أمل الروس العقيم: نظام الأسد بين التعويم وتنفيذ 2254

أمل الروس العقيم: نظام الأسد بين التعويم وتنفيذ 2254
سعت موسكو في جولة سابقة لوزير خارجيتها سيرجي لافروف إلى محاولة إقناع عددٍ من الدول العربية، بإعادة سوريا إلى مؤسسة الجامعة العربية، حجة موسكو في ذلك الأمر، ترتكز على الإيحاء بأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية سيخفف من تأثير الدور الإيراني في هذا البلد، وهو ما يتفق مع خشية تلك الدول من التهديدات الإيرانية، ويساعد في احتضان دمشق ومنع انهيار الدولة السورية.

الدعوة إلى تعويم النظام السوري بمثل هكذا حجج، تنطوي على تجاهل سياسي مقصود لأوضاع صنعها النظام بنفسه، وساندتها موسكو عن سابق تصميم وإرادة، فالجامعة العربية حاولت منذ البداية وقف تدهور الأوضاع في سوريا نتيجة استخدام العنف المفرط ضد حركة الاحتجاجات المطالبة آنذاك بإجراء إصلاحات سياسية في بنية نظام الحكم في البلاد، ولكن النظام رفض مبادرة الجامعة العربية التي عمل عليها الأخضر الإبراهيمي.

دعوة موسكو لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتلقف هذه الدعوة من بعض الدول، إنما هي دعوةٌ تتجاهل ما مرّ على هذا البلد من كوارث صنعها نظام الاستبداد، وأدّت إلى قتل مئات آلاف السوريين، واختفاء عشرات آلاف منهم قسرياً، عدا من تمّ تسريب وثائق بقتله تحت التعذيب.

لهذا لا تبدو الدعوة بـ"رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا"، تحت حجة عرقلتها لعودة هذا البلد إلى الساحة العربية، مما يساهم في تسوية الصراع السوري"، دعوةً يمكنها حلّ جوهر الصراع الذي لا يزال قيد مربع رفض النظام السوري في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2254.

إن المطالبة بعودة نظام الأسد إلى حضن مؤسسة الجامعة العربية فيه قراءات خاطئة، هذه القراءات تتمثل بتجاهل ثورة الشعب السوري، وحجم انتهاكات النظام والجرائم التي ارتكبها، وفيه تجاوز صريح لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي وقعت موسكو عليها.

إن القفز فوق جوهر الصراع السوري لن يحلّ هذا الصراع، وبالتالي فهذه الدعوة هي دعوة تكريس، لبقاء نار الصراع متقدة تحت رماد الموقف الدولي غير المتفاهم بعد.

الحل السياسي في سوريا الذي يعيدها إلى حضنها العربي، هو الحل الذي ينزع نهائياً أسباب الصراع الدموي الذي نشأ بفعل شنّ النظام حربه على الشعب، وهذا أمرٌ لا تلحظه الدعوة إلى تعويم النظام، ومحاولة منحه شرعية لا يستحقها، لذلك تعتبر قرارات الشرعية الدولية (بيان جنيف1، والقرار 2254)، هي قاعدة إنهاء الصراع والولوج في بوابة الحل السياسي الحقيقي. 

الروس الذين يستقتلون بمحاولة بثّ الحياة بالنظام السوري المنتهي الصلاحية، بالمعنى التاريخي والموضوعي والذاتي، يتغافلون عن حقيقة واضحة، هي أن تنفيذ القرارات الدولية تعتبر الطريق الأسهل والأصلح والأفضل لحل الصراع في سوريا، ولكن، هم يدركون تماماً أن مصالحهم الحيوية ترتبط بصورة ما بالمساومة على الورقة السورية مع الغرب، سيما وأن صراعاتهم مع الغرب لا تزال مفتوحة في أوكرانيا وفي مسألة الطاقة والدرع الصاروخية وغيرها.

إن التغافل لدى بعض العرب عن ارتباط المسألة السورية بحلقة الصراعات الدولية، هو اتجاه لقراءة هذه المسألة خارج اعتباراتها الموضوعية والذاتية، وهو اتجاه لقراءتها من سطحها، وليس من جوهرها العميق، فالعرب عاجزون بمفردهم عن أي محاولة جادة لإعادة إعمار سوريا، في ظل استمرار نظام حكمها الحالي، مع استمرار قانون العقوبات الأمريكية والأوربية (قيصر ومثيلاته).

إن محاولة النظام الاستفادة من علاقته ببعض الدول العربية، لن يغيّر من واقعه المتهالك ومن حالة بنيته السياسية والاقتصادية التي استنفذت دورها التاريخي. فنظام بُني على إفساد الدولة والمواطن، وعلى نهب الثروات، وعلى قمع الشعب بطرق دموية، تشهد عليها سنوات حكمه، لن يكون بمقدوره تغيير بنيته وسلوكه، وهذا أثبتته سنوات الصراع العشر المنصرمة.

النظام لا يملك قدرة على تغيير بنيته، فتغيير هذه البنية يحتاج إلى تغيير تكوينها وأهداف هذا التكوين، وهو لا يمكنه اللعب بذلك، لأنه سينهار تماماً، فركائزه هي بنيته في النهب والقمع والقهر.

 ولهذا كان واضحاً منذ بداية الثورة وحركة الاحتجاجات الواسعة، إذ أطلق شعاره الشهير، "الأسد أو نحرق البلد"، أي لا طريق ثالثة يمكنه السير فيها، وهو ما أظهره من استهتار بعملية التفاوض الدولية، سواء بالتفاوض على السلال الأربع أو التفاوض الحالي في اللجنة الدستورية.

إذاً، كيف يمكن للروس تمرير عودة نظام الأسد إلى حضن الجامعة العربية، وهو أصلاً رفض مبادرتها، قبل أن يرتكب هذه الحجوم الهائلة من عمليات القتل والدمار؟ وهل يعتقد الروس، أنهم يذهبون إلى الخاصرة الرخوة عربياً، لينسفوا عبرها قرارات منع النظام من العودة للجامعة العربية؟.

إن زيارة وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد إلى عمان تندرج في هذا السياق، وإن دعوة عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات برفع عقوبات قيصر عن نظام الأسد تصبّ بهذا المجرى.

النظام وبتوجيه من الروس، يحاول اختراق الموقف العربي، المطالب بالحل السياسي، وفق قرارات الشرعية الدولية، من خاصرته الرخوة الضعيفة، مع يقينٍ أنه لن يستطيع ضمان عودته، إلى جامعةٍ شتمها بأقذع مفردات، زمن محاولتها منع ازدياد مساحة الكارثة السورية.

النظام والروس، يأملان ببعض المساعدات الاقتصادية، أو الالتفاف على قوانين العقوبات الأمريكية والأوربية، وهذا قد يتمّ في أضيق مساحة، ولكن نظام العقوبات الأمريكي بالمرصاد لكل محاولة من هذا القبيل، فالأمر لدى الأمريكيين، ليس مرتبطاً بالنظام فحسب، بل باستنزاف الروس والإيرانيين في سوريا، وهذا يعني رفع فاتورة تدخلهما لمساندة نظام دموي.

فهل سيستمر رفع قيمة الفواتير، في ظل جمود الأوضاع على جبهة التفاوض، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية؟ أم أن الروس معنيون بالحصول على بعض مكاسب في سوريا، لقاء الموافقة على تغيير الوضع الخطير في هذا البلد، الذي تأكله بلا رحمة حالة انهيار اقتصادي، وحالة جائحة كورونا، وجائحة جوع لا قبل للنظام بها، ولن يستطيع أن يحلها، فالفساد وصل مداه الأخير.

أسئلة ستكشف عن تطوراتٍ ستحدث نتيجة تراكم سريع لحجم الكارثة، في المدى القريب القادم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات