قراءة في كتاب (سوريو الباصات الخضر): إيمان "فنان البعث" وشاعر للحرب.. والعري في زمن القتل!

قراءة في كتاب (سوريو الباصات الخضر): إيمان "فنان البعث" وشاعر للحرب.. والعري في زمن القتل!
إذا كانت الكلمة هي السحر الخارج من عمل إبداعي، وكانت الكلمة حصيلة جهود متضافرة لترجمة فكر المبدع، فإن النقد هو الذي يترجم كل خطوط الوعي.

يشير كتاب (سوريو الباصات الخضر) في الخفاء، أن الكاتب الفلسطيني السوري راشد عيسى، قرأ جيداً مسار الإبداع السوري خلال الثورة السورية، على ضفتي الثورة السورية من مناصريها ومناهضيها من المثقفين والمشتغلين في الحقول الإبداعية المتنوعة، الحافل بالانتصارات حيناً والهزائم حيناً آخر، كما هو الحال في معظم الإبداع السوري في العقد الأخير . وتوقفت ملياً عند صراخ نقدي أخلاقي ضد مَن ناصر حرب النظام السوري من مبدعين، صراخ عبقري وناعم يتسرب ملامحه إلى نتاج الشبيحة الأسديين ويجعلها غافية وسط حديقة الموت السوري.

إن معركة الوضوح، التي خاضها الكاتب صاحب الهوية الفلسطينية التي يتعاون عليها العالم كل العالم لطمسها، ومجازفته الهوياتية -إن صح النحت- في مقال "هذه هويتي" يتحرر الكاتب من كل أشكال العبودية والحقائق والمسلمات الفكرية، يتساءل عن هويته الآنية بعد اندلاع الثورة السورية، هذا السؤال من الأسئلة الكبرى والملحة على الوجود الفلسطيني الجمعي في سوريا بعد انهيار جمهورية الصمت الأسدية.. وقد جعل عيسى الإجابة على هذا السؤال الملح؛ يستند على ثوابت علمية ورؤية مستقبلية، نعم إنه يسير على خطى أمين معلوف حيث يتشكل من كل العناصر المؤلفة للهوية.

على الناقد المحترف أن يقيم قبل كل شيء النتاج والفكر الإبداعي في ميزان الأخلاق، بصدق الرؤية وتجليها في خطاب نقدي يشد القارئ ويثير فيه الفضول للتعرف على أدق التفاصيل، وفي مقالة "إشبيلية تعود...بابا عمرو يهاجر!"، لا يخفى الجهد البحثي النموذجي والحداثي، حيث يفند عيسى زيف إحدى كليشات وكالة "سانا" الأسدية التي زفت خبر عودة فرقة مسرحية محلية إلى مهرجانات التشبيح والتطبيل لأسد في مهرجان حمص المسرحي. هذه المقالة ما يميزها قدرتها الواسعة على التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والإعلام المرئي، سر فن اللغة  الصحافية وصعوبتها النقدية، أن يكون لكل ناقد أسلوبه المميز عن باقي النقاد، هذه فرادة نص عيسى، ولا بد أن للموهبة حصة في هذا التميز النقدي الإبداعي. في هذه المقالة يتساءل عيسى عن التحولات التي طرأت على الحي، حي مدمر بالكامل، بين شهيد وتشريد واعتقال لم يبقَ أحد ليتفرج على مسرح مركب على سمعة فرقة لم يبقَ من قوامها الحقيقي أحد.

أوغل راشد عيسى في غياهب "الفكر النقدي"، باندفاع صاخب نحو عبثية وجود شكل من أشكال التنفيس الفني الذي أفرزت فنان البعث (دريد لحام)، لتأتي مقالة "إيمان دريد لحام"، طارحة أسئلة واضحة وجدية حيال كم التشبيح الذي يطلع فيه لحام، أبرز فناني التنفيس الأسدي، وهذه لا تتعارض مع المضمون الهادف في النص المنبثق من إيقاع بحثي فكري، الأداء النقدي يعني معايير ثابتة منها: الوضوح، الدقة، المنطق، والانسجام مع الهدف المنشود. في ضوء المعايير السابقة يطرح شخصية أخرى لفنان البعث، الفنان ومعتقداته حيث لا يخفي لحام شدة انتماءه الشيعي كما توضح المقالة، وتبرز المقالة تصريحات من لقاء متلفز للحام يتحدث عن انتمائه الدمشقي الشيعي، ويردف المقالة مقتطفات من رسالة وجهها الأخير إلى المرشد الإيراني بلغة تحيي ثارات تاريخية قديمة. 

 مميزات أسلوب عيسى النقدي المحترف، الموصوفة في هذا المقال الشيق، لا يتتبع عادةً القارئ هذا النوع المحبب من المقالات، الذي يجعله يختار مطالعاته بدقة، ويولد ارتياحاً أن الصراخ والتجريح والدم الفني والغضب الشخصي، عرفت أسبابه في إيمان فنان البعث من أسرة شيعية دمشقية كما يحب أن يعرف عن نفسه، وهذا تعاقب منطقي لشبيح طائفي.

اتجه عيسى لمعاينة الماضي، لصالح شفاء الحاضر واستباق الوهن في المستقبل. هذه الوصفة السحرية التي استلهمها عيسى في مقال "نزيه أبو عفش...شاعر للحرب"، واستعمل مقاربة تشخيصية بين الشاعر الألماني النازي ديتريخ ايكارت وتشبيه للشاعر الأسدي نزيه أبو عفش، هذه المقاربة التشخيصية تدلل على حجم وقراءات الناقد، كثيراً ما يستعمل عيسى مقاربات سياقية تشخيصية مميزة تدلل على فرادة أسلوبه النقدي، فكان مقاله من العلاجات النقدية الموزونة في المشهد السوري.

  فقد حقق راشد في مقاله عن أبو عفش، ما يمكن تسميته فلسفة الالتزام بالواقع المنقود، ما يجعل النص النقدي يراعي الشخصية الثقافية في مراحل تشبيحها، هذا المقال يعري شخصية عفنة تمجد الحذاء العسكري وأذرعته الأمنية، نعم أصاب عيسى حينما ذهب بوصفه الخفي لعفش بالنازية، وخزات ناعمة ولكمات قاضية، وجهه المقال نحو شاعر الخندق الأسدي، تمعن الناقد في نحت شخصية المثقف الشبيح الحاصل على وسام الدولة التقديرية، وفي معنى ما يقول عيسى: "هذا راجع لكل شيء عدا موهبته الشعرية"، هكذا يحدد مسار نقده للنازي الأسدي من الحدقية إلى الهدفية المرجوة. 

عيسى لا يفاجئك أنه الناقد الصحفي حينما يطرح عن عفش أسئلة ناجحة: من؟ ماذا؟ لماذا؟. هذه الأسئلة بدقتها ونتائجها المضمونة، تشبه الشاعر عفش أنه شبيح برتبة مثقف، من واقع القتل والتدمير والتعفيش للجيش الأسدي، لا بد أن يكون هناك شاعر للحرب القذرة، شاعر نازي بثوب أسدي، إنه شاعر الحرب الأسدية.

في مغامرة الحضور أمام الحدث السوري، نجد مقالة "سوريو الباصات الخضر"، نجد الناقد والقارئ على حد سواء في مغامرة الحضور المباشر أمام الحدث، فعليهما سويةً كشف التفجر الحيوي الرمزي للقلق والشوق والضجر والمعاناة والحب والوطن ورغيف الخبر وصوت الرصاص وأشلاء الجثث، يؤسس عيسى بالكلمات ومضة سرد تمثيلة بثوب صحافي، هكذا تعبر حياة السوريين الثائرين في رحلة الشتات السوري، وهم يراقبون المناظر والتطورات التي طرأت على أحوال البلد من وراء زجاج الحافلات الخضراء التي تجليهم عن مناطقهم الأصلية. كما تجعل القارئ وسط حديقة الموت يردد بشجية إيقاع الحنين والحب والحلم، لمعانقة القمر ولقاء الشمس والحرية. إن هذه المغامرة في هذا المقال بحد ذاتها، هي رؤية واضحة، واندماج حقيقي وصميم في صوفية لا ينجح الناقد من الانفلات من الرقيب الأخلاقي فيبوح حيناً بالصوفية وحلم الصحفي.

في مقاله عن معرض الفنان السوري المحسوب على"هيئة التنسيق الوطنية" يوسف عبدلكي، وهو أحد الوجوه التشكيلية السورية المعروفة، حيث يكتب عيسى في مقال حمل عنوان" يوسف عبد لكي ينتصر للوحات العارية في زمن القتل"، يعتبر هذا المقال نقد النص المفقود، بعيداً عن عري اللوحات الذي يعتبر مبدعنا أنها نصر على التابو وخرقه، ينشغل عيسى بالمشهد السوري الساخن على المقربة من الغاليري الذي تعرض فيه اللوحات العارية بحي "المزة" الدمشقي الراقي، هناك عراة من نوع آخر، عراة الحرب السورية التي يشنها نظام فاشي وطائفي قذر، هكذا يكون النقد بعيداً عن تصنيفات وأطر لعلم النقد، يبقى بديهية كتابة نص موازي ورديف للنتاج النقدي.

 تتجول كلمات عيسى بين عراة الثورة السورية، بعيداً عن البعد الجمالي والميتافيزيقي، تبقى عبثية الصورة المصورة لغوياً عند عيسى  مشدودة  إلى الحدث السوري الجدير بالنقد والانشغال، وعلى كل ناقد مبدع أن يكسر القيود، هكذا وصلني صراخ عبقري ناعم من ومضة سينمائية مصورة لغوياً.

إذا كان النتاج الإبداعي هدف المتلقي، فالناقد هو هاجس المبدع وضميره وجسر للمتلقي يحيله على قراءة متوازية ورديفة للنص المفقود، وهو ما يحيل إلى سلطة حقيقية غابت زمن جمهورية الصمت الأسدي، وضمير  أخلاقي غاب عن الكثير في زمن التشبيح الأسدي.

التعليقات (1)

    السيف الدمشقي

    ·منذ 3 سنوات 6 أشهر
    شو هالنقد الاهبل والتمجيد الاعمى؟ كاتب المقال حسيته عم يكتب عن القرآن مو عن كتاب من تأليف واحد من البشر!!!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات