إدلب ساحة روسية لإيصال الرسائل وخبراء ومختصون يربطون التصعيد الأخير بأمريكا وتركيا

إدلب ساحة روسية لإيصال الرسائل وخبراء ومختصون يربطون التصعيد الأخير بأمريكا وتركيا
عاد الاحتلال الروسي وميليشيا أسد للتصعيد مجددا تجاه المناطق المحررة في الشمال السوري بشكل مفاجئ بعد هدوء جزئي استمر لأشهر، ليثير ذلك تساؤلات ملحة حول الرسائل الروسية التي حملها التصعيد الهمجي الذي كلف المنطقة عشرات الضحايا من المدنيين، والذي جاء أيضا ما بين تواقيت واجتماعات مفصلية على المستوى المحلي والدولي.

وشن الطيران الروسي حملة قصف مكثفة على قرى وبلدات جبل الزاوية جنوب إدلب، أمس الخميس، إضافة لقصف صاروخي ومدفعي نفذته ميليشيا أسد على تلك القرى وخاصة قرية إبلين، ليسفر القصف عن مجزرة بلغ عدد ضحاياها 12 بينهم نساء وأطفال، إلى جانب عدد من الجرحى وبعضهم بحالة حرجة، ويعتبر هذا التصعيد  المزدوج أول هجوم منذ انتهاء مسرحية الانتخابات المزورة التي أجراها بشار أسد ومخابراته بدعم روسي، كما أنه الأعنف منذ آذار الماضي، حين جددت كلا من موسكو وأنقرة اتفاق وقف إطلاق النار حول إدلب باعتبارهما (الضامنين) للملف السوري.

كما تزامن التصعيد الروسي مع اجتماعات ثنائية لوفود سياسية تركية وروسية لبحث الملفات المشتركة العالقة بين الطرفين ولاسيما الملف السوري، إضافة إلى أنه يسبق لقاءا مرتقبا بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن، وهو الأول من نوعه من تسلم بادين السلطة مطلع العام الحالي.

وما بين تلك المعطيات نناقش في هذا التقرير الأسباب والرسائل الكامنة وراء التصعيد الأخير للاحتلال الروسي وحليفه ميليشيا أسد على إدلب الخاضعة لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي تعتبر الملف الأصعب بين موسكو وأنقرة اللتين تختلفان كليا على مسار الحل السوري وشكله النهائي، في وقت بات ذلك الملف يؤرق المجتمع الدولي لكثرة تعقيداته وكثرة اللاعبين فيه.

مقدمة لعملية عسكرية واسعة؟

تستبعد الفصائل المحلية المقاتلة في الشمال السوري أن يكون الهجوم الأخير على قرى جبل الزاوية مقدمة لعمل عسكري كبير تعد له روسيا على غرار سيناريوهات سابقة، (خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب)، في محاولة روسية لتوسيع سيطرة ميليشيا أسد وقضم مناطق جديدة عبر ابتاع سياسة الأرض المحروقة.

ويقول الضابط في "الجيش الوطني السوري" عبد السلام عبد الرزاق، في حديث لأورينت نت، إن "التصعيد العسكري لميليشيا النظام المجرم وروسيا على جبل الزاوية يأتي في ظل تداعيات كبيرة للحصار المفروض على النظام ويهدف للهروب إلى الأمام بعد انتخابات أسد فهو لن يستطيع أن يقدم أي شيء لشبيحته لذلك يريد توجيه الأنظار إلى الجبهات بعيدا عن الداخل المتهالك"، معتبرا أن التحرك الروسي بمثابة كسر للجمود السياسي للملف السوري الذي سيناقش في لقاء بايدن وبوتين.

في حين أكد الناطق باسم "الجبهة الوطنية" التابعة لـ "الجيش الوطني"، ناجي مصطفى، استعداد الفصائل لجميع السيناريوهات المتوقعة من روسيا وميليشيا أسد تجاه الشمال المحرر، وقال في تصريحاته: "نحن على أتم الاستعداد لذلك، أعددنا خطط دفاعية لصد أي هجوم للنظام"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الفصائل ردت بقصف صاروخي ومدفعي مماثل على مواقع ومقرات ميليشيا أسد في سراقب وجورين وكفرنبل وأوقعت بذلك القصف عددا من القتلى والجرحى في صفوف الميليشيا.

بينما يرى المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادي لأورينت نت، أن "الروس لم يلتزموا يوما ودائما هناك مبررات محاربة الإرهاب"، لافتا إلى أن فصائل الجيش الوطني والجيش التركي ردوا على مصادر القصف "لإسكات مصادر النار ولتقول تركيا بأن قواتها موجودة وجاهزة للتعامل مع الطوارئ"، بحسب تعبيره.

• رسائل روسية لمصلحة الاجتماعات الدولية

غير أن اللافت في الهجوم الأخير على قرى جبل الزاوية لميليشيا أسد وحليفها الروسي، تزامن مع اجتماعات سياسية بين الجانبين الروسي والتركي على مستوى لجان تابعة لوزارة الخارجية، كما أنه يسبق اجتماعا مرتقبا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره جو بايدن، وهو الأول من نوعه وسط جملة خلافات معمقة بين الكرملين والإدارة الأمريكية الجديدة على خلفية نزاعات إقليمية ودولية متعددة ومن بينها سوريا.

ويقول المحلل السياسي عبد الرحمن عبّارة في حديث لأورينت، "يبدو أن هناك تعثر في المفاوضات بين الوفدين التركي والروسي، وأن موسكو تحول تحصيل المزيد من المكاسب لكن أنقرة مازالت ترفض ذلك"، لافتا  إلى أن التصعيد الروسي كان بمثابة رسالة ضغط موجهة لتركيا للقبول بالشروط الروسية خلال الاجتماعات الحالية بين الطرفين، وهي سياسة تتعمدها موسكو دائما بتكثيف القصف على مناطق المعارضة السورية قبيل أي اجتماع دولي حول سوريا.

وبحسب عبّارة فإن روسيا تريد من حليفتها تركيا "أن تنسق مع حكومة نظام الأسد في دمشق بما يتعلق بفتح المعابر ودخول المساعدات الإنسانية، معتمدة بذلك على مسرحية الانتخابات الرئاسية التي نظمها نظام أسد مؤخرا، وهو أمر ترفضه أنقرة"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الملف السوري هو أحد الملفات الشائكة بين أنقرة وموسكو الشريكتان في ملفات إقليمية عديدة، لكن الطرفان لا يسمحان للأمور بالخروج عن السيطرة، وفق تعبيره.

رد خجول من الفصائل

من جهة أخرى، انتقد كثيرون "الرد الخجول" للفصائل المقاتلة في إدلب على التصعيد الروسي تجاه المنطقة، وطالبوا بتوسيع دائرة الرد وفتح جبهات قادرة على وقف أي هجمات تجاه قرى وبلدات الشمال المحرر، إلى جانب انتقاد طال الجيش التركي المنتشر في إدلب وعلى خطوط التماس في مع ميليشيا أسد.

ويقول المحلل العسكري، أحمد رحال في حديث مع أورينت، إن "الجانب التركي مطالب بتقديم تفسير حول التقصير الحاصل"، ودعا إلى تحرك واسع لجيع الفصائل والقياديين للتصدي لخطط الاحتلال الروسي وحليفه ميليشيا أسد ولحماية المناطق المحررة من أي هجمات أو خطط يعد لها الحليفان.

لكن المحلل السياسي عبد الرحمن عبارة يعتبر أن الفصائل في إدلب لا تستطيع توسيع عملياتها والخروج عن الخطوط التركية المحددة باعتبار أن "تركيا ضامن لمنع الفصائل من استهداف النظام انطلاقا من تلك المناطق"، على حد تعبيره.

أين الضامن التركي؟

في حين أن الجانب التركي لم يعلق على التطورات الأخيرة والتصعيد الروسي الأخير في جبل الزاوية، لكن محللون أتراك يعتبرون ذلك سيناريو متكرر للاحتلال الروسي وميليشيا أسد الطامحين بالسيطرة على إدلب بشتى الوسائل المتاحة، بحسب المحلل التركي علي باكير.

ويقول باكير في حديث لأورينت نت، إن "التصعيد في إدلب ليس استثنائي بالنظر إلى المراحل الماضية وطموح الأسد وحلفائه بالزحف وقضم المزيد من الأراضي كلما سنحت الفرصة"، لكنه أشار أيضا إلى أن إدلب يمكن أن تشكل لروسيا "ساحة لارسال الرسائل"، مع استبعاده لأي تغير في المعادلة الراسخة حاليا في الشمال بموجب العملية العسكرية التركية ضد ميليشيا أسد وحلفائه، العام الماضي.

وتعتبر تركيا لاعبا أساسيا وفاعلا في الملف السوري وخاصة في محافظة إدلب وريفي حلب الشرقي والشمالي، باعتبارها أحد الضامنين الثلاثة للملف (روسيا وتركيا وإيران) وخلال الأشهر والأعوام الماضية كثفت أنقرة وجودها العسكري في إدلب بنشر أكثر من 15 ألف جنديا رفقة نقاط عسكرية ضخمة موزعة في مناطق الاشتباك لمنع أي هجوم أو تقدم لميليشيا أسد على المنطقة.

ولكن روسيا تستميت للسيطرة الكلية على محافظة إدلب لصالح حليفها نظام أسد رغم الرفض الشعبي والدولي لتلك العنجيهة، خاصة وأن المنطقة تحوي أكثر من أربعة ملايين مدني معارضون لنظام أسد وفارين من بطش ميليشياته وفيهم نسبة كبيرة من المهجرين قسريا من مناطق أخرى كريف دمشق ودرعا وحلب وحمص وحماة.

وتهدف روسيا من خلال ذلك لمكاسب سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى كتوسيع مناطق سيطرة ميليشيا أسد إلى الحدود التركية من جهة، ولاستحواذها على الطرق والمعابر الاستراتيجية (طريقي إم 5 وإم 5) والمعبر الحدودي مع تركيا، ما يفتح لها المجال لتفعيل خطوط التجارة الداخلية والدولية لإنعاش نظام أسد المتهالك.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات