القضية السورية أمريكياً: قراءة في بيان تمديد حالة الطوارئ ضد نظام الأسد

القضية السورية أمريكياً: قراءة في بيان تمديد حالة الطوارئ ضد نظام الأسد
 أصدر البيت الأبيض الأمريكي في السادس من شهر أيار / مايو 2021  بياناً، أعلن فيه تمديد حالة الطوارئ الأمريكية بخصوص النظام السوري، وجاء في البيان: "إن تصرفات حكومة النظام السوري وسياساتها، فيما يتعلق بدعم "المنظمات الإرهابية" والأسلحة الكيماوية، تشكّل تهديداً للأمن القومي، والسياسة الخارجية، واقتصاد الولايات المتحدة".

البيان لقي حالة ترحيب في أوساط سياسية متلهفة، تنتظر أي إيماءة أمريكية ضد النظام السوري، لتبني عليها رؤى خاصة، لا تحدث خارج ذهنها.

لكن، وفي قراءة بسيطة لمحتوى البيان، يمكن اعتباره بياناً روتينياً لا يخرج عن مسار السياسة الأمريكية حيال الصراع السوري، والمتمثل بالغموض والتصريحات غير ذات الدلالة، مثل تصريحات باراك أوباما الشهيرة، التي قال فيها "النظام السوري فقد شرعيته".

إن توصيف حالة النظام بأنها وحشية، بعد عشر سنوات من جرائم لم تشهدها البشرية من قبل، هو توصيف لا يقدّم شيئاً على صعيد حلّ هذا الصراع الدامي، وإنما يمكن قراءة هذه التصريحات، على أنها لغة ذات بريق، دون أن يكون لها مقابل عملي ملموس.

الأمريكيون، الذين اتفقوا مع الروس عام 2012 على بيان جنيف1، لم يفعلوا جدياً ما يخدم تنفيذه، وحين واجهتهم قضية استخدام النظام للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، اكتفوا بالوساطة الروسية، بتسليم هذه الترسانة، دون أن يفرضوا على النظام السوري عقوبات ينصّ عليها القانون الدولي.

الأمريكيون، لم يريدوا نصرة الشعب السوري، فلو كانوا ينوون ذلك لتدخلوا لوقف المذبحة، التي يرتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري الأعزل. لا بل عملوا على إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بعد ثلاثة أشهر من تدخل عسكري وحشي من روسيا ضد قوى الثورة وحاضنتها، هذا القرار (2254) مضى أكثر من خمسة أعوام على إصداره، دون أن يلتزم النظام بتنفيذه.

القرار المذكور ارتأى أن يكون الحل بيد السوريين أنفسهم، دون أن يكلف واضعوه أنفسهم عبء تعريف وتقييم طرفي الصراع (قوى الثورة والمعارضة من جهة والنظام وكل حلفائه من جهة أخرى)، فهذا القرار، طلب من طرفين غير متكافئين، عسكرياً وسياسياً وحتى اقتصادياً أن يتفاهما، عبر مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، على انتقال سياسي في البلاد، لن يقبل به النظام وهو الأقوى عسكرياً وسياسياً وتحالفياً.

إذاً، الأمريكيون وقّعوا على قرار دولي (2254)، يعرفون مقدماً أنه غير صالح للتنفيذ، فلماذا وقعوا عليه، وهو يحمل فشله في داخله؟.

هذه الرؤية تقود إلى استنتاجٍ، ليس بالضرورة أن يكون هو الاستنتاج الوحيد، والذي يقول: إن الأمريكيين مرّروا هذه الصيغة الملتبسة لقرار دولي، يريدون من خلال تمريره، تنفيذ سياسة استنزاف لأطراف منخرطة بهذا الصراع، (الروس والإيرانيون) من جهة، والفصائل العسكرية ذات التوجه الإسلامي من جهة أخرى.

الأمريكيون ذهبوا إلى أكثر من ذلك، عبر اعتمادهم على قوى كردية (PYD  وPKK) في سوريا، حيث دعموا هذه القوى تحت يافطة محاربة تنظيم داعش، ولكنهم كانوا ولا يزالون يدركون، أن دعم هذه القوى لن يخدم مسار الحل السياسي الحقيقي في سوريا، لأنه أدخل عناصر غريبة على هذا الصراع،  هي وجود (PKK) على الأرض السورية.

الدعم الأمريكي لهذه القوى له أهداف، لا تتعلق بانتصارهم لحق الشعب السوري في الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى دولة المؤسسات الديمقراطية، بل له علاقة بالمنظور الاستراتيجي الأمريكي، الذي يحوّل هذه القوى المرفوضة إقليمياً وداخلياً إلى احتياطيٍ لصراعات قادمة، تعمل عليها الإدارة الأمريكية.

البيان الأمريكي قال: "إن وحشية النظام وقمعه للشعب السوري، الذي دعا إلى الحرية، لا تعرّض الشعب نفسه للخطر فحسب، بل تولّد أيضاً حالة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة".

هذه اللغة المستخدمة هنا، لا تشير إلى توقع تشكيل رؤية سياسية أمريكية خاصة بالصراع السوري، وهو ما يمكن لمسه بعد مرور أكثر من 110 أيام على وصول إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، من خلال عدم تشكيل فريق أمريكي مسؤول عن الملف السوري حتى اللحظة.

إدارة بايدن لم تشتق بعد مساراً خاصاً برؤيتها للحل السياسي في هذا البلد (سوريا)، وهذا يمكن أن يشير إلى أن هذه الإدارة تُلحق حل القضية السورية بحل حلقات صراع أمريكية أخرى، مثل الصراع مع الروس في أكثر من موقع وقضية، والصراع مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي أو الصاروخي البالستي.

بهذه الطريقة الأمريكية، تصير قضية الحل السياسي في سوريا مسألة ثانوية في الحسابات الأمريكية، وبالتالي ينبغي عدم توقع حدوث حلٍ سريع لها، ولعل رفض الأمريكيين لانتخابات الرئاسية لدى النظام، يشير إلى أن وضع النظام الحالي سيستمر إلى وقتٍ آخر، ريثما تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على ما تعتقده إنجازاً في استثمار استنزافها لروسيا وإيران في سوريا.

إن عقوبات قانون قيصر، التي لم تفعل إدارة بايدن شيئاً حيال تعميقها وتركيزها، على شلّ قدرات النظام وحلفائه اقتصادياً حتى اللحظة، يؤكد على رؤية تقول، إن القضية السورية هي جزء من قضايا صراع تخوضه الولايات المتحدة مع دولٍ أخرى، وبالتالي فهي لا تنظر بمنظور خاص إلى القضية السورية، باعتبارها حدثاً مستقلاً، يتعلق بشعب يخوض صراعاً مع نظامٍ حليف لقوى تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها مثل (الروس والإيرانيون)، بل تنظر إليها بمنظور يراها أنها قضية ملحقة بصراعات أخرى.

هذه الرؤية الأمريكية لا تخدم تطور المنطقة بشكل سلمي، ولا تدفع باتجاه إيجاد حلول عادلة لقضايا شعوبها، وبالمعنى الاستراتيجي، فهي تراكم أحداث وتطوراتٍ لن تخدم المصالح الأمريكية خلال الخمسة وعشرين عاماً القادمة، فالأمريكيون غير المهتمين بجوهر الصراع السوري، هم يسهّلون تعقيد هذا الصراع، ولن يتمكنوا في المستقبل من السيطرة على اتجاهاته القادمة.

إن حل موضوع البرنامجين الإيرانيين، النووي والصاروخي البالستي، أمريكياً، وغربياً لا يمكن أن ينجز نتائج ذات قدرٍ من الأهمية الاستراتيجية، بقدر تفكيك مرتكزات هذين البرنامجين في الإقليم، ونقصد هزيمة المشروع الإيراني في دول الجوار العربية، المبني على تحويل هذه البلاد إلى مناطق نفوذ وهيمنة إيرانية، هذه الرؤية هي من يحطم قدرة إيران على تنفيذ مشاريعها، فهو يفقدها مناطق تغذيتها لهذه المشاريع.

فهل سيفكّر الأمريكيون أن الحل في سوريا، هو من سيقلب موازين القوى ضد المشروعين الروسي والإيراني في منطقة الشرق الأوسط، أم أنهم سيضطرون لاحقاً إلى تقديم تنازلات في المنطقة، ستجعلهم ضعفاء في مواجهة تحديات كبرى قادمة من آسيا؟.

التعليقات (1)

    samer

    ·منذ سنتين 11 شهر
    عدو جدك ما يودك نظام عصابات انظمة لصوص حرامية لقتل الشعوب وسرقتهم ومن نصب هاذهه الحثالات علا الشعوب هم الامريكان واسرائيل لقتل الشعوب وجميعهم انظمة طوبذ لقلك
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات