيعية في انتظاره!. 

دُفنت أهداف ثورة 2011 تحت أنقاض المدن والقرى السورية، وسحق النظام والإسلاميون والقوى الأجنبية رغبة الشعب في الحرية والكرامة... وماذا؟

هل تعرفون كيف وصفكم بشار الأسد بعد إدلائه بصوته في مدينة دوما قرب دمشق؟ 

لقد ندّد بانتقاداتكم الأخيرة المشكّكة في نزاهة انتخاباته، قائلاً: "أعتقد أن الحراك الذي رأيناه خلال الأسابيع الماضية كان الرد الكافي والواضح، وهو يقول لهم: قيمة آرائكم هي صفر وقيمتكم عشرة أصفار". 

هل تعرفون أن المكان الذي انتخب فيه بشار الأسد نفسه رئيساً للأبد، يبعد قرابة 900 متر عن مكان مجزرة سوق الهال وساحة الغنم، و1300 متر عن مكان مجزرة الكيماوي. وأنه سار في طرق غرقت بدماء مجازره... 

كالعادة، أنتم تشاهدون بصمت، وتشعرون بالسعادة عندما يقتل أعداؤكم بعضهم بعضاً، حتى يُبقوا أبواب الجحيم مفتوحة بعيداً عن أراضيكم.. أجل الثورة التي استنجدت بكم ورفعت شعاراتكم لم تعد تعنيكم، أصبحت بعيدة عن اهتماماتكم.. أجل، إنها يتيمة؛ وليست شأناً غربياً تماماً... 

التعليقات (3)

    فضل

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    قال وقعت الفاره من السقف فقلها القط (اسم الله) قالتلو حل عني وبكون بالف خير من الله

    طموح

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    صح قلمك يا صديقي

    مُلحِدْ مصيافيّ مُندسّ

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    فتحت أوروبة أبوابها لرفعت الأسد: لأجل الدولارات! أعطني دولاراً وارمِ كل حقوق الإنسان والحريات والدمقرطة بأقرب سلّة مهملات! الإدارة الأميركية تضع رؤساء وملوك العالم العربي من خمسينيات القرن الماضي .. لكن لا شيء يدوم! لا السوريين ولا العرب عامة يعرفون اليأس!
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات