الحاجة والإذلال
"ليتني بعت بيتي وهاجرت بالبحر مع هالصغار وما تركت حالي أوصل للذّل لطعميهم" هذا ما قالته سيدة في العقد الرابع من عمرها لأورينت نت عبر الهاتف من قرية الشلفاطية، في اللاذقية.
وأضافت "عشرين واسطة وواسطة حتى آخد سلة إغاثة، وأنا اللي كان جوزي ضابط قدّ الدنيا قبل ما يموت عالجبهة".
وهذا حال مئات بل آلاف العائلات ممن تقطعت بهم سبل العيش مع انخفاض قيمة الليرة السورية، حيث لم يعد راتب زوجها التقاعدي يكفي لإطعام أطفالها أسبوعا واحدا، مما يدفعها للسعي وراء سلة الإغاثة التي لا ينالها إلا كل ذي شأن.
أرامل يتعرّضن للابتزاز الجنسي، للحصول على المكافأة الثمينة -سلة الإغاثة-منهن من تقبل تحت وطأة جوع أطفالها ومنهن من ترفض وتكتفي بالبكاء والقهر بصمت، غير أن أم حسام من قرية البستان أعلنتها لنا "لقد ساومني الشبيّح المدعو أبو جعفر مسؤول توزيع الإغاثة في حيّ القصور في بانياس على شرفي مقابل أن يعطيني سلّة كل شهر، بصقت بوجهه وعدت إلى أولادي نبكي معا".
ولم يتوانَ الشبيّح أبو جعفر في الحيّ ذاته من ضرب رجل مسنّ انتظر دوره طويلا، وعندما وصل للنافذة أخبره بانتهاء السلال فغضب الرجل المسنّ، لكن كبر سنّه لم يمنع أبا جعفر من ضربه بعنف ورميه أرضا على مرأى من الحاضرين.
كثيرون يمتنعون عن طلب سلّة الإغاثة رغم حاجتهم الماسّة لها تداركا للإذلال، هذا ما أخبرنا به الناشط الإعلامي المتعاون مع أورينت نت محمد الساحلي.
شبّيحة السلّة
تقدم عشرات المنظمات الدولية ودول خليجية لساكني مناطق سيطرة النظام سلال إغاثة توفر لهم بعض طعام يحتاجونه، لا سيما مع ارتفاع أرقام الجوعى حسب الإحصاءات الأممية، ولا تمتلك هذه الجهات آلية لتوزيعها فتسلّمها لجهات تدّعي أنّها منظمات مدنية محلية، لكنها في الحقيقة مجموعات تشبيحيّة يقودها ضباط كبار متقاعدون يعملون غالبا لأفراد من أسرة الأسد، حسب ما وردنا من معلومات من مصادر متطابقة.
يقول الساحلي إن أكبر رأس يقود عمليات استلام سلال الإغاثة وتوزيعها في اللاذقية وريفها هو لواء متقاعد حديثا من جيش الأسد يدعى أبو منذر، وهو من يتولّى توزيعها على مجموعات التشبيح في مناطق المحافظة وفق رؤيته الخاصة، ودون الاعتماد على أرقام أو إحصاءات.
وغالبا ما تتصارع مجموعات التشبيح للفوز بأكبر حصة، وسبق أن تم تسجيل عديد حالات اشتباك بينها، استخدمت فيها الأسلحة ووقعت إصابات، كما جرى في حيّ الرمل الشمالي يوم الأربعاء الماضي حيث أصيب شبيحة ومدنيون خلال اشتباكات بين مجموعتين تشبيحيتين خلال استلام السلال.
أين تضيع السلّة؟
يشرح الناشط الإعلامي كيفية ضياع سلة الإغاثة، فيشير إلى أن الشبيحة يتصرفون بها بطرق غالبيتها غير شرعية، ففي الوقت الذي يصطفّ فيه المئات من المحتاجين بانتظار الحصول عليها، يقوم الشبيّحة بنقلها بسياراتهم الخاصة إلى بيوت ضباط في المخابرات والجيش وحتى مسؤولين في المحافظة، إضافة لمنح الكثير منها للأقارب والأصدقاء.
أما ما يتبقى منها فيمنح القليل منه لبعض المنتظرين، ويقوم الشبيحة بتكديس أكثرها في مستودعات خاصة بهم تمهيدا لتفريغها وبيعها في السوق السوداء، ويؤكد الساحلي أنهم يجنون الملايين جراء ذلك، وهذا السبب الأهم لاقتتالهم للحصول على أكبر عدد من السلال.
وكانت مجموعات تشبيح تتبع لرامي مخلوف ابن خال رأس النظام تهيمن على السلة الغذائية تحت مسمى جمعية البستان الخيرية قبل أن تكفّ أيديهم عنها ليتولاها ضباط تعود مرجعيّتهم لآل الأسد.
التعليقات (3)