أورينت تفتح ملف معابر التهريب شرق سوريا: خيط حياة ينعش الأطراف المتصارعة تحت أنظار أمريكا (فيديو)

رغم إمكانية حصر المعابر الرسمية التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، إلا أنّ إحصاء المعابر غير الرسمية يكاد يكون مستحيلا، فعلى امتداد 300 كيلو متر، وهي الحدود النهرية الفاصلة بين مناطق سيطرة ميليشيات أسد وميليشيا "قسد" ، تكاد لا تخلو قرية من معبر وربما أكثر، يتغير أعدادها وأماكنها بشكل يومي.

يعتبر معبر "الشحيل" من أهم المعابر الرسمية، ويتم عن طريقه تبادل تجاري للمواد الغذائية، فضلاً عن عمليات عبور المدنيين بشكل رسمي، ويعود الجزء الأكبر من عائداته إلى مجلس دير الزور العسكري التابع لميليشيات pyd، يليه معبر "الباغوز" والذي يصنّف من المعابر الحيوية. ورغم أن المعابر المائية تقع تحت ناظري التحالف الدولي إلا أنّ عمليات التهريب لاتزال تنشط بشكل يومي عبر المعابر غير الرسمية.

معابر التهريب

ولّدت المناطق التي لاتزال تشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بيئة خصبة للعمليات غير الشرعية، ومع غياب جهة معنية بضبط الأمن، يصبح الفلتان الأمني سيد الموقف وغطاءً لتلك العمليات، وهو ما تشهده بطبيعة الحال مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية ونظيرتها ميليشيات "قسد" شرق الفرات في المنطقة الشرقية من سوريا.

يقول أبو عبد الله وهو مالك عبّارات نهرية ويعمل في التهريب بريف دير الزور الشرقي في حديثه لـ"أورينت نت" إنّ معابر التهريب تعمل بشكل أكبر من المعابر الرسمية؛ فهي لا تحتاج إلى إجراءات معقدة أوموافقات أمنيّة، إنما دفع المال هنا هو الإجراء الوحيد الذي ينبغي القيام به، مشيراً إلى تفاوت الأسعار بين تهريب البشر أو البضائع، كما تختلف الأسعار من بضاعة لأخرى، حسب قوله.

وحول المواد التي يجري تهريبها عبر تلك المعابر، يقول "أبو عبدالله" إنّ كل شيء يتم تهريبه من مناطق "قسد" أو إليها، ابتداءً من الخضروات والفواكه وصولا إلى البشر والسلاح والحبوب المخدرة والعملة، أما النفط فغالبا ما يخرج من المعابر الرسمية أو من معبر الطبقة البري، وفق تعبيره.

ولا يخفي أبو عبد الله أنّ عمليات التهريب تتم بالتعاون مع الميليشيات المدعومة من إيران والدفاع الوطني في الطرف الآخر من النهر، إذ لا يمكن تسيير أي عبّارة مائية دون التنسيق مع الميليشيات، وفي الغالب يكونون من أبناء المنطقة أو القرية التي تصل إليها العبّارات.

وعرّج أبو عبد الله للحديث عن أنّ معابر التهريب تتطلب دعماً من قبل ميليشيا "قسد" يتمثل في أن يقتطع عناصر في تلك الميليشيات نسبة من إجمالي الأرباح قد تصل إلى أكثر من مليوني ليرة سورية شهرياً (700 دولار تقريباً) عن كل معبر، لافتاً إلى أن لكل معبر له مسؤول عنه ويشرف على عمليات التهريب.

ولفت أبو عبد الله إلى أن عمل المعابر متوقف حالياً بسبب المراقبة الشديدة من قبل التحالف الدولي، "وهذا أمر طبيعي، فغالبا ما يتوقف العمل لعدة أيام ثم نعاود استئنافه"، على حد وصفه.

"مآرب أخرى"

قادنا البحث إلى مهرب يعمل في مناطق سيطرة نظام أسد والميليشيات الإيرانية، لا يملك عبّارات مائية إنما يعمل على استقبال العبّارات القادمة من مناطق سيطرة ميليشيات "قسد"، يؤمنها ويرسل عليها البضائع التي تطلب منه.

يقول المهرب الذي تحفّظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية في حديثه لـ "أورينت نت" إنه غير متطوع في ميليشيات أسد وليس منخرطا للقتال مع ميليشيات "قسد"، إنما يعمل بتغطية أمنية من قبل أبناء عمومته الذين تطوعوا في إحدى الميليشيات.

وحول ماهيّة البضائع العابرة، يشير المهرب إلى اختلاف البضائع في كل مرة يجري تهريبها إلى الضفة المقابلة، فأحيانا تكون خضروات وفواكه أو سلاحا، لكن غالبيتها تؤمن زيارات لأشخاص إلى مناطق سيطرة ميليشيات "قسد" لشراء القمح أو عقد صفقات تجارية أو القيام بزيارات بين الأقارب.

لتهريب السلاح "طرقه الخاصة"

وفيما يخص تهريب السلاح، يقول المهرب الذي رفض الكشف عن اسمه إنّ أبناء عمومته في الميليشيات المدعومة من إيران هم من يؤمنون له الأسلحة المطلوبة بمبلغ متفق عليه، ويحصل المهرب على فرق سعر البيع إضافة أجرة السمسرة وأجور التهريب، مؤكداً أنه لاعلم له ما إن كان السلاح مرسلا من قبل ميليشيات أسد أو من الميليشيات الإيرانية أو أن أبناء عمومته يحصلون عليه بـ"طرقهم الخاصة".

وحول الخطورة الأمنية للعمل في التهريب، يشير المهرب إلى أن جميع الميليشيات المسيطرة على مناطق المعابر المائية تعمل بالتهريب، فهو يعتبر أحد أهم مواردها المالية المهمة. فكل قرية تتبع للميليشيا المسيطرة عليها والمسؤولة عنها ولا تقترب أي ميليشيا من مناطق سيطرة الميليشيات الأخرى، حسب وصفه.

ويجري الاتفاق على موعد معين لتسيير العبّارة المائية من خلال التواصل بين المرسل مع شريكه في الطرف المقابل عبر تطبيق واتساب، للاتفاق على موعد لانطلاق العبّارة، وتحديد موعد وصولها واستقبال حمولتها.

نظام أسد "متورّط؟"

وجود سلاح أو أكثر في كل بيت هو عرف عشائري تاريخي فرضته طبيعة المنطقة وظروف العمل في الزراعة أو الرعي، لاسيما أن الأرياف والبوادي تعتبر غير آمنة إلى حد ما بسبب المساحات البرية الشاسعة، وهذا ما أدركه نظام أسد سابقاً، فمنح التراخيص لكل من يملك أرضاً زراعية أو قطعانا من الماشية.

وإبان سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، جرّد العشائر من سلاحها خوفا من قيام صحوات شبيهة بالصحوات العراقية والتي نشطت بعد إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين في العراق. الحال السابق دفع بـالعشائر لتسليح نفسها مرة أخرى بعد سيطرة ميليشيا "قسد" على المنطقة، ليكون الطريق الأقصر والأرخص هو شراء السلاح من مناطق سيطرة نظام أسد في الضفة الغربية لنهر الفرات.

ورغم وجود الاعتقاد السائد بسعي نظام أسد لتسليح العشائر في تلك المنطقة إلا أنّ الحقيقة الثابتة هي أنّ المعابر النهرية مقصد أبناء العشائر لاقتناء السلاح لدرء خطر ميليشيات "قسد".

يقول عمار وهو أحد أبناء عشيرة العكيدات لـ "أورينت نت" إنّه تفاوض مع أحد المهربين على شراء سلاحين، وبالفعل تم استلامهما عند المعبر النهري بعد نقلهما من الضفة المقابلة التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية.

ولم يستبعد عمار أن يكون نظام أسد ضليعاً في عمليات تهريب الأسلحة إلى مناطق نفوذ العشائر، لكنه استدرك بالقول إن المنطقة غير آمنة، وعمليات الاغتيال نشطة بشكل يومي، معتبراً أن تسليحهم "حق" للدفاع عن حياتهم وحياة أبنائهم.

"غضّ الطرف" عن الجميع

وحول ذلك، يرى الباحث في شؤون المنطقة سعد الشارع في حديثه لـ"أورينت نت" بأنّ السياسة الأمريكية اعتمدت غض النظر عن النشاطات الاقتصادية التي تمارسها  ميليشيات "قسد"، والذي بدا جليا خلال الأشهر الماضية، إذ لم تعارض إيصال النفط من شرق الفرات إلى نظام الأسد، وعبرت حينها مئات الصهاريج المحملة بالنفط إلى مناطق النظام، حسب رأيه.

من جهة أخرى يرى بأن السياسة الأمريكية تعتقد بوجوب استمرار التبادل التجاري بين المناطق على اختلاف الميليشيات المسيطرة عليها، لطالما أن المنطقة محاصرة من جهة، وتأمين "تمويل" لميليشيات "قسد"، وهذا لا يمكن ضمانه إلى من خلال عقود بيع نفط، فالنسبة الكبرى من نفط شرق الفرات يصل عبر الصهاريج إلى مصافي بانياس وحمص، وفق تعبيره.

وفيما يخص انتشار عمليات شراء السلاح، برر الشارع إلى تعرض أبناء المنطقة إلى حملات نزع سلاح سابقة سواء كانت على يد تنظيم داعش، أو من قبل ميليشيات "قسد" الأمر الذي خلق دافعاً شرهاً لشراء أسلحة للذود عن النفس سواء عبر العراق أو عبر الضفة الغربية لنهر الفرات.

واستبعد الشارع أن يكون نظام أسد متورطا في عمليات بيع أسلحة للعشائر، على خلاف الميليشيات الإيرانية في المنقطة، إذ يرى الشارع أن من صالح الميليشيات الإيرانية إيصال الأسلحة إلى المنطقة على اعتبار أنه ليس لها مناطق حضور واضحة في شرق الفرات؛ وعليه تريد خلق حالة فوضى في المنطقة.

لاريب أنّ المعابر المائية جعلت الأهالي في مناطق شرق الفرات يتنفسون الصعداء وسط حصار خانق، لكن انتشارها وتهريبها للسلاح والمخدارت والقمح لأطراف الصراع تحت أنظار التحالف الدولي والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تطرح التساؤل الأبرز "ألا تعتبر عمليات التهريب التي تنخرط فيها ميليشيات قسد وإيران انتهاكا صارخا لقانون قيصر والتي سنته واشنطن صاحبة الكلمة الفصل في مناطق شرق الفرات؟

التعليقات (1)

    ابراهيم الكردي

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    ما شاء الله عليكون احلا صحافة .ليش ما بتحكو على الفلتان الي صاير بمناطقكون الموءجرة لتركيا قتل الاطفال والتارات والنهب الى اخره
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات