البداية من حلب
على محبة الحيوانات الأليفة والرحمة بها نشأ (محمد علاء الجليل) في مدينة حلب كتجسيدٍ غير مقصود لحماية حقوق الحيوان والتي طالما تغنى بها الغرب كتفردٍ إنساني منقوص.
وعن بداياته أجاب ( محمد ) "ترجع القصة إلى ماقبل 40 سنة عندما كان عمري 6 سنوات أخرج برفقة والدي الذي زرع بداخلي خصلة الرحمة والعطف على الحيوانات ولاسيما القطط المنزلية. كنت أطعمها وألعب معها، وكبر معي حلم بناء دار خاصة للقطط للاهتمام بها بشكل أفضل، ومع بداية الثورة السورية ونظراً لما شاهدته من دمار وضحايا للبشر بفعل القصف والتدمير من ميليشيا أسد وحلفائه، عملت لمدة ثلاث سنوات مسعفا بسيارتي الخاصة أنقل الجرحى والمصابين من بشر وحيوانات، وجمعت حوالي 170 قطة في أحد منازل حي هنانو المدمر كأول بيت للقطط في سوريا عام 2014م والذي لاقى قبولاً واسعاً لدى الأهالي في سوريا وحتى على الصعيد العالمي والدولي، وتلقيت دعماً مادياً لا بأس به لتوسيع مشروعي وتحسينه".
وأضاف " في عام 2016م تعرضت محافظة حلب لحملة قصف هستيرية وجنونية وتصعيد عسكري من قبل ميليشيات أسد الطائفية وحلفائها، وكان لبيت القطط نصيب من ذاك القصف، حيث نفقت حوالي 40 قطة بغاز الكلور الذي استهدف المنطقة ولم أستطع أن أنقذ سوى 22 قطة بسبب هروب معظمها ونفوق الباقي، ومما أثر في نفسي كثيراً هو ضعف القطط وعدم قدرتها على حماية نفسها ما دفعني إلى عقد العزم على بذل قصار جهدي لحمايتها والاهتمام بهل مهما كلفني ذلك، وتهجرت أنا والقطط لقرية كفرناها في ريف حلب وبدأت من جديد، ولكن حقد الأسد والقصف لاحقنا مرة أخرى ودمر كل شيء"
إلى إدلب.. هربا من إجرام الأسد
ومع التقدم العسكري الأخير لميليشيات أسد الطائفية، انتقل محمد إلى مدينة إدلب مع بداية العام 2019م حاملاً معه بعض القطط وبقايا من حلمه الكبير والكثير الكثير من الإنسانية المتقدة
"مارح يوقفنا شي" بهذه الكلمات تابع (محمد) حديثه معنا "بعد التهجير الثاني بدأنا من نقطة الصفر في مدينة إدلب بعد أن تم تأمين مزرعة لإيواء القطط الشاردة من كل مكان من إدلب وريف حماة، وخاصة بالمناطق التي كانت تتعرض للقصف إبان تقدم ميليشيا أسد إليها حيث كنت أجازف بحياتي للدخول إليها وإنقاذ مايمكن إنقاذه من بشر وحيوانات "فكلها أرواح تستحق التضحية" وعندنا في بيت القطط اليوم حوالي 150 قطة ونولي اهتماماً بالصغيرة والمريضة منها كونها أضعف من غيرها، وقمنا حالياً بإنشاء دار للأيتام ضمن مزرعة القطط تضم حوالي 70 طفلا وطفلة ممن فقدوا أحد الأبوين أو كلاهما لتعليمهم مجاناً ودمجهم مع القطط كعلاج نفسي للخروح من أزمة اليتم وقساوة الحرب وقطفنا آثارا إيحابية لهذا الأمر وحسّنّا من نفسية كثير من الأطفال بالدار".
خطوط حماية طبيعية
القطط والكلاب وغيرها من حيوانات لم تخلق عبثاً، بل لها دور أساسي في المحافظة على التوازن البيئي، اعتاد الناس على تربيتها والعيش معها منذ القدم، ولكن حالياً مع ظروف المعيشة الصعبة تخلى الكثير عنها، مجبرين على تجاهل دورها الإيجابي في حماية البشر أنفسهم، ليقوض الله لها من يهتم بها وينذر حياته لحمايتها، كأمثال (محمد علاء الجليل) الذي وضّح هذه النقطة في سياق حديثه معنا بقوله" تشكل الكلاب الدرع الأول وخط الحماية الخارجي للقرى والبلدات لمنع الضواري كالضباع والذئاب من الدخول إليها وأذية البشر ومواشيهم، بينما تعتبر القطط الدرع الثاني وخط الحماية الداخلي للأهالي ضد الزواحف والحشرات الضارة كالعقارب والفئران، ونسعى حالياً بنشر مقاطع فيديو توعوية لوجوب المحافظة على الحيوانات الأليفة وتسليط الضوء على وظيفتها الإيجابية، وتمكنا من إيقاف عدة قرارات متعلقة بقتل الكلاب والتخلص منها، ووجهنا القائمين على الأمر بتجميع الحيوانات على أطراف القرى وهوامشها كالمكبات مثلاً وتزويدها ببقايا لحوم المسالخ والمداجن وتعويدها أن هنا مكان طعامها المتوفر وبالتالي بقاؤها في محيطه"
جوائز عالمية وكتاب!
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس..
بات اليوم عمل (محمد) الإنساني حديث العالم بأسره، متصدراً شبكات التواصل الاجتماعي ما بين مفتخرٍ بعمله الجميل، وداعمٍ له بالجوائز والعينيات للاستمرار بعمله الفريد حتى النهاية
وعن التشجيع والجوائز تابع حديثه معنا "كثير من الشخصيات والمنظمات العالمية ساهمت وبشكل مباشر بدعم مشروع بيت القطط ودار الأيتام بوسائل وطرق مختلفة، والتي كان أولها عام 2016م في ذروة شهرتي عالمياً عبارة عن مبلغ مالي مقدم من محطة راديو عالمية، وبعدها جائزة المعلمة الكبرى ( شينغاهاي) الأمريكية المهتمة بالبيئة عام 2017م، وتوالت بعدها التبرعات المالية بنسب مختلفة، وتم مؤخراً طبع كتاب بعنوان "رجل القطط في حلب" من قبل كل من الكاتبة الأمريكية ( إيلين سام) والسوري ( كريم زيد باشا) يحكي قصة حياتي ونشاطي في رعاية القطط خلال أربعين عاما، وحصل الكتاب على جائزة شرفية أمريكية بداية عامنا الجاري كأفضل كتاب مصور للأطفال، ورصد ريعه لدار الأيتام وبيت القطط".
وتبقى مبادرة محمد علاء الإنسانية منارة واضحة على وجود الخير واستمراره في نفوس السوريين مهما بلغت قساوة ظروفهم، كرسالة واضحة للعالم بأن الرحمة لا تنزع من القلوب، والرأفة لا تقتصر على الإنسان من الإنسان بل على جميع مخلوقات الله، وذلك من تعاليم ديننا السمح، وتوجيهات رسولنا الكريم فقد ورد عنه أنه حذر من سوء معاملة الحيوانات بقوله "دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" بل وشجع على حسن معاملتها وجعل الله عز وجل ثوابا لذلك.
التعليقات (0)