بعضها طرحها الربيع العربي: نحو أسئلة جديدة

بعضها طرحها الربيع العربي: نحو أسئلة جديدة
 حين لا يقدم الواقع أجوبة عن أسئلة يطرحها الفكر فإننا نكون إذ ذاك أمام أحد احتمالين: إما أن الأسئلة التي طرحناها على الواقع أسئلة زائفة، والأسئلة الزائفة لا جواب واقعياً عنها، أو أن الواقع راكد إلى الحد الذي ليس باستطاعته أن يجيب.

نقدم بهذه الفكرة ابتداءً لأننا أمام مشكلة جد معقدة ألا وهي: كيف تأتي أن تكون بعض أسئلة الراهن أسئلة طُرحت قبل قرن ونيف من الزمان؟

أجل: فسؤال التقدم التاريخي الذي طرحه النهضويون العرب ما زال سؤال المعاصرين من المفكرين العرب. وسؤال نحن والغرب الذي جهد الفكر النهضوي لفضّه، ما زال راهناً بل وحاضراً بصورة أكثر إلحاحاً. ناهيك عن أسئلة الدين والعلم والفلسفة واللاهوت، ونظام الحكم، والتجديد الديني. أتراها أسئلة يطرحها الوعي العربي انطلاقاً من رؤية العالم كما يجب أن يكون، أم هي أسئلة ناتجة عن وعي العالم كما هو أو بما ينطوي على إمكانيات تحتاج إلى إرادة مولدة للأجنة.

القول بأن الواقع راكد لم يتغير منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى هذه اللحظة المعيشة، قول يتناقض مع سيرورة التاريخ الفعلية. لكن التغير لم يكن في اتجاه الإجابة الواقعية عن أسئلة الفكر العربي الحديث. أي أن أياً من أهداف عصر النهضة العربية لم يجد طريقه إلى التحقق.

فإذن الأهداف تعبير عن أوتوبيا مفكرين يعيشون هاجس البشر الحقيقي والأصيل، لكنهم ما كانوا يمتلكون حاسة الشم التاريخي.

وفي كل الأحوال لسنا في معرض محاكمة فكر النهضة العربية واستطالاته، ولا في إطار الحكم على فكر ما بين الحربين وما بعدها. لسنا في وارد هذا كله. كل ما نسأل لماذا أسئلتنا الراهنة أشبه بأسئلة الماضي القريب؟

أليس من الحكمة والحال هذه أن نتحرر من أسئلة الماضي القريب ونطرح أسئلتنا المعاصرة، أي أهدافنا الواقعية؟. فلطالما أن أهدافنا القديمة قد مضى حين من الدهر على طرحها دون أن ترى النور؟

نحن أمام مشكلة حقيقية. المشكلة هي التالية: علاقة الطموحات بالواقع. إذا ما نظرنا إلى المسألة من هذه الزاوية فإن الأسئلة نفسها التي طرحت في الماضي يمكن أن تصبح واقعية إذا ما أحسن البحث عن أجوبة واقعية عنها.

تقوم أطروحتي علي أن لا شيء قابل للتحقق تاريخياً إذا لم يكن بالأصل إمكانية قابعة في قلب الواقع. ومن المحال تكسير رأس التاريخ لإجباره على أن يكون كما نريد دون أن يكون التاريخ في حالة حمل صادق، أقول صادقا لأن أكثر المشكلات في الحمل الكاذب الذي يخدع الإرادة.

وبارتباط هذه الأطروحة نقول: إن إمكانية قابعة في قلب التاريخ تظل قابعة فيه إذا لم تجد الإرادة الفاعلة لنقلها إلى إمكانية.

إذا انطلقنا من هذه الأطروحة الصادقة تاريخياً والتي هي منهج في التفكير وحللنا وفقها العلاقة بين أسئلة الفكر العربي وبين الواقع ندرك أمرين: لماذا أخفقت الأفكار بالمعنى التاريخي وما هي الأفكار القابلة للتحقق.

الأفكار هنا مأخوذة بوضعها أهدافاً أسئلة. والإخفاق هنا معناه عدم التحقق.

إذن إما أن أهدافنا إمكانيات لم تجد الإرادة، أو إرادة واعية أنتجت أهدافنا دون أن تكون إمكانيات.

لقد طرح علينا الربيع العربي بكل تجاربه أسئلة جديدة مختلفة عن تلك الأسئلة القديمة التي ما زال البعض يراها قمينة بالنظر.

ولعمري بأن سؤال ما السلطة؟ وما السلطة السياسية، أحد أهم الأسئلة العربية في الوقت الراهن.

وتتفتق عن هذا السؤال أسئلة أخرى أهمها: كيف تتحول الدول العربية الراهنة إلى دول بالمعنى الذي تحدده معايير الحضارة؟ ما دور السلطة الحاكمة في الحيلولة دون قيام الدولة؟ ما الدور الذي تقوم به السلطة الدينية سواء كانت مسيسة أم تقليدية في حياة الوعي بالعالم سلباً أو إيجاباً؟

ما علاقة البنى العربية الراهنة بالتاريخ؟ وهكذا.

إن هذه الأسئلة وغيرها إذا ما وجدت الإجابات الواقعية عنها فإنها تمد الإرادة بقوة، قوة تحول الممكنات إلى واقع.

التعليقات (1)

    آشور

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    السلطة الراهنة في دويلات العالم العربي: مستبد سياسي + كاهن مُنبطح له ووجود تبادل مصالح تذهب بأغلبها دوماً للأول فيما تذهب الفتات للثاني ... هذه السلطة قضت على مفهوم الدولة الاجتماعي ولا ينفع أيّ إصلاح معها .. من هنا ظهرت الثورات وستستمر حتى تحقيق التغيير
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات