التشويق الاجتماعي في مسلسل (على صفيح ساخن) محبوك ومعاصر، ربما هي قلة الكاميرات التي تدور في المكان الصحيح، للاحتيال على الرقيب في تناول إحدى القضايا الشائكة في المجتمع السوري الذي أنهكته الحرب. تحديات مختلفة ومصيرية يحاول المسلسل أن يتطرق لها، يروي كل هذا بصرياً وحوارياً عبر تجسيد هذه الظروف التي تتعرض لها عائلة سورية، يحاول كتّاب العمل أن ينحتوا شخصيات عائلة سورية "جمعية" تبدو التحديات الآنية واليومية من خلال العلاقات الشائكة بين أفراد الأسرة، وفق خط درامي، لا يمكن وصفه بالتجديد والمغايرة، فالمؤثرات المصرية تفوح من الشخصيات والنماذج المستهلكة على الشاشة... لكن حركة الكاميرا في دمشق تبقى "تنفسية" لا يمكن الوثوق بها حيث تحول المبدعون الافتراضيون لأكّيلة "خبز" وباعوا مواقفهم مقابل "رغيف"، وأيضا يلعب فيها الرقيب دور المنقذ الذي يبث الأنفاس في رئة الغريق، حيث تبقى الكاميرا محكومة بقاعدة أمنية "هذا ما سمح لنا بتقديمه".
النص زاخر بأحداث وشخصيات أقرب إلى نماذج مؤطرة، فالدمشقية الأرستقراطية التي تعيش في فندق، ومهرّب المخدرات الذي يتخفى وراء عمل تجاري اعتيادي، وصراع الفتوات الذي يشبه دراما القاع المصري والذي يتخذ مسميات شامية أحيانا مثل (الآغا) كلها مكونات ولوزام العالم السفلي كما تكرّس في عشرات الأفلام المصرية.. لا ينقصنا منها سوى (المعلمة) صاحبة القهوة!
كاميرا مخرج العمل سيف الدين السبيعي افتقدت حركتها لشجاعة.. حيث يبقى الكلام الكبير الذي مع اندلاع الثورة السورية، بات الشغل الشاغل، السكوت عنه، تتم تجاهله بعناية. حيث طرحت حركة الكاميرا وسيناريو العمل حيثية الثرثرة المجانية، بينما بقي ما تبقى مسكوتا عنه، حركة الكاميرا وكلمات السيناريو و أداء الممثلين، كل هذه العناصر لم تجِب عن سؤال سبب مآلاتنا السوداء التي حلت بحياتنا، وتبقى حركة الكاميرا بين أكوام القمامة في مكبها، حركة تقريرية لا تحمل صفات الجديد والمميز في الإخراج.
المخرج سيفي الدين سبيعي الذي انقطع عن العمل لمدة ثلاث سنوات لأسباب وصفها للإعلام أنها؛ "راجعة للاختلافات الفكرية وليس البحث عن أجر مناسب"، وهو قول يؤكد المنفي في شريعة الفنانين.. فحين يدعي الفنان أنه لا يبحث عن أجر مناسب، يكون السبب عكس ذلك.. أو المطلوب الإيحاء بعكس ذلك على الأقل.. ولكن التغيير في الكوادر التي تحول بينها الكاميرا، لا تكفي وحدها إعفاءه من الاشتراطات الجمالية، الاشتراطات الجمالية من حيث القدرة على التجديد وتقديم المميز، ولكن الكاميرا المتعثرة في الرصد التقريري غير المعمق، تتجول على خجل تارةً، وعلى نحو مملل تارةً أخرى، ليس من المعقول، أن تبقى الكاميرا وكأنها مبنية في أساسها على موضوع "الزبالة"عدد المشاهد التي أخذت من قلب مكب القمامات، تصيب بالقرف والاشمئزاز البصري، حيث تبدو قصدية التصوير، وكأنها تستهدف القمامة كواقع حقيقي لا افتراض فجائعي.
ويشهد العمل عودة الممثلة الجزائرية أمل بوشوشة للدراما السورية، حيث تؤدي النجمة الجزائرية دور "هند" التي تملك صالون حلاقة نسائية، دور مغرٍ جداً، ولكن تبقى قدرات الممثلة خاضعة لتقييدات حركة الكاميرا، يمكن لا يكفي الإغراء الكثير لوحده في طرح شخصية بصرية وحوارية تملأ عين المشاهد، الشخصية لا تتحرك بالشكل المطلوب تمثيلاً وحركة أمام الكاميرا يبقى تحرك الشخصية على استحياء وخجل يمكن القول بالدارجة السورية"عمل ما تشتغلو من قلبا" لا تقنعك "هند" المطلقة من واقعيتها وحقيقتها تبقى شخصية مكبلة بثنائية حركة الكاميرا وكلمات السيناريو ما ظهر منها وما خفي؛ دور ثقيل ربما فشلت بوشوشة في تقديم التفصيلات الصغيرة للشخصية المناط بها تأديتها أمام الكاميرا. وبكامل الإنصاف أعتقد أن الممثلة الجزائرية فشلت في تحديها بتأديتها دور "هند".
سلوم حداد جسد في العمل دور" زعيم الزبالين" أو "النباشين" حسب تعبير العمل، شخصيته كانت الباب الذي نلج منه إلى تفصيلات العالم السفلي المدجج بكل أنواع الجريمة، كما يفترض. الدور الذي يبدو فيه حداد مكروها بصرياً، ربما تجاعيد العمر لا تخفي تجاعيد فنية لممثل كبير سناً، بات يتورط في أداوار أصغر بكثير من عمره على الشاشة... الشخصية غير "لذيذة" بالمرة، الشخصية التي يفترضها السيناريو مركبة أسقطت مؤديها في الإرباك، حيث بدت هذه الشخصية خاصة جداً، لا تقدم لمحة عامة جداً عن زماننا السوري المتأزم.
كثيرة هي الألقاب التي يمكن أن نخلعها على النجمة السورية سمر سامي ولكن أحب أن أسميها "ياسمينة الشاشة السورية"، حضورها الذي يفوح مثل الياسمين الدمشقي يترك أريجه في كل عمل مهما كان مخرجه. "شمس الموازيني" هي الشخصية التي تطل من خلالها سمر سامي في مسلسل (على صفيح ساخن)، في المشهد الأول تقدم "شمس الموازيني" نفسها على أنها شخصية برجوازية من كبرى عائلات الشام العريضة، نبرة الصوت والحركة الجسدية والتأدية، كلها تقنعك بدور مميز أدته سمر سامي، ربما الشخصية تبقى ترميزية لحقبة اندثرت نتيجة ظروف لم تبح الصورة والحوار والشخصيات عن واقعيتها وأسبابها الحقيقية، الفندق الذي يحمل اسم فندق المجرة تجتمع فيه سمر سامي "شمس" مع باسم ياخور وتنشأ بينها صداقة تسمح بكشف الأسرار الشخصية ل"شمس".
حالة غليان دائم تتجسد بشخصية مترقبة ومتوترة يبدو باسم ياخور بعيداً عن التظريف الزمني لها سواء بأفعال خارجية واضحة، أو داخلياً بما يعبر عن الحالة النفسية. تبقى هذه الظاهرة الفنية دائمة الحضور بنسختها الأولى في إطلالته الأولى، كل عام ينتظر المشاهد أن يقدم مفاجأة لكنه لا يبدو "لائقا" للأدوار التي تطرح قضايا "حارقة" شخصيته في العمل لم تكن جميلة سواء على صعيد الظاهر الواقعي والداخلي النفسي، تبدو شخصية قبيحة، لا أفكار مهمة يمررها للمتلقي البصري، نحن بحاجة لممثلي دراما حقيقيين يقدمون دراما حقيقية، تبقى شخصيته هامشية لا تشي بالجرأة أفكاراً وصوراً. في كل عمل جديد باسم ياخور لا يقدم الجديد، كل شيء فيه هادئ لا يقدم شيئا سابقا بالطرح، المطروح هو نمطية يمكن أن نسميه "مهرج الدراما السورية".
في وضح النهار في إحدى مكبات القمامة في دمشق، نجد أن الكاميرا التي يقف وراءها المخرج سيف الدين سبيعي، تقول نثراً بصرياً مكبلاً بما يمكن أن ينفس عنا أكثر ما يمكن أن يقنعنا، يقدم لنا ما تسمح لنا به سلطة الرقيب الفني والأمني، إنها الكاميرات التي تدور في وضح نهار دمشق، وضوحا لا تنجح كاميرا سبيعي غير المتبصرة والخالية من البصمة الفنية والجمالية أن تملأه بالظلال التي تشرح واقعا متشابكا في عمقه وأزماته.
التعليقات (1)