العامل الأول: انشداد الأسد لصورة الزعيم الديكتاتور التي كانت سائدة في المعسكر الشرقي، هذه حالة كحال كثير من الديكتاتوريات.
العامل الثاني: طائفية الرجل. أو لنقل رؤيته للطائفية في الوضعية السورية وتداخلها مع العامل الأول.
العامل الثالث: العامل الإسرائيلي والإقليمي، أو ما يمكننا تسميته الصراع العربي- الإسرائيلي، وتوظيفه بما يخدم العاملين الأول والثاني. هذه العوامل الثلاثة ربما تصنيفها على هذه الشاكلة من باب التوضيح، لكن في الواقع كان من الصعب الفصل بينها. هذه العوامل الثلاثة، كانت تقتضي بناء سلطة قوية تحتاج لدولة المخابرات. أو الدولة الشرطي بدون إضافات.
الزعيم الديكتاتور
كمعظم الانقلابات العسكرية في العالم الثالث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ودخول العالم فيما عرف بالحرب الباردة، أنتج الانقلاب الأسدي ديكتاتورا. الانقلابات العسكرية في العالم الثالث كانت إما مدعومة من المعسكر الشرقي بزعامة السوفييت أو المعسكر الغربي بزعامة أمريكا. لكن ما يجمع هذه الانقلابات في الغالب، هو إنتاجها لديكتاتورية دموية في الغالب.
من النادر أن تجد ديكتاتورا أو انقلابا يغطيه الشرق والغرب، كما حدث في انقلاب الأسد 1970. الديكتاتور الأسدي الذي اتضحت معالمه منذ استيلائه الفعلي على السلطة بوصفه وزيرا للدفاع بعد عام 1967. انقلابه في عام 1970 إنما كان تحصيل حاصل. تحصيل حاصل لأن الرجل كان قد أمسك الجيش بيد طائفية، تحت شعار الجيش العقائدي كشعار بعثي. لم يكن في خلفية الأسد، أن يكون أميرا للمؤمنين، ولا أن يكون ديمقراطيا ليبراليا على طريقة الأنظمة الإمبريالية، فهو يعتبر نفسه من حزب يساري! يرفض الإمبريالية والرجعية. الرجعية هي المتمثلة بالأنظمة الملكية في المنطقة. مع ذلك وجه المفارقة الآخر في الانقلاب الأسدي هو حصوله على دعم هذه الرجعية ماليا بطريقة لم يحلم بها أي نظام آخر في المنطقة.
فتحت له ما يسميها الأنظمة الرجعية خزائنها، كما فتح له السوفييت أيضا معاملهم ومنتجاتهم. حيث شهدت سوريا طفرة إنفاقية مهولة في عقد السبعينيات، قياسيا لما كان سائدا من قبل. هذه الطفرة الإنفاقية، كان مصدرها أموال الخليج من جهة وتسهيلات السوفييت والمعسكر الشرقي من جهة أخرى. أغلب تلك الامتيازات تم صرفها لإنتاج الديكتاتورية الأسدية بحماية الدولة الشرطي. لم يكن هنالك وظيفة للدولة في التفكير الأسدي سوى أنها جيش وجهاز مخابرات بالدرجة الأولى. أما قطاع الدولة فهو ملحق ليتحول الأسد من خلاله لرب عمل أيضا.
إجماع إقليمي ودولي!
الديكتاتور النموذج على الطراز العسكرتاري اليساري! كان في بلدان المعسكر الشرقي، في كوريا الشمالية، في الطراز الناصري. الحديث هنا عن استبداد شرقي لغو لا قيمة له. الديكتاتورية الأسدية منتج معاصر وحداثي. أي أنه إنتاج العصر الذي عاش فيه. هذا الإجماع الدولي والإقليمي على إنتاج الديكتاتورية الأسدية في سوريا، مؤشر ودليل على أن هذا الوضع الدولي آنذاك هو الذي في سياقه وسياق مصالحه تم دفن سوريا أسديا. ما دخل إلى سوريا من أموال في عقد السبعينيات لو استخدمته أية حكومة غير فاسدة، حتى لو كانت ديكتاتورية، لجعلت سوريا من أهم التجارب التنموية. كان الهم الأساسي هو بناء سلطة الأسد بديلا عن الدولة الناشئة حديثا بعد الاستقلال في سوريا.
لكن ليس كأي ديكتاتور فخصاله الشخصية أيضا لعبت دورا في أسدنة هذه الخطوة بفوة مرعبة. حيث قام أيضا باحتكار ميزانية النفط السوري ليتصرف بها وحيدا وبسرية كاملة. حول القطاع العام أيضا الناشئ حديثا، إلى قطاع الأسد، وليس قطاع الدولة كما يحب بعضهم تسميته. جمع الأسد الأب بشخصه أغلب نماذج الحكم الديكتاتورية القائمة آنذاك. يتصرف كعائلة مالكة من جهة وكقائد حزبي شمولي من جهة أخرى. حيث البذخ كان واضحا على ممارساته وممارسات ضباطه ومسؤوليه.
هذا البذخ الذي لم تعرفه دول المعسكر الشرقي نفسه. ولا عرفه عبد الناصر أيضا. لكن القذافي وغيره من الحكام العرب عرفوه. بذخ يساري فاسد في معركة التقدم والاشتراكية.. إنه ديكتاتور لا يشبه أحدا !
التعليقات (0)