كتاب جديد لمسؤول المراسم في عهده: هكذا تعرّفتُ على صدام

كتاب جديد لمسؤول المراسم في عهده: هكذا تعرّفتُ على صدام
من سلسلة الكتب الجديدة التي تتوالى وتُرافِقُها أحاديثُ الذكريات، كتاب نديم الياسين مسؤول المراسم في عهد صدام حسين وعنوانه «40 عاماً مع صدام حسين». سرْد أرادَه كاتبُه أن يضيء على زوايا معيّنة في حياةِ مَن حكم العراق تمجيداً وتخليداً بل واقتراباً من «التقديس» أحياناً، لكنه مِثل كتابات ولقاءات من سبقه يؤكد للمتلقّي أن صدام كان منفصلاً عن الواقع وأن غالبية مَن كانوا حوله... كذلك.

هي مشكلةُ ثقافةٍ عربية. عقيدة حزبية. بحث عن «بطَل». تماهٍ مع «أسطورة»؟ الموضوع فعلاً ينتقل من البحث والنقاش السياسي إلى ميدان عِلْمِ النفس. وكلما قرأ قارئ مزيداً من هذه الكتابات، ازداد قناعةً بأن المرضَ مستفحلٌ وخلاياه عدوانية مع الحاضر والمستقبل اللهمّ إلا بالنسبة إلى أولئك الذين يملكون من العجز ما يدفعهم آلياً إلى رفْع القبَضات هاتفين: بالروح بالدم.

نديم الياسين كان شاهداً على ما يُراد له أن يشهده، ومَن كان يجرؤ أساساً على الاجتهاد وتوسيع الرؤية والنقاش في ظل تلك الزنزانة القاسية؟ لكنه، وهو يسردُ ويكشفُ ويشرحُ ما سمعه حاضراً أو ما استرق السمع عنه، يوضح أكثر فأكثر أن هذا «القائد المُلْهِم» و«الرمز التاريخي» إنما ما هو إلا ذاك الرجل الذي لم يملك من الحِكمة والإدارة والحِنكة شيئاً.

نديم الياسين كان شاهداً على ما يُراد له أن يشهده، ومَن كان يجرؤ أساساً على الاجتهاد وتوسيع الرؤية والنقاش في ظل تلك الزنزانة القاسية؟ 

«هكذا تعرّفتُ على صدام» يقول الكاتب مفتتحاً سلسلة فصولٍ غير متسلسلة زمنياً ليحكي ما رآه معه وما سمعه منه وعنه.

وبعيداً من القصص الشخصية لبدايات التحرك السري في ستينات القرن الماضي وما يتخلّلها من «هالاتٍ غير طبيعية» لصدام، وبعيداً من فصلٍ كامل يتعلق بطفولة صدام وكيف اقتحم صغيراً وكرَ ذئابٍ بخنجرٍ وعصا مكملاً سيْره إلى منزل خاله ليتعلّم... بعيداً من ذلك كله، نتوقف عند موضوعٍ واحدٍ يتعلق بجريمة العصر أي غزو الكويت وكيف كان صدام يتصرّف.

مثله مثل كل البعثيين ومَن يجاريهم في البعْثنة من التيارات الأخرى، يصف الكاتبُ جريمةَ غزوِ الكويت دائماً بكلمة «دخول». ويكشف في سرْده لتلك اللحظات أشياء كثيرة تؤكد أن قادةَ البعث آنذاك كانوا أهلَ عنفٍ واحتلالٍ ولا علاقة لهم بأهلية الحُكْم.

ينقل الكاتب عن صدام أن كل دول الخليج بلا استثناء شاركتْ حسب زعمه في ما سماه «مؤامرةَ» خفْضِ أسعار النفط، لكنه يكشف في أكثر من موقع أنه أراد التركيز فقط على الكويت ولذلك حاول تحييد زعماء خليجيين ظناً منه أنهم يمكن أن يمنحوه غطاء للغزو.

اعتبر صدام أن كل دول الخليج بلا استثناء شاركتْ في ما سماه «مؤامرةَ» خفْضِ أسعار النفط

هذه المحاولات الملتبسة تم استكمالُها بإعداد ورقةٍ سريعة تسمى معاهدة تعاون وعدم اعتداء بين الكويت والعراق خلال زيارة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد قبل أشهر من الغزو إلى بغداد وتوسيمه بأرفع وسام عراقي شكراً له على دعم صمود بلاد الرافدين.

وعندما طلب الشيخ جابر من صدام أن تُترك المعاهدة للمختصين كي يدرسوها قبل التوقيع، هزّ رأسه باسماً وقال لمرافقيه وهو يودّع الشيخ جابر إن هذه المعاهدة كانت لمصلحة الكويت... كان يدرك ماذا يفعل تماماً، كما كان الشيخ جابر الأحمد يدرك ماذا كان صدام يفعل.

وللدلالةِ على «الحِكمة والحِنكة والحصافة»، يروي الكاتب أن صدام استدعى حسين كامل، مسؤول الحرس الجمهوري آنذاك، إلى لقاء يُعقد بينه وبين الحسين ملك الأردن الراحل الذي كان يحاول نزْعَ فتيل الأزمة، وقال له حرفياً كما ورد في الكتاب: «حضر العصي» أي تهيئة الحرس الجمهوري للغزو. وهي مصطلحات لا يجاري أحدٌ فيها البعث وقادته.

ثم أدخل نائب رئيس الأركان حسين رشيد وطلب منه إخراجَ الخرائط العسكرية وذلك قبل أسابيع من جريمة العصر. ويتابع الكاتب سرْدَ المحضر وكيف أن الحسين أبلغ صدام أن غزو الكويت سيضرّ العراق أولاً ومنظومة الأمن العربي ثانياً، وكيف شرح مروان القاسم وزير خارجية الأردن آنذاك للوفد المحيط بصدام ماذا سيكون عليه رد الفعل الأميركي والدولي.

وعندما ردّ عليه وزير الإعلام العراقي آنذاك نصيف لطيف الجاسم بمقولة صدام نفسها: «سنلقّنهم درساً لن ينسوه»، عقّب القاسم: «هذه ليست حرباً تقليدية سيقاتلونكم دون أن تروهم»، ليكتشف غياب أي فكرةٍ لدى قادة العراق عن حرب الصواريخ المسيَّرة من البحار ومقاتلات «الشبح».

وعلى الطريقة البعثية أيضاً، يروي الكاتب أن خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، اتصل برئيس ديوان الرئاسة العراقية يسأل عن صدام في يوم الغزو. فردّ الأخير أنه في الجبهة ولا يَعرف الوصول إليه، ثم ينسب للملك فهد أنه طلب من هذا الموظف أن يُبْلِغ إلى صدام بأن يوقف الغزو مقابل مجموعة إجراءات لا يمكن أن يصدّقها العاقلُ والجاهلُ على السواء وخصوصاً عروض توزيع الجُزُر وتقسيمها.

اتصل الملك فهد بن عبدالعزيز، برئيس ديوان الرئاسة العراقية يسأل عن صدام في يوم غزو الكويت. فردّ الأخير أنه في الجبهة ولا يَعرف الوصول إليه!

فقامةٌ تاريخيةٌ بحجم الراحل فهد كانت الأساسَ الذي بنى التحالفَ الدولي في تحريرِ الكويت، وصاحِبُ العبارة الشهيرة: «الحياة والموت تساوت عندنا بعد احتلال الكويت، وما عاد فيه كويت وفيه سعودية، كلهم واحد يا نعيش سوا يا نموت سوا».

هذا القائد الذي حرّك العالمَ، لا يمكن أن يتخيّل المرء أنه يعطي اقتراحاتٍ لوقف الغزو بحلولٍ تفصيلية مع... موظف. إنما هو البعث مجدداً، هذا الحزب المنتقل من الدعايات الكاذبة إلى رسوم الكاريكاتير.

ويستمرّ الكاتبُ في كشف نيات صدام ورفاقه رغم المبررات الاقتصادية التي أُعطيت لجريمة الغزو، فينسى الاقتصاد وأسعار النفط وحقل الرميلة ويكشف الحقيقةَ في لحظةِ عدم تركيز. 

هنا حسين كامل عندما يتحدّث عن خور عبدالله يصرخ: «الحل أن نأخذ الكويت كلها ونصحّح الظلم التاريخي». وهنا طارق عزيز يدخل ديوان الرئاسة ويقول إن القيادةَ قررت، في اللحظة التي يعطي فيها صدام العالمَ وعوداً بالانسحاب، «ضمّ الكويت واعتبارها المحافظة 19»... أي أن الكاتب يكشف أن كل مبررات الغزو كاذبة وأن الهدف هو «تصحيح وضع تاريخي وإعادة ضم المحافظة 19».

مرة أخرى، في الفصول المُعَنْوَنَة «هكذا تعرّفت على صدام»، يعرّف الكاتب العالم مجدداً بصدام الحقيقي وقدراته العقلية والإدارية واستيعابه للأمور ومعرفته بالدنيا واستسهاله تدمير العراق لتبقى صورُه ولو على جدران مهدَّمة... فبعد أيام، فقط أيام، من بدء حرب تحرير الكويت، ينقل الكاتب عن حسين كامل أنه دخل ديوان الرئاسة وقال إن كل الدفاعات الجوية العراقية تدمّرت وإن «العدو كسب الحرب».

عن صحيفة (الرأي) الكويتية 

التعليقات (3)

    محمد

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    ان ترك الكويت دوله مستقله وحرمان العراق من البحر ومن مياهه هو جريمة العصر والاعتراف بالحدود التي وضعتها بريطانيا هو أكبر جريمه بحق العروبه

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    بالله ما حدا طلع من قدك يا صدام غير حافظ الأسد مع انو هنتو الاتنين اوسخ من بعضكين

    العلويين والاسد هم شركسيون يهود

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    الثقافة الغربية والشرقية سقطت باعين الناس هي وشعوبها الداعمة لقتل الاطفال بالكيماوي واصبح عارا عليهم الكذب عن هتلر السياسي الواعي، ان داعمي سجون العار ورؤساء العار هم مثلهم وكما نحتقر الزنوج بسبب اوباما اصبحنا نحتقر السويد ونوبل لاوباما مجرم الحرب، بايدن تركو عجنب لانو ضايع
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات