رسائل موسكو في إدلب وعفرين

رسائل موسكو في إدلب وعفرين
لم يكن مفاجئاً الهجوم المدمر الذي أقدمت عليه روسيا عبر طيرانها الحربي والذي ترافق مع قصف مدفعي وصاروخي من ميليشيات نظام الأسد على قرى جبل الزاوية, وأوقع عشرات الشهداء والجرحى ودمر بيوت المدنيين وسبب حركة نزوح ثالثة لسكان قرى جبل الزاوية, وهم العائدون مؤخراً من خيامهم على الحدود السورية حنيناً لأرزاقهم ومنازلهم, حالمين بعودة الاستقرار لتلك المناطق.

القصف الجوي الذي أرادت موسكو تعليقه على شماعة الإرهاب (كعادتها) عندما ادعت عبر وكالة إعلامها "سبوتنك": (أن القصف الجوي لطائراتها استهدف معاقل الإرهاب لجبهة النصرة وقتل 15 عنصراً وقيادياً منها), ونشرت فيديو يوثق لحظة قصف سيارة المتحدث العسكري باسم جبهة النصرة في قرية "إبلين" (أبو خالد الشامي), لكن الوقائع وتسلسل القصف الموثق لدى ناشطي الثورة يفند ويكذب الادعاء الروسي بعد أن تم التأكد أن القصف الأول على قرية "إبلين" طال منزلاً لمدنيين وتسبب بعدة إصابات, وتزامن ذلك مع مرور سيارة تتبع لهيئة تحرير الشام وفيها بعض القياديين الذين قرروا تقديم المساعدة عبر نقل الجرحى لأقرب نقطة طبية نظراً للإصابات الحرجة للمدنيين المصابين, وهنا عادت الطائرة الروسية لتنفيذ القصف الثاني والذي تسبب بقتل عناصر الهيئة والمدنيين المصابين بالقصف الأول بمجزرة ليست غريبة على من امتهن سياسة الإجرام والتنكيل بالمدنيين.

في كل الأعراف الدولية, وفي كل قوانين الأرض يعتبر قتل المدنيين جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الذي زاد عن ذلك بقوانين الحرب عندما قال المشرع: يمنع قصف العدو الموجود بين المدنيين, وبذلك يكون القصف الروسي جريمة مدانة بكافة المعايير وبكافة سيناريوهات الالتفاف والتضليل التي أرادت موسكو من خلالها التغطية على المجزرة التي ارتكبتها بحق مدنيين عزل يمنع التعرض لهم.

ف في كل قوانين الأرض يعتبر قتل المدنيين جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الذي زاد عن ذلك بقوانين الحرب، عندما قال المشرّع: يمنع قصف العدو الموجود بين المدنيين, وبذلك يكون القصف الروسي جريمة مدانة بكافة المعايير وبكافة سيناريوهات الالتفاف والتضليل

إجرام القصف الروسي وقصف ميليشيات أسد الصاروخي والمدفعي لم يتوقف بعد المجزرة, وطيران الاستطلاع الروسي الحربي أو المسير لم يفارق سماء كامل أرياف إدلب وحلب والساحل, واستطاع تأمين رصد وتشكيل بنك أهداف معظمها لمواقع مدنية يرفض أصحابها النزوح من الخطوط القريبة لخطوط التماس, واستمرت الخروقات والاستهدافات وطال القصف على مدار الأيام القليلة الماضية معظم قرى جبهة "الساحل" وأرياف "جبل الزاوية" ومدينة "أريحا" ومحيطها في قرية "التلاتة" الواقعة في ثنايا جبل الأربعين.

التصعيد العسكري لميليشيات النظام كان برغبة من النظام في دمشق وبأوامر من موسكو الممتعضة من المواقف التركية الأخيرة, لأن القيادة السياسية الروسية في موسكو وقيادتهم العسكرية في قاعدة "حميميم" لديهم الكثير من الرغبات التي لم تتحقق رغم جبروت قدراتهم العسكرية, إن كان باستعادة كامل الجغرافية السورية لحليفهم الأسد وهذا هدف لم تخفه روسيا يوماً, أو عبر تحفظات روسية على الدور التركي في الشمال السوري.

عندما تم التوافق بين موسكو وأنقرة على ضرورة سحب نقاط المراقبة التركية الثماني المحاصرة من ميليشيات أسد, كانت هناك رغبة روسية بانتشارها في شمال طريق "الإم فور", لكن أمنيات موسكو لم تؤخذ بعين الاعتبار لدى صانع القرار التركي, بعد أن قامت القيادة العسكرية في أنقرة بنشر نقاطها في جنوب أوستراد (اللاذقية_حلب) وزادت عليها بتحويلها من نقاط مراقبة إلى نقاط قتالية بعد أن جهزتها بأحدث المعدات العسكرية القتالية الثقيلة, وقامت بتقريبها من خطوط التماس مع ميليشيات أسد ووضعتها على مرتفعات حاكمة لمنحها القدرة الأكبر على التأثير إذا ما كان هناك صدام عسكري أو اشتباك في لحظة ما, وهذا أمر أزعج الروس كثيراً وإن لم يظهروا ذلك.

سياسياً تدرك موسكو أن التسريبات الإعلامية عن بعض التفاهمات التركية_الكردية التي تنسج مؤخراً بمباركة أمريكية لا تصب بمصلحة مشروع الروس في سوريا, وموسكو أيضاً لم تكن راضية وأبدت امتعاضها من نتائج اتصال هاتفي جرى مؤخراً بين وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" مع نظيره الأمريكي "لويد أوستن" والذي تضمن حديثاً عن منطقة آمنة ترعاها تركية على كامل الحدود السورية_ التركية, ومسارعة واشنطن لتشكيل وفد رفيع المستوى طُلب منه التوجه عاجلاً إلى أنقرة أقلق الكرملين كثيراً.

موسكو  أبدت امتعاضها من نتائج اتصال هاتفي جرى مؤخراً بين وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" مع نظيره الأمريكي "لويد أوستن" والذي تضمن حديثاً عن منطقة آمنة ترعاها تركية على كامل الحدود السورية_ التركية

تلك المواقف العسكرية الروسية_الأسدية, وتلك الامتعاضات السياسية الروسية تترافق مع قمة قادمة لمجموعة الدول الصناعية السبع الأكبر بالعالم (كانت قمة الثمانية تضم روسيا لكن تم استبعادها بعد احتلالها لشبه جزيرة القرم), وأيضاً تترافق مع قمتين بمنتهى الأهمية الأولى ستكون بين الرئيسين بايدن_ أردوغان, والثانية وهي الأهم قمة بايدن_ بوتين.

مع تلك الاجتماعات المهمة وتلك القمم الاستثنائية والتي يدخل الملف السوري في حناياها, أرادت موسكو توجيه رسائل متعددة عبر الدماء السورية, وعبر ممارسة الضغط على الجانب التركي من خلال تصعيد عسكري مفتعل في إدلب كي لا تذهب أنقرة بعيداً في مواقفها وتفاهماتها ومقارباتها مع واشنطن وخاصة بموضوع الإس_400, وأيضاً أرادت موسكو توفير مزيد من أوراق ضغط إضافية تشكل مساحة أكبر للروس على طاولة لقاء بايدن_ بوتين.

مع كتابة تلك السطور تقع مجزرة في مشفى الشفاء في مدينة "عفرين" راح ضحيتها حتى الآن 18 شهيدا و35 جريحا, عبر قصف صاروخي مركز تم توجيه أصابع الاتهام الأولى لقوات قسد المنتشرة في محيط بلدات "منغ" و"تل رفعت", لكن وبغياب الدلائل الرسمية والمهنية والواقعية وبعيداً عن الاتهام السياسي, وبعد خروج بيان من "قسد" يدين وينفي العملية ضد المدنيين في عفرين لا بد من التنويه لبعض النقاط:

النفي من جهة قوات "قسد" لا يعني التبرئة الكاملة, لطالما أنكر الروس وعصابة الأسد كل الجرائم التي ارتكبوها بما فيها استخدامهم للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية وخان شيخون ومواقع أخرى رغم كل الأدلة والوثائق والقرائن التي تدينهم وتثبت ارتكابهم للجريمة.

نفي  قوات "قسد" لمسؤوليتهم عن مجزرة عفرين لا يعني التبرئة الكاملة, لطالما أنكر الروس وعصابة الأسد كل الجرائم التي ارتكبوها بما فيها استخدامهم للأسلحة الكيماوية 

لكن وبنقاش عقلاني بعيداً عن الاتهامات المبنية على مواقف سياسية مسبقة يمكن القول إن هناك أربعة مواقع على الأقل تقع ضمن مدى الصواريخ التي يمكن أن تطلق منها وتحدث تلك الجريمة:

موقع "نبل والزهراء" والذي يبعد 20كم عن مشفى عفرين والذي يشغله نظام الأسد وميليشيات إيران ولهما مصلحة بتنفيذ تلك الجريمة ويمكن من خلالها توجيه وإطلاق تلك الصواريخ على مشفى "الشفاء" في عفرين.

مواقع أرياف حلب الشمالية (تبعد حوالي 35_40كم عن عفرين) والتي يشغلها نظام أسد ويمكن من خلالها قصف المشفى في عفرين.

مطار النيرب والذي تشغله ميليشيات إيران ويبعد 50كم عن عفرين ومنه أيضاً يمكن استهداف المشفى ولإيران مصلحة بذلك. مواقع "قسد" في بلدات "منغ" و"تل رفعت" وتبعد حوالي 20 كم عن عفرين ويمكن من تلك المواقع استهداف مشفى الشفاء بعفرين.

أما من ناحية دقة الإصابة فالأمر يحتاج لخبرات عسكرية وفنية, وصواريخ من نوعية خاصة, وتلك ميزة تتوفر لنظام الأسد والإيرانيين وقد تكون لروسيا رغبة بذلك وبرعاية منهم, لجعلها رسالة روسية إضافية ضاغطة على أنقرة تقول من خلالها إنه حتى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون يمكن لنا أن نعيد خلط الأوراق فيها ونجعلها ضمن دائرة الاستهداف, وبرسالة ضمنية روسية أخرى تريد من خلالها ضرب التوافقات الكردية التركية من خلال التأكيد على مسؤولية "قسد" عن ذلك الهجوم.

في المحصلة تبقى التقارير العسكرية المهنية التي تستند لقرائن الرصد الجوي وتقارير أجهزة الاستطلاع الفنية واللاسلكية, القدرة على تحديد جهة وتوقيت ومكان التنفيذ استناداً لخبرات محللين عسكريين لموقع الاستهداف ونوعية السلاح المستخدم واتجاه ورود الصواريخ.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات