محاولة لحل مشكلة التكـفير

محاولة لحل مشكلة التكـفير
يحسب للدكتور محمد الأحمد أنه من بين قلة من المثقفين المشغولين بفكرة التغيير والتصحيح التقط أحد أهم أدوات الوصول إلى المجتمع الكبير ألا وهو الخطاب المتلفز الحي، منطلقا إليه ببث مباشر بالصوت والصورة من صفحته الفيسبوكية. ومن بين تلك الخطابات "المتلفزة" للدكتور الأحمد محاضرة بعنوان "كيف نحل مشكلة التفكير ؟ "

أكثر ما يلفت الانتباه في محاضرة الدكتور محمد الأحمد هذه أربعة أفكار- مقولات:

مقولتان هما من ابتكار الدكتور محمد، المقولة الأولى أو النظرية الأولى هي "الإسلام المعاهد" حيث إن الله بحسب الدكتور محمد يأمر المسلم معاهدة الدولة التي يعيش فيها على احترام قوانينها حتى لو كان فيها ما يخالف الإسلام وأن يكون مخلصا لهذه الدولة ولا يخونها، وباعتقادي فإن الإخلاص للدولة التي تحمينا والمجتمع الذي يحتوينا ويساعدنا على العيش والتقدم والنمو، لهو أمر بدهي، فكيف إذا كان هذا المجتمع وهذه الدولة هما دولة ومجتمع لجوء هربا من دولة ومجتمع أصليين ؟ 

إن الإخلاص للدولة التي تحمينا والمجتمع الذي يحتوينا ويساعدنا على العيش والتقدم والنمو، لهو أمر بدهي، فكيف إذا كان هذا المجتمع وهذه الدولة هما دولة ومجتمع لجوء هربا من دولة ومجتمع أصليين؟ 

إن الولاء والإخلاص في هذه الحالة يفترض بهما أن يتضاعفا، فسلوك الإنسان السَّوي يقتضي منه ألاّ يبصق في الصحن الذي يأكل منه، فكيف لو كان هذا اللاجئ مسلما وكيف لو كان فوق ذلك عربيا؟ فالإسلام يقول لنا من لا يشكر الناس لا يشكر الله وأخلاق العروبة تنصّ على الوفاء لمن ساعدنا مرة فكيف بمن يساعدنا سنوات؟ 

فإن خان أو اعتدى لاجئ على دولة أو مجتمع لجوئه الذي يحميه ويرعاه بحجة أن الشرع يأمره بذلك، فالأولى أن يعيد قراءته وفهمه لمقاصد الشرع.

فهل من ضمن تلك المقاصد مثلا أن يعرّض المسلم حياته للخطر باعتدائه على منشآت أو مواطني المجتمع الذي يحميه؟ أم عليه أن يعمل على تغيير القوانين في هذا البلد بطريقة سلمية؟ وهو ما تحاول فعله جمعيات وجماعات لاجئة في أمريكا أو فرنسا مثلا، أم عليه أن يغادر البلد الذي قدم له اللجوء والحماية والرعاية إلى بلد آخر يستطيع الانسجام فيه مع ذاته وتصوراته..؟ وهذا الخيار الأخير ليس واردا إلا عند قلة قليلة من اللاجئين .

لكن مفهوم الخيانة الذي طرحه الدكتور محمد الأحمد قد لا يكون واردا أصلا في الدساتير الوطنية للدول الأوروبية، وقد لا تكون الكلمة بوقعها ودلالتها العربية السلبية لها مكان في ثقافة الشعوب الأوروبية فالإنسان مخير يملك هامشا جيدا من الحرية في النقد والرفض وفقا للدستور دون أن يعتبر خائنا للدولة أو المجتمع أو الثقافة الوطنية ... إلخ. 

الفكرة الثانية هي فكرة "مثلث الموت" لخّص عبرها الدكتور محمد الأحمد تطور آلية التكفير بشكل متصاعد وصولا إلى القتل .

أما المقولتان الأخريان التي دعا لهما الدكتور محمد، فهما احترام مقدسات الآخرين كي يحترم الآخرون مقدساتنا، فمن يشتم أو يُهين مقدسا لشخص مؤمن فهو كمن يشتم أو يهين مقدسه وإيمانه الشخصي، (المثل السوري القديم يقول لا تشتم إلها لا تعبده ) والثانية ألا نبحث بيننا عن المختلفات وهي فكرة على غاية من الأهمية في اعتقادي وقليلا ما جرى الحديث عنها فنحن اعتدنا على أن نبحث عن أي شيء نختلف عليه في حين أننا نعيش ضمن عالم وأديان ومذاهب وأيديولوجيات متعددة إنما تقوم على وتحوي الكثير من التوافقات والتشابهات، لو دققنا في أدبياتها ومقولاتها الكبرى .

من يشتم أو يُهين مقدسا لشخص مؤمن فهو كمن يشتم أو يهين مقدسه وإيمانه الشخصي، المثل السوري القديم يقول لا تشتم إلها لا تعبده

واقترابا من مسألة التكفير تحدث الدكتور محمد عن قضية مراقبة تصرفات أو أقوال الآخرين وتنصيب الذات رقيباً وحكماً عليها وعليهم، وهو أمر لم يكلّف الله به أحدا غير رسله وأنبيائه، ولعل الاستغراق في هذه الخصلة الطَفالية التطفلية لهي نقص أو تشوه نفسي يصيب بعض المتعصبين أو المتشددين الذين يعتقدون أنهم أولياء أمور المؤمنين، لكن انتقام الطبيعة البشرية من هؤلاء لا يتأخر حينما تدفعهم طبيعتهم القاصرة هذه إلى ارتكاب أفعال ليست من الدين أو الشروع بأفعال مخالفة للشرع، وبالطبع على النقيض مما يدعون الناس إليه .. 

وفي اعتقادي أن مشكلة التكفير يمكن حلها من هذه النقطة، فالتكفير ينتفي حينما يتوقف البعض عن تنصيب أنفسهم كولاة أمور المؤمنين فيعكسون اهتمامهم بالناس إلى الاهتمام بأنفسهم ويتخلون عن مراقبة الناس فيراقبون أنفسهم. 

ملاحظة وحيدة على محاضرة الدكتور محمد الأحمد بخصوص حديثه عن التفريق بين الدين والطائفة، فالحقيقة أن هناك فروقا معتبرة بين الدين والمذهب والطائفة والطائفية، فالدين عقيدة عامة شاملة، والمذهب تعقيد في العقيدة وتفصيل وتنويع داخل الدين يبتعد أو يتمايز قليلا أو كثيرا عنه، أما الطائفة فهي حالة اجتماعية توالي دينا أو مذهبا أو فكرا ما، وأما الطائفية أو المذهبية أو التعصب الديني فهي فاعلية نفسية وسلوكية ترتبط بأناس يؤكدون انتماءهم إلى طائفة أو دين أو مذهب ما، بأساليب سلبية أو متعصبة، وغالبا ما ينبذون كل من هم خارج الدين أو المذهب، فالعالم عندهم قسمان، نحن الجيدون والآخرون سيئون، أو مخطئون أو يحتاجون للنور والهداية، وقد لا يخضع الطائفيون أو المتعصبون فعليا لجوهر التعاليم التي يقولون إنهم يمثلونها أو يتبعونها وغالبا ما يقومون عبر سلوكهم بخرقها والابتعاد عنها ..

الطائفية أو المذهبية فاعلية نفسية وسلوكية ترتبط بأناس يؤكدون انتماءهم إلى طائفة أو دين أو مذهب ما، بأساليب سلبية أو متعصبة، وغالبا ما ينبذون كل من هم خارج الدين أو المذهب

هناك أمر آخر ذو أهمية في محاضرة الدكتور الأحمد يسجّل له كبراءة إبداع أو مبادرة ربما لا سابق لها في الوسط الثقافي والسياسي السوري، وهو أنه أهدى محاضرته إلى سيدة سبق أن جرى بينهما حديث ونقاش عاصف على ما يبدو، كانا فيه على طرفي نقيض، وهو أشار في مقدمة محاضرته إلى ضرورة احترام من نختلف معه، وفي سبيل ذلك أهدى محاضرته إلى تلك السيدة.

وهو موقف أخلاقي وحضاري راق ونادر الحدوث عند نخبنا المثقفة، كما أنه موقف عملي تجسّدت فيه أفكار وثقافة الدكتور محمد، ولم تبق محصورة في عالم المثل أو عالم القول والنظرية ...

التعليقات (1)

    مُلحِد مصيافيّ مُندسّ

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    لن ينتهي التكفير إلا عندما ينتهي "احتكار الطريق القويم" من قبل أتباع كل دين .. المشكلة أن جميع المتدينين يستخدمون ذات الخطاب وبالتدقيق بما يسمى "حوار أديان" تجده أقرب إلى "حوار الطرشان" مع الأسف
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات