في سوريا قانون استثمار جديد لمافيا جديدة: فن الهروب إلى الأمام!

في سوريا قانون استثمار جديد لمافيا جديدة: فن الهروب إلى الأمام!
أصدر بشار الأسد بتاريخ 19/05/2021 القانون رقم /18/، الذي ينظم عملية الاستثمار في سوريا، حيث تم بموجبه إلغاء مرسوم الاستثمار رقم /8/ لعام 2007.  فما هي الرسائل التي يريد نظام بشار الأسد إرسالها بإصداره مرسوماً جديداً للاستثمار، على أنقاض بلد تم تدميره من قبل جيشه وحلفائه من روس وإيرانيين، وما الجديد الذي حمله هذا القانون الجديد.

وقبل الدخول في تفاصيل قراءة القانون الجديد، لا بد من تسليط الضوء على مراسيم الاستثمار السابقة وظروف إصدارها. فقد اعتاد نظام الأسد الأب، ومن بعده الابن الوريث، وبعد كل زلزال سياسي يحدث في منطقتنا يكون مؤثراً على مصير حكمه الغاشم لسوريا، أن يهرب للأمام اقتصادياً، متجاوزاً حجم كوارث هذا الزلزال، ومدى تأثيرها على السوريين. وغالباً ما يهدف هذا الهروب إلى ذر الرماد بالعيون،  وبطبيعة الحال لا يقصد هنا عيون الشعب السوري، لأن هذا الشعب العظيم، يعتبره نظام الأسد مرابعاً في مزرعته، وهو من آخر اهتماماته، ولكن يقصد العيون الخارجية سواء العربية أو الدولية ليرسل رسائل لهم بأنه ما زال هو المتحكم بكل شيء في سوريا.

اعتاد نظام الأسد الأب، ومن بعده الابن الوريث، وبعد كل زلزال سياسي يحدث في منطقتنا يكون مؤثراً على مصير حكمه الغاشم لسوريا، أن يهرب للأمام اقتصادياً، متجاوزاً حجم كوارث هذا الزلزال، ومدى تأثيرها على السوريين

ففي عام 1990 حدث زلزال غزو صدام حسين للكويت، ووقوف حافظ الأسد في صف التحالف الأمريكي المضاد لصدام حسين، ولقاء ذلك تم مكافأته بالسماح له باجتياح قواته لبيروت الشرقية، التي كانت عصية عليه منذ دخول قواته إلى لبنان في عام 1975. وبعد هذا الزلزال تراكمت الثروات بيد حافظ الأسد ورجاله سواء من الأموال المنهوبة من بيروت الشرقية أو من عطايا دول الخليج له نتيجة موقفه، فأصدر حافظ الأسد القانون رقم /10/ لعام 1991 والذي سمح للقطاع الخاص بموجبه بالاستثمار، في بلد ما زال توجهاته اشتراكية بموجب الدستور، ولكن لم يفتح قانون الاستثمار الجديد باب الاستثمار على مصراعيه للقطاع الخاص، بل اقتصر فقط على الاستثمار في ثلاثة قطاعات هي: الصناعة والزراعة والنقل. وهذا طبيعي في تلك الفترة لسببين: الأول أن الاستثمار في مجال الاتصالات والخدمات والثروات المعدنية والعقارات محصورة بآل الأسد، والثاني أن رجالات النظام من ضباط جيش وضباط أمن، ما زالوا مبتدئين في مجال الأموال واستثمارها، وتنحصر معرفتهم بالدرجة الأساسية بالزراعة بالتحديد، وبالسيارات ووسائل النقل الجماعي، وأما الصناعة فهي جديدة عليهم، ولذلك انحصرت في تلك الفترة بالصناعات التحويلية، وصناعة العلكة والبسكويت والمنظفات، وكل ذلك بالمشاركة مع طبقة أغنياء جديدة بدأت بالظهور في المجتمع السوري على أنقاض طبقة الصناعيين السوريين التقليديين سواء في حلب أو في دمشق، والذين تم "تطفيشهم" من سوريا بسبب مضايقات نظام الأسد، أما في قطاع النقل فقد استغل نظام الأسد الأب، تعطش السوريين لوسائط نقل جماعية محترمة للتنقل من محافظة لأخرى، وذلك بسبب احتكار هذا القطاع من قبل شركتين فقط، وهما شركتا الكرنك التابعة لوزارة السياحة، والنقل العسكري التابعة لوزارة الدفاع ( نعم لا تستغربوا وزارة الدفاع التي مهمتها الدفاع عن الوطن)، وتم تأسيس العديد من شركات النقل الجماعية الخاصة بالشراكة بين الضباط ورجالات الأمن ولم تلتفت تلك الشركات لأبسط قواعد الحماية للركاب، مما أدى للعديد من الحوادث التي تسببت بالعديد من الوفيات بين السوريين.

أصدر حافظ الأسد القانون رقم /10/ لعام 1991 الذي سمح للقطاع الخاص بموجبه بالاستثمار، في بلد ما زال توجهاته اشتراكية بموجب الدستور، ولكن لم يفتح قانون الاستثمار الجديد الباب على مصراعيه للقطاع الخاص، بل اقتصر على الاستثمار في ثلاثة قطاعات هي: الصناعة والزراعة والنقل

استمر الوضع على ما هو عليه من عدم تحقيق أي نهوض اقتصادي في سوريا على الرغم من القانون رقم /10/ لعام 1991، حتى حدوث الزلزال الثاني والمتمثل بجريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الشهيد رفيق الحريري في الرابع عشر من شهر شباط من عام 2005، تلك الجريمة التي أستطيع أن أقول دون أدنى شك، بأن بشار الأسد شخصياً - وليس نظامه - هو من خطط لها ومن أمر. هز هذا الزلزال الكبير أركان حكم بشار الأسد وجعله على شفا هاوية السقوط، لولا تساهل الغرب بالتعامل مع هذه الجريمة، وإدخالها إلى متاهات المحكمة الدولية التي أنشئت لهذا الغرض، ونتيجة هذا التساهل الغربي تم إعادة تعويم بشار الأسد عربيا بالدرجة الأولى (وبالتحديد سعودياً). عندها كان لا بد لبشار الأسد أن يعدل قانون استثماره، فأصدر في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني من عام 2007 مرسوم الاستثمار التشريعي رقم /8/ الذي ألغى بموجبه قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991. إضافة للمرسوم التشريعي رقم /9/ القاضي بإحداث هيئة الاستثمار السورية كهيئة مستقلة إداريا ومالياً، وذلك على أنقاض ما كان يسمى مكتب الاستثمار المرتبط برئيس مجلس الوزراء.

وقد تضمن المرسوم رقم /8/ الجديد أفكارا جديدة لم تكن موجودة في قانون الاستثمار رقم /10/، ويعود ذلك لاختلاف المعطيات خلال ستة عشر عاماً من 1991 ولغاية 2007، ويمكن حصر تلك المعطيات بنقطتين أساسيتين الأولى انتهاء أبناء رجال نظام الأسد من ضباط جيش وأمن وبعض السياسيين المدنيين من دراساتهم، ودخولهم عالم المال والأعمال، والبدء باستثمار الأموال التي نهبها آباؤهم، فكان لا بد من ضم قطاعات استثمارية جديدة لم يتضمنها القانون رقم /10/، فتم ضم قطاع الصحة والتعليم والعقارات والخدمات والسياحة كمجالات استثمار جديدة إضافة للزراعة والصناعة والنقل، ولكن مع استمرار إغلاق قطاع الاتصالات أمام المستثمرين لأن هذا القطاع لرامي مخلوف حصراً. أما النقطة الثانية فهي ضرورة رد الجميل للدول العربية ولا سيما الخليجية التي ساهمت بإعادة تعويم بشار الأسد، فتضمن المرسوم الجديد عدة بنود تخدم هذه المصلحة الأسدية بامتياز ومن تلك البنود السماح للمستثمر غير السوري بتملك الأراضي اللازمة لإقامة مشروعه، وأيضاً السماح للمستثمرين غير السوريين بالتأمين على استثماراتهم بموجب اتفاقية المركز الدولي لتسوية النزاعات الاستثمارية /ICSID/  والتي انضمت سوريا لها بتاريخ 29/01/2006. إضافة لحرية تحويل الأموال والأرباح. 

استغل نظام الأسد الأب، تعطش السوريين لوسائط نقل جماعية محترمة للتنقل من محافظة لأخرى، وذلك بسبب احتكار هذا القطاع من قبل شركتين فقط، وهما الكرنك التابعة لوزارة السياحة، والنقل العسكري التابعة لوزارة الدفاع، وتم تأسيس العديد من الشركات الخاصة بالشراكة بين الضباط ورجالات الأمن ولم تلتفت تلك الشركات لأبسط قواعد الحماية للركاب، ما أدى للعديد من الحوادث

وبموجب المرسومين الجديدين /8/ و/9/، بدأت هيئة الاستثمار السورية بتشكيل غرف رجال الأعمال المشتركة فظهرت غرفة رجال الأعمال السوريين والسعوديين المشتركة، وأخرى مع الإماراتيين والبحرينيين والكويتيين والعُمانيين. وبدأ السوريون يسمعون بشركات تعود لرجال الأعمال الخليجيين بالمشاركة مع أبناء رجال نظام الأسد.

أما زلزال اليوم فهو  الثورة السورية العظيمة التي هزت أركان حكم بشار الأسد ، لدرجة أجبرته على اتخاذ خطوات لم يكن المواطن السوري يحلم بها مثل إلغاء قانون الطوارئ وإلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم، وفي المجال الاقتصادي التخلي عن رامي مخلوف مدير أموال عائلة الأسد، الأمر الذي ساهم بظهور أسماء الأسد وعائلتها كعرّابي فساد جدد، مع ظهور أمراء حرب جمعوا أموالهم على حساب ألم ووجع السوريين خلال عشر سنوات من عمر الثورة المباركة. كل ذلك دفع بشار الأسد لإصدار قانون للاستثمار الجديد رقم /18/ والذي هو عبارة عن تجميع للقوانين السابقة مع بعض التعديلات التي يريد بشار الأسد منها إرسال بعض الرسائل سواء للداخل السوري أو للخارج. فعلى صعيد الداخل السوري أراد بشار الأسد أن يكافئ المافيا الاقتصادية الجديدة التي ظهرت خلال العشر سنوات من عمر الحرب التي شنها على الشعب السوري، وأن يمنحهم المزيد من المزايا والإعفاءات إضافة لنقطة بغاية الأهمية وهي السماح لأول مرة بالاستثمار في قطاع الاتصالات، وذلك تمهيداً للقضاء التام على رامي مخلوف وشركاته، والبدء بظهور شركات جديدة لمافيا جديدة مثل شركات "إيماتل" و "تكامل" التابعتين لأسماء الأسد ولعائلتها. أما على الصعيد الخارجي، فقد أراد بشار الأسد أن يرسل عدة رسائل أولها وأهمها لحفائه الروس والإيرانيين الذين ساهموا معه في قتل الشعب السوري، لطمأنتهم على عقود استثماراتهم في سوريا في مجال النفط والفوسفات، وذلك بعدم استثناء القانون الجديد لقطاع النفط والثروة المعدنية من الاستثمارات المتاحة، والرسالة الخارجية الثانية أراد بشار الأسد توجيهها للمجتمع الدولي والغربي بالتحديد، ليقول لهم بأنه مازال متحكماً بمفاصل الاقتصاد السوري، وذلك على الرغم من العقوبات الدولية على نظامه وبالأخص قانون قيصر، أما الرسالة الخارجية الثالثة موجهة للدول العربية وتحديداً الخليجية مفادها بأن نظامه قد أصبح مستغنياً عن استثماراتهم، وظهر ذلك جلياً بإلغاء إمكانية العودة لمحكمة الاستثمار العربية؛ أو أي محاكم أو جهات إقليمية أو دولية في حال النزاعات التي حصر حلها بالمحاكم السورية. أما إبقاء القانون الجديد بند السماح للمستثمر غير السوري بتملك أراضي مشروعه والتي جاءت في المرسوم رقم /8/ لعام 2007، فهذا من أجل إفادة المحتلين الجدد في سوريا ولا سيما الإيرانيين الذين بدؤوا بتملك العقارات والأراضي في سوريا. 

أراد بشار الأسد أن يرسل عدة رسائل أهمها لحفائه الروس والإيرانيين الذين ساهموا معه في قتل الشعب السوري، لطمأنتهم على عقود استثماراتهم في مجال النفط والفوسفات، وذلك بعدم استثناء القانون الجديد لقطاع النفط والثروة المعدنية من الاستثمارات المتاحة

ولكن وعلى الرغم من أن بشار الأسد ما زال يصدر المراسيم والقوانين لإرسال رسائل داخلية وخارجية، إلا أنه لم يفهم بعد بأن الزلزالين الأول والثالث لم يكن الشعب السوري طرفاً فيهما، ولذلك استطاع عبر إصدار قوانين وتشريعات أن يعيد تقديم نفسه بأنه اللاعب الرئيسي في سوريا، ولكن في زلزال الثورة السورية العظيمة المعطيات قد اختلفت، لأن الشعب السوري طرف أساسي، وقد أثبت للعالم أجمع بأنه هو الرقم الصعب في أي معادلة للحل السياسي القادم، وأن بشار الأسد ونظامه  قد بات منتهياً  أو أوشك على ذلك، وما تلك القوانين التي يصدرها بين الحين والآخر سوى انتفاضة ألم خروج الروح من الجسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات