بين شبه جزيرة القرم وسوريا.. على أيهما ستبقي روسيا؟

بين شبه جزيرة القرم وسوريا.. على أيهما ستبقي روسيا؟
يشهد التنافس الروسي الأمريكي مرحلة تطويق النظرية الأوراسية التي ينتهجها الكرملين، والذي تمثل سوريا فيه الخط الثالث (العربي) في ظل انهيارات النفوذ الروسي في آسيا الوسطى تباعا بعد هزيمة الروس في أفغانستان على يد الحركات الجهادية وتوغل أمريكا في أوزبكستان وأذربيجان بالسياسات الناعمة، فيما تمثل شبه جزيرة القرم لروسيا ما هو أبعد من خطوط النظرية الأوراسية لتشكل شبه الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي والتاريخ المثير جزءا مدخليا لأوراسيا.

وفي العقلية الروسية تمثل سيطرة أمريكا على شبه جزيرة القرم، خطرا استراتيجيا بالنسبة لروسيا.. هو بالتأكيد أكبر من خطر فقدان السيطرة على المتنفس الوحيد في البحر المتوسط وهو سوريا.

وقياسا بتاريخ الصراع في شبه الجزيرة نجد أنه أقدم من الصراع في سوريا ويشكل عقبة كبيرة للروس الذين يقفون في حالة دفاعية بحتة، وهجومية في مناطق أخرى لتخفيف الضغط عنها في القرم.

التدخل الروسي في سوريا.. ورقة ابتزاز وضغط! 

شهد عام 2014 عمليات عسكرية ميليشياوية أسفرت عن سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم وضمها لروسيا باستفتاء قسري مثلت فيه الميليشيات الإرهابية الموالية لروسيا دور المنقذ والمحرر، ورغم استراتيجية الجزيرة بالنسبة إلى الأوروبيين والأمريكيين، لم نجد تحركا أمريكيا كافيا لإعادة الأمور في شبه الجزيرة إلى طبيعتها طوال 7 سنوات، بينما كانت الأسابيع الماضية كفيلة بتهييج المنطقة عسكريا بين الناتو وروسيا، كان التدخل الروسي في سوريا يحمل بعدا أوراسيا باعتبار سوريا آخر دول الشرق التي تدور في فلك السوفييت، والتي تمتلك موقعا استراتيجيا عظيما في شرق المتوسط، وسقوط سوريا من يد الروس يعني اشتعال الحرب في شبه جزيرة القرم، بما يمثله مثلث الدفاع عن روسيا من ثلاثة مراكز أولهما أذربيجان وأطيح بالدور الروسي هناك على يد الأتراك وبرضا أمريكي، وثانيها شبه جزيرة القرم المشتعلة من القديم  والتي نشهد نمو النفوذ التركي داخلها شعبيا، وحكوميا في العلاقات ما بين الحكومتين الأوكرانية والتركية، وثالثها سوريا والتي شارف فيها النفوذ الروسي على الذوبان التام بفعل المتغيرات المختلفة.. وبفعل العبء الثقيل لنظام الأسد المنهار اقتصادياً، والمحاصر بالأزمات التي لم يأت الروس لدفع فواتيرها، كما لم يأتوا لدفع المال دعما لأحد.  

المباحثات الروسية-الأمريكية.. حرب الخليج العربي وإيران

انتشرت في الأوساط السياسية العالمية أخبار عن دعوات متبادلة بين موسكو وواشنطن لبدء مفاوضات حول الملفات الأكثر سخونة بين الطرفين وعلى رأسها الملف النووي الإيراني والقضية السورية وشبه جزيرة القرم. وبينما تتجه الأنظار إلى تسوية إيرانية أمريكية مرتقبة، نجد أن الموقف الأمريكي في القرم لن يدع الملف السوري جانبا في ضوء أي مباحثات، ليس لإخراج روسيا من الوحل السوري، بقدر ما هو دفعها إلى التخلي الاستراتيجي عن سوريا مقابل مكاسب في القرم، مما يبقي تحركات الروس في سوريا ضمن الرؤية الأمريكية التي تستهوي توسيع النفوذ الإيراني في سوريا، للتضييق على الدولة العربية المتجهة شرقا نحو روسيا والصين.

مستقبل روسيا في سوريا ومفاوضات القرم

على الرغم من بطء محادثات السلام الأوكرانية – الروسية، إلا أنها بدأت تأخذ مجراها الطبيعي بضغط فرنسي ألماني وتحريض أمريكي لتسوية الملف وذلك مع ارتفاع حدة التصعيد العسكري المتبادل والذي قد ينذر بحرب قاسية لا يود الطرفان نشوؤها في الوقت الراهن على الأقل، بينما تضعف مواقف الروس تدريجيا في سوريا باتجاه الحل السياسي وتسوية الملف السوري، لنكون أمام مسارين: القرم مقابل سوريا والعكس صحيح، أو نقل معركة القرم إلى سوريا، وفي المسارين تتضاءل آمال الروس في النفوذ، إلا أن المسار الأول أقل كلفة ومخاطر بالنسبة إلى الروس، لأنه في حال تحول ملف القرم إلى المعركة الشامية، فانهيار الروس حتمي أما تشعب مناطق النفوذ العربي والتركي والأمريكي في سوريا، في ظل حلفاء ضعفاء ممثلين بنظام أسد وإيران.

هذه الدراما التنافسية البطيئة، توحي باشتعال المشهد سريعا في سوريا التي تشهد حرب استنزاف طويلة على يد روسيا وإيران وبقايا نظام أسد، ليبقى المشهد الأخير رهن رغبات وتفضيلات الإدارة الأمريكية الجديدة... حين تعقد العزم والإرادة وتعيد الملف السوري إلى طاولة الأفعال لا الأقوال والتصريحات وحسب! 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات