الاستحمار الأسدي.. من صلاة العيد إلى الانتخابات الرئاسية المزورة

الاستحمار الأسدي.. من صلاة العيد إلى الانتخابات الرئاسية المزورة
هناك أمران حرص الأسد (الأب والابن) على إقامتهما في موعدهما دائماً، مهما كانت ظروف البلاد صعبة وأوضاعها حرجة ومتأزمة: صلوات الأعياد في المساجد والانتخابات الرئاسية.

رغم كل ما جرى من تمييع لهذه المناسبات وإفراغ لمحتواها، بحيث أصبحت أعمالاً روتينية لا تقدم ولا تؤخر في شيء، تجد الأسد يسير مزهواً بنفسه صباح كل عيد إلى مسجد معين يتم اختياره بعناية ودقة فائقة، ويعبر إلى رواقه محفوفاً بفرح منقطع النظير واستقبال عارم، كأنه يدخل محرراً المسجد الأقصى، ثم يشق طريقه قاصداً الصفوف الأمامية؛ ومن خلفه يهرع وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية وغيرهم من المسؤولين والمخبرين والحراس، ليؤدوا الصلاة المنتظرة.

الجميع شاهد تقريباً كيف يصلي الأسد في كل مرة، وكيف يقوم بحركات موميائية غريبة، وكيف يحيط به رجال الأمن متنكرين باللباس المدني؛ لكن مع ذلك لا تحتاج إلى شدة انتباه وقوة نظر حتى تلاحظهم مباشرة من خلال ارتكابهم الأخطاء الفاضحة أثناء صلاتهم وعدم معرفتهم بطقوسها البسيطة. هنا يمكنك أن تنفجر ضاحكاً من ضعف إخراج مثل هذه المسرحيات الكوميدية، التي يتم تصويرها قبل العيد بأيام تحسباً لأي طارئ، أو خوفاً من حدوث شيء يعكر صفو الرئيس الورع والمراعي لجميع الشعائر الدينية.

ما تلبث أن تبدأ الخطبة بعد أداء الأسد لصلاة العيد، التي تحولت إلى منشور سياسي دعائي بحت يقوم على تبجيله ومدحه ورفعه إلى مستوى الأنبياء والصحابة والقديسين، دون أن ترف عينا الخطيب ولو مرة من هول الكذب والدجل والنفاق، في حين تجده هو نفسه جالساً على الأرض بين حوارييه الأمنيين يستمع بكل روحانية ووجل إلى الكلمات المشبعة برذاذ حلق الخطيب المر المتطاير في كل الجهات، وقد انفتحت مسامات جلده، وانتصب شعر جسده، وارتفعت أذنيه كأي حمار جبلي أصيل لم يعد يستطيع حمل المزيد من الأسفار المنبرية التي تتساقط عليه بكل انسيابية الوحي التشبيحي.

يستطيع الأسد عدم القيام بذلك، لكنه يريد أن يسير على تقليد تاريخي قديم اهتم بحضوره الخلفاء والملوك والأمراء في كل الدول الإسلامية طوال قرون عديدة، مظهراً في هذه المناسبة أنه حاكم البلاد الشرعي الوحيد وسيد العباد الأكيد! 

نحن نعرف جميعاً أن نظام الأسد العميق والعريق في فساده وتسلّطه وتحكم مخابراته في جميع أمور الشعب المسكين، يسيطر على الحياة الدينية بشكل كامل، فهو يشرف من خلال وزارة أوقافه وفروعه الأمنية على المدارس الشرعية وحفظ القرآن وكليات الشريعة والمساجد والصلوات والدروس ما بعدها؛ حتى إنهم يكتبون للأئمة فحوى خطب أيام الجمعة والمحاور التي يجب أن يتطرقوا إليها! 

أما بالنسبة للانتخابات، التي تعني في جوهرها وسيلة للتغيير ومصدر أمل لمجيء أفضل المرشحين، فقد أصبحت في عهد آل الأسد مجرد ضحك على اللحى، ونتائجها معروفة مسبقاً، بحيث يكون انتصار مرشحهم فيها مؤكداً تماماً. فمنذ أن جاء حافظ الأسد إلى كرسي الحكم نتيجة انقلابه المعروف باسم "الحركة التصحيحية"؛ ورحى الانتخابات تدور من فوزه بنسبة 9.99 % من الأصوات، إلى فوز ابنه بشار بنسبة 97.62 % في استفتاء 2007، ثم بـ 88.7 % في انتخابات 2014 الماضية (حصل المرشحان الآخران: حسن النوري على 4.3 %، وماهر الحجار على 3.2 % من الأصوات)؛ وربما تنخفض قليلاً في الانتخابات الجارية إلى 80 % على حساب رفع حصيلة الأصوات نوعاً ما لدى منافسيه. وهكذا حتى يكبر ابنه جحش الرياضيات (حافظ الثاني)، ويقومون بتغيير الدستور بما يتناسب مع مقاسات حوافره؛ وتجري انتخابات نزيهة جداً ترجح فوزه بالعلامة شبه الكاملة التي كان يحصل عليها جده من دون منازع! 

كل ذلك يجري وسط اتخام العاصمة والمدن الأخرى بصور كبيرة وملونة لبشار الأسد، وحشود احتفالية تغص بها الساحات، حيث يقوم أنصاره بنصب الخيام والدبكة على أنغام طبل وزمر ديوك الأغنية الوطنية الأخوين حسين وعلي، أو تنطلق قطعان السيارات وهي تطلق الزمامير وترفع أعلام الدولة والبعث وصور الرئيس المعروف مسبقاً.

الآن تجري الانتخابات رغم الدمار الذي يعم البلاد، وعدم الاستقرار، والتوتر المتزايد في العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين، وتفشي الفساد، وانهيار الاقتصاد الذي دفع السوريين إلى فقر غير مسبوق، حتى بات أغلب السكان يتضورون جوعاً. تجري في وقت تنهار فيه العملة الوطنية، وخزانة الدولة المثقلة بتكلفة قتل السوريين خلال 10 سنوات الماضية وتدمير مدنهم وقراهم، تتعرض لضغوط إضافية بسبب العقوبات الدولية ووباء كورونا. فحسب تقديرات خدمة "إيكونوميست إنتليجنس يونيت" بلغ الدين القومي لسوريا 57.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل معدل التضخم إلى 99.2٪ في عام 2020. وفقاً لأحدث أرقام الأمم المتحدة، هناك 13.4 مليون شخص - اثنان من كل ثلاثة سوريين - بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

كذلك، رغم أن بشار الأسد لم يستوف أي شرط من شروط الترشح للرئاسة عندما تم تغيير الدستور من أجله، فإنه يضع عدة شروط على المرشحين الجدد. وهذا يشمل، على سبيل المثال، أنه يتعين عليهم الحصول على موافقة 35 عضواً في برلمان التصفيق، الذي يسيطر عليه بالطبع "حزب البعث" وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التابعة كلياً للأسد. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكونوا قد عاشوا في سوريا دون انقطاع على مدى السنوات العشر الماضية. وهو بند يستبعد منتقدي النظام السوري ونشطاء المعارضة في المنفى. كما يجب أن يكون المرشحون متزوجين من مواطنات يحملن الجنسية السورية أو العكس.

يبدو الأسد بأنه ليس في عجلة من أمره لإيجاد مخرج للأزمة في مناطقه. فلديه الوقت ليجري الانتخابات، التي يستطيع عدم إجرائها، لأنه لا يوجد منافسون حقيقيون، ولا يملك الموارد المالية الكافية ليصرف عليها، ولن تجعله رئيساً شرعياً للبلاد في نظر أحد؛ وبالتالي لن يحظى باعتراف دولي مهم لأن عملية التصويت لم تشمل المجتمع بأسره، ولم تكن حرة ونزيهة، وغير مراقبة من قبل الأمم المتحدة.

ومع ذلك تجد الأسد عالق بسوريا كالقرحة، ويحكم البلاد عن طريق الأجهزة الأمنية الوحشية، وعبر شبكة من أمراء الحرب وأباطرة المخدرات وعرابي المافيا، الذين يضعون أنفسهم فوق الدولة المنكوبة. ويخاف من التنحي أو ترك السلطة، لأن ذلك سيعرضه للمحاكم إن كان ذلك في سوريا المستقبلية أو خارجها. 

إن إجراء الانتخابات الرئاسية السورية بمباركة روسية وإيرانية وصينية وأبخازية وأرمنية وكوبية وفنزولية، ومن ثم اعترافهم رسمياً بها، تعطي الأسد دماً جديداً ضرورياً لإنقاذه من الملاحقات القانونية الدولية حتى أجل غير مسمى. كذلك، فإن إعادة انتخاب الأسد المتوقعة ستزيد من تقوية نظامه المترنح، ومن المرجح أن يستخدم النتيجة لإضفاء المزيد من الشرعية في المقام الأول أمام العالم الخارجي.  

انتخابات الأسد ليست جزءاً من العملية السياسية التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم تمريره في ديسمبر 2015، وينص على تشكيل حكومة انتقالية، ثم اعتماد دستور جديد. يعود تاريخ الدستور السوري الحالي إلى عام 2012؛ وهذا يعني أن لم يتم الوفاء بأحد المتطلبات المركزية للقرار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشرط الذي حددته الأمم المتحدة، والذي يقضي بأنه يمكن لجميع المواطنين المشاركة في الانتخابات لم يأخذ بالحسبان أيضاً.

في النهاية يجب التذكير بأن الانتخابات الحالية لن تغير أي شيء بالنسبة لمعظم السوريين؛ وهي ليست سوى مهزلة. وبالتالي إذا ذهبوا لحضورها، فإنهم يذهبون ليصوتوا بدافع الخوف، وليس الاقتناع!

ومع ذلك، بعد 10 سنوات من القتل والتدمير والتهجير القسري في سوريا، لا يزال هناك عدد كبير من المستحمرين الذين يريدون انتخاب رئيسهم القاتل والمجرم علناً وعلى حساب دم الآخرين. لذلك، بهذه المناسبة اللعينة، لا يسعنا سوى أن نبارك لهم العيش بقوانين غابته، والتنعم بغياب أبسط مقومات الحياة، والوقوف في الطوابير إلى مالا نهاية

التعليقات (1)

    فلسطيني دمشق

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    إنا لله وإنا إليه راجعون أتدرون لماذا سخط الله علينا وابتلانا بهؤلاء الطواغيت الإجابة سهلة جدا هي صورة الطاغوت والمنافقين الذين حوله
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات