بعثرة بصرية غير مركبة!
بالنسبة لسيناريو مسلسل (قيد مجهول) الذي كتبه محمد أبو لبن ولواء يازجي، وأخرجه السدير مسعود ابن الممثل غسان مسعود، فهو لا يخضع إلى قواعد أو مواهب، وإنما يضم الكثير من البعثرة البصرية غير المركبة بتقنيات النص الذي يمكن أن نطلق عليه وصف "السيناريو المعروف والمهترئ" السيناريو لا يتحرك في الماضي ولا في الحاضر، ولا تقنيات ذكية لتفلت من مقص الرقيب، لأن هذا السيناريو في أساسه مبني على تجميع أشياء لا يربط بينها شيء، ويمكن أن يقول قائل قائم على هذه التقنية.. ولكن التأثير الذكي والمبدع لاستخدام تقنية صعبة كهذه يبقى مغيبا تماماً.
كذلك تقنية شد الأحداث بدت منتهية الصلاحية، هكذا جاء السيناريو غير متصاعد وأحداثه وشخصياته لا تنمو عن طريق التتابع وتطور الأحداث، هذان الخياران كانا الأنسب أمام كاتبيْ العمل، إلا إننا أمام سيناريو لا يمكن أن يصل التعاطي معه بغية نسفه كاملاً، ولا القبول به باعتباره فتحاً في مجال الدراما كما يروج له بعض السذج والمنبهرين..
إنه لا يخفى بعض اللمحات المبعثرة -إن صح التعبير- ولكنها لمحات تحتاج إلى موهبة لا تتوفر هنا بشكل صارخ، وموهبة هذا النص الذي يمكن تجاوزا أن نستعير مصطلح النقد الفرنسي "سيناريو دراما حديثة" لتوصيفه، يلعب فيه المخرج دور البطولة مع أهمية إدارة الممثل، وتلعب الكاميرا دورا محوريا لتقول ما تخفيه الكلمات.. لكن هذا كله يبقى إرهاصات لا تبلغ مداها، وهذا السيناريو الدرامي المبعثر أو "الحديث" يحضر في حالة الغياب.. فهو يوحي بالشيء ثم سرعان ما يغيب ويتلاشى.
دراما الشخصيات النفسية المسطحة
في السيناريو الذي نجد فيه الممثل عبد المنعم عمايري، نعرف الشخصية المتخبطة داخل السيناريو، الملمح النفسي الذي يفترض أن تنحت عليه الشخصية يحمل أبعادا نفسية، لا السيناريو يقنعك بهذه الشخصية من البداية إلى النهاية، رغم محاولة العمايري أن يعطي ردات فعل ذات جرعات نفسية عالية سرعان ما تغرف في بحر التكرار والملل، ولا المعالجة الإخراجية اللاهثة وراء تفكير مختلف لا تعرف بالضبط ما هو.. وفي المحصلة لا نرى الملامح النفسية الكاملة لا عبر أفكار الشخصيات وآرائها ورغباتها، ولا عبر معالجة العامل النفسي بما له دور كبير في الشخصية.
وفي الحوار الدرامي لا نجد فيه أفكارا غير منتظرة، إذ يغيب التركيب من خلال خلفيات الأغاني أو الشعر أو المؤثرات الأخرى.
مخرج يحاول ويخفق
إن العمل الدرامي الجديد، يمكن أن يكون سيناريو مغايراً ومختلفاً، له مكوناته الخاصة وله أبعاده وله شخوصه المتداخلة والمتناثرة في أسلوب السرد والحكي والصور والفعل الدرامي والأسلوب الخاص والبنية المستقلة وحمولاته المعرفية والتاريخية والفكرية، وهو يمكن أن يكون طموحا لإنتاج دراما بصرية تخاطب العين والعقل والوجدان، وهدم الصورة المعروفة والمهترئة، لكن مطب هذا السيناريو هو مطب إخواته التي باتت تعنى بتعميم تفاصيل دراما معروفة ومهترئة، الدراما التي أدمنت الممثلات الأقرب لعارضات الأزياء والسيارات الفارهة وملابس "البراندات"، إنها دراما نظام الأسد، لم يستطع (قيد مجهول) أن يقدم صورة جديدة إبداعية، وإنما الصورة جاءت بعيدة عن واقعية الالتزام بتحليل الواقع، صورة معروفة ومهترئة عن دولة البعث المطيف، ببساطة السؤال هو مفتاح الطريق لما نريد، وهي أسئلة آنية وفي ذات الوقت كلية ومؤنسنة.
كل هذا جاء في سيناريو معروف ومتوقع المسارات، ومهترئ البنية، يحاول أن يحلق لكن تخذله أجنحته الصغيرة والمتعبة، فيما تفشل كاميرا المخرج السدير مسعود ذات التقنيات العالية من تصوير البعد النفسي للتحدي الذي وضع السيناريو نفسه فيه، كذلك فشلت نظرة الكاميرا الحديثة أن تكون محدثة جمالياً، والمكان لا يتحقق بالتواصل في الصورة فقط، إنما يعتبر ناظماً لحياة الممثل والشخصية الفردية والاجتماعية.
غياب الحركة النفسية المقنعة
تعتبر الحركة في الدراما أو السيناريو الجديد، عكس الدراما الكلاسيكية، حركة ترسم السمات الداحلية والنفسية للشخصية.. الشخصية الثانية التي لعب دورها مشاركاً البطولة مع عمايري الممثل باسل خياط، غابت الحركة عن أداء الخياط والصورة عن "أزعر" الحارات الشامية، لم تأت بتجديد لا تعبر عن الشخصية، ربما يمكنني أن أكون أقسى باستنتاجاتي حد القول؛ لا الحركة مقنعة ولا الصورة وصلت حد العبقرية بل الأحرى حد الجمال النسبي، لا مكنون نفسي للشخصية في هذه الدراما المليئة بالتوتر، والملتبسة برؤى طموحة وهواجس لم تبلغها.
قصارى ما يمكن قوله: يجب أن نحيا داخل السيناريو ونحيا طقسه ومناخه وأشياءه الظاهرة والخفية كي تكون دراما مثل "قيد مجهول" عمل فني يحمل تجربته الخاصة والملهمة، هكذا يليق بالنص الحر، يغوص في جسد الأشياء بحثاً عما هو حقيقي ومتحرك وفاعل.
التعليقات (1)