يتكون جمهور الفاشية غالباً من أقلية مثقفين موتورين وأكثرية من البروليتاريا الرثة. إن الدفاع عن المهمشين والبروليتاريا الرثة -فقراء المدن وسكان مدن الصفيح وعن الطبقتين العمالية والفلاحية هو رفض للعبودية في إهابها الرأسمالي -العولمي، وفِي الدكتاتوريات العسكريتارية الرعاعية. لكن هذه الفئات لم تتكون في حقل ثقافي -معرفي يسمح لها بخوض نضال واعٍ منظم.
من هنا كان الدكتور ماركس والبورجوازي إنجلز والحقوقي لينين والدكتور جيفارا والفيلسوف هربرت ماركوز، وما شابه هؤلاء الناطقين باسم مصالح هذه الفئات وتحريرها. وإن طبقة الرعاع إذا ما أفرزت من بين صفوفها قادتها فإنها لن تفعل سوى إنجاب قطاع طرق في النهاية.
ولا شك بأن انحدار جزء كبير من الفئات الوسطى في بلاد العرب إلى المستوى الأخلاقي والقيمي الرعاعي قد صعب عملية إنتاج النخبة التي تنتجها عادة الفئات الوسطى. والملاحظ بأن الفئات الهامشية والبروليتاريا الرثة هي التي كانت خزان القوى الهمجية للدكتاتوريات والحركات الأصولية الرعاعية. وإن جزءا من الفئات الوسطى قد انحاز إلى هذا الطرف أو ذاك بسبب انحطاط الوعي.
فالمتأمل بجمهور الدكتاتوريات الفاشية سيجد بأن العصبية لهذه الدكتاتوريات إما عصبية طائفية، أو مناطقية أو عسكرية قروية. إن الحركات الفاشية تفسد كفاح المجتمع وفئاته وطبقاته الاجتماعية. فالثورة السورية هي ثورة شعب بكل فئاته الاجتماعية من فئات وسطى وفلاحين وعمال ومثقفين ومهنيين، فجاءت الحركات الفاشية بكل ما تمتلك من عنف، إلى جانب عنف الفئة الفاشية الحاكمة وعنف رعاعها وسلبت حركة التاريخ وإرادته العقلية. فاتحدت فاشية النظام ورعاعه مع الفاشية الأصولية لتخريب منطق التاريخ.
فإذا نحن أمام صراع فاشيتين: صراع بين فاشية داعش وفاشية حزب الله، بين الفاشية الأسدية وفاشية النصرة. وصراع الفاشيات لا ينتج إلا فاشيات.
أما وعي الحركات الفاشية فهو وعي يقوم على العماء الأيديولوجي السلفي وغير السلفي. فحزب الله مثلاً، وهو أبرز الحركات الفاشية التي شهدتها المنطقة العربية، ينطلق من تقديس اثني عشر إماما معصومين عن الخطأ، ومن انتظار عودة إمام من الموت للانتقام.
فيما داعش وأخواتها يتأسس وعيها على استعادة التاريخ الإسلامي والعمل على تحقيق ما كان في القرن السابع والقرن الثامن الميلاديين في القرن الحادي والعشرين. فيما وعي الجماعة الفاشية الدكتاتورية يقوم على أبدية سلطة منبتة ووهم البقاء الذي لا يبلى.
والحق إن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت لكل ما سبق ذكره من فئات أن تقدم خطاباتها وأخلاقها دون تورية. كما أظهرت الطبيعة الرعاعية لفئات لا تنتمي طبقياً إلى فئة الرعاع.
إن النجاة من هذا المأزق مستحيل دون نخبة متجاوزة تؤسس لحركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وجمعيات أهليه. ومن شأن تطوير النوى الجديدة وإبداع نوى أخرى أن تخلص المجتمع من الخيار المطروح عليه: إما قبول السيئ عوضاً عن الأسوأ، فهو وعي مدمر للآمال. ولا يمكن لحركة التاريخ أن تغذ السير نحو الأرقى إلا بالبديل المتجاوز للسيئ والأسوأ. وإلا فإن ما سماه غرامشي حزام الفاشية سيسد الطريق نحو الحرية لفترة طويلة.
التعليقات (1)