كيف تؤثر سخونة الجبهة الأوكرانية على الجبهة السورية؟!

كيف تؤثر سخونة الجبهة الأوكرانية على الجبهة السورية؟!
الحشود العسكرية والتصعيد والتهديدات من أطراف الصراع الدائر في أوكرانيا هل هي تحضيرات لمواجهة كبيرة  ومعقدة بين ثلاث قوى متباينة (روسيا ، تركيا ، الغرب) تقف على  مسافات متقاربة من بعضها العض ؟!!!.. أم هي عرض عضلات  لمعركة سياسية على الملفات الشائكة فيما بينها ؟!!.

سرعة الاستعداد للمواجهة بين الروس والأتراك تتنافى مع حجم التفاهمات فيما بينهم ، وتتنافى مع حجم المشاريع الاقتصادية فيما بينهم وحجم الشراكات الإستراتيجية العسكرية منها والاقتصادية والأمنية.. ما الذي تغير بين يوم وليلة ؟!!.. لماذا تلجأ تركيا للتلويح للتدخل عسكرياً  إلى جانب أوكرانيا  تحت مظلة الناتو في وجه روسيا التي باتت أقرب للتحالف  معها ضد القوى الغربية نفسها؟!!.

الروس والأتراك  والقوى الغربية ـ من يصطاد من في الأحراش الأوكرانية !!!.

بالأمس القريب كانت القوى الغربية مستاءة من التقارب الروسي التركي ، فكانت النتائج  كلما ضغطت القوى الغربية على روسيا وجدت الأخيرة مخرجاً من العقوبات الغربية عبر زيادة الشراكة مع تركيا ، ونفس المعادلة كذلك وجدها الأتراك فكلما تعنت الغرب ضد مصالحهم كلما توجها صوب روسيا . ويجد الأمريكان في كل مرة أنفسهم عاجزين أمام هذه التكتيكات من قبل موسكو وأنقرة.. لسنوات تفادى الروس والأتراك المواجهة فيما بينهم ، وكانت أوقات وأحداث استوجبت المواجهة ولكنهم تفادوها واتجهوا إلى التعاون ومقايضة المصالح بمصالح مقابلة واللعب بملفات مقابل  ملفات .. تفادوا المواجهة مع  إسقاط المقاتلة الروسية في 2015 ومقتل السفير في 2016 وفي معركة إدلب في ربيع 2020 ومعركة طرابلس في صيف 2020، واتخذ الروس موضع الوسيط في معركة كاراباخ في خريف 2020.

تلويح الأتراك  بالقوة العسكرية في وجه روسيا في أوكرانيا  أسهل منه في سوريا . ففي الحالة الأوكرانية الناتو يوفر  الغطاء القانوني  فبدونه يمكن شيطنة تركيا وزجها في زاوية عقوبات قاتلة.. السؤال هنا لماذا  تضرب تركيا عرض الحائط بالمصالح التي تربطها مع روسيا التي تَطلّبَ بناؤُها وتحقيقها سنوات طوال ؟.

أم هي سياسة الترك الأخيرة المتغيرة من تصفير المشاكل إلى مواجهة المشاكل واللجوء إلى الحلول العسكرية ، وكانوا قد كسبوا خمس معارك معقدة في أقل من سنة  ونصف ما بين معارك عفرين وكاراباخ ولهم معارك مفتوحة  لا تقل تعقيداً في مطاردة الميليشيات الكردية في الشمالين السوري والعراقي .. هل وصل الأداء التركي في تعامله مع روسيا إلى هذا الحد!! .. لكن من جهة أخرى  هل يؤتمن الغرب للتخندق معه في خندق واحد ضد روسيا؟!!. الغرب حيث الفرنسيون والألمان الذين  يتربصون بتركيا وبمواقفها وبمصالحها ..هل يؤتمن الأمريكان لقيادة معركة تكون فيها تركيا ضد روسيا ؟؟.. في الوقت الذي يريد فيه الغرب تحديداً  الأمريكان والفرنسييون اصطياد تركيا ووضعها  تحت مطرقة صواريخ  روسيا ـ هل تنجح تركيا باللعب على السندانين والضغط على روسيا والحصول  منها على تنازلات في الملف السوري .

الناتو  منقسم على ذاته  بين ثلاث قوى  باتت غير متجانسة (الأمريكان والأوروبيون والأتراك )، ولكلٍ علاقته الخاصة والمتميزة والمنفردة مع روسيا.. الشيء المستجد والذي أزعج الأميريكين هو التقارب الروسي التركي المتصاعد والمتسارع  وصفقات السلاح الروسية  لتركيا التي تقوي حصة روسيا في سوق السلاح بين الدول التي تتبع محور تركيا وتعيد سمعة السلاح الروسي إلى الصدارة . والشيء الآخر الذي يبدي الأمريكان  انزعاجهم   منه هو تحكم روسيا في سوق الغاز الأوروبي وبمساعدة تركيا وزيادة قبضتها عليه . 

انعدام التجانس بين مثلث قوى الناتو قائم  في فضاء المشاحنات بين تركيا من جهة وفرنسا واليونان من جهة أخرى ومساندة الأوروبيين لليونان . وكذلك عدم التجانس من البرود في العلاقات بين الأمريكان والأوروبيين . وأخيراً والأهم ، الندية المتصاعدة بين الأمريكان والأتراك والتي باتت سيدة الموقف في طبيعة العلاقة ، والتي تنعكس على كثير من الملفات بين الجانبين ، أهمها ملف ميول تركيا لعلاقة قوية مع روسيا على حساب  علاقتها مع الغرب . من هذه البيّنات يصعب تصور أن تصطف هذه القوى غير المتجانسة  في خندق واحد ضد روسيا .. فالغرب في إطار الناتو  يصعب  عليه  شن حرب ضد روسيا رادعة  بدون حضور عسكري تركي (حقيقي) سيما تركيا  القوة العسكرية الأولى الناتوية في أوروبا ، وبدونها موقف الغرب  العسكري يبقى ضعيفاً سيما بعد المسافة  أمام الحضور العسكري الأمريكي . لكن  ربما طبيعة المعركة ( في  حالة حدوثها)  لن تكون  رادعة بقدر ما ستكون مؤذية  لروسيا ، وتكون بمثابة أوراق ضغط من قبل الغرب أولاً، ومن قبل تركيا  في حالة تزويد تركيا لأوكرانيا تزويداً موسعاً بطائرات مسيرة دون مشاركة على الأرض  من تركيا تجنبها التورط في حرب لا يؤتمن عقباها  تحت إمرة  قيادة أمريكية متربصة ، وبوجود حلفاء حرب بالأمس القريب واجهوها في أزمة شرق المتوسط وما زالوا  يتبنون موقف اليونان ضدها وضد مصالحها . 

الجدير ذكره في تطورات الأوضاع  في الفضاء الجيوسياسي في ملف مواجهة الأمريكان للشراكة الروسية التركية  هو تساهل الغرب والأمريكان  في  تعاملهم مع الشراكة الصينية الإيرانية ، عبر الاتفاقات الإستراتيجية الأخيرة بين الجانب الصيني والآخر الإيراني ، فتكون توازنات القوى في المنطقة شراكة صينية ـ إيرانية  في مقابل شراكة روسيةـ تركية . فمن هنا نفهم  أبجديات مساعي تركيا للتقارب مع  الدول القريبة سيما  مع السعودية ومصر بعدما نجحت في التقارب مع الباكستان، فيبدو الأمر أشبه بلملمة الأطراف في مواجهة الدخول الصيني إلى المنطقة الذي بات يشكل رعباً حقيقياً . 

لا شك الشراكة الصينية الإيرانية تعزز من حالة إيران الضعيفة التي آلت اليها عسكرياً وسياسيا واقتصادياً .. ربما  نجح الأمريكان في التأثير على الشراكة  الروسية التركية  بخلق شراكة موازية لها ومعادية، لكن يصعب تصور نجاحهم  في اصطياد تركيا وردعها وتحجيمها بزجها في معركة غير متكافئة مع روسيا وبتواطؤ  منه ، وصعوبة هذا التصور هو حذر تركيا الشديد من الوقوع في هكذا مصيدة وخبرتها الراسخة في التعامل مع هكذا معضلات وأوضاع . 

ومن جهة أخرى لطالما تأذت روسيا من التقارب التركي الأوكراني ، سيما في مجال التصنيع العسكري ، وبكل تأكيد  لا يعجبها لجوء أوكرانيا إلى امتلاك  السلاح  التركي سيما مسيّرات البيرقدار . 

يبقى لتركيا  أن تسير مع تطورات الوضع وانتظار تنازلات روسية  سيما في الملف السوري، الذي بات مفتوحاً  بين الجانبين . وإذا ما ذكرنا مآلات قمة الدوحة الذي تصدرها الملف السوري فخرج الجانب الروسي  بعدها أكثر حدة  وأكثر تصعيداً عسكرياً بقصفه لمناطق الشمال السوري ، وسياسياً بإصراره على فتح معابر لإنعاش النظام .. في ضوء هذه التجاذبات  يبقى تفسير التحرك التركي شمالاً على الأغلب هو الضغط على الشريك الروسي والتلويح بإيذائه عسكرياً  لفرض تغيرات في الواقع السوري . 

يبقى السؤال  هل تنجح عملية  تركية في دعم أوكرانيا وتزويدها بسلاح نوعي باتت  تخشاه روسيا ـ هل تنجح في فرض تغيرات في الملف السوري ؟!! هذا ما ستكشف عنه  التطورات في الجبهة الأوكرانية في قادم الأيام  . 

التعليقات (4)

    Faiz

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    مقالة ملمة بمجريات الأحداث وتحليل مبني على الواقعية

    GULIA

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    ربط للاحداث موفق ... وبعيد عن السطحية والتكهنات

    سمير

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    نسال الله ان يتخلى الروس عن النظام كما تخلو عنه في ادلب من قبل

    عمر

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    من المهم أن نلاحظ أن الوجود الروسي في سوريا بحالتها الراهنة اي ضعيفة وجاءعة يخدم المصالح الغربية فهو يحاصر تركيا وإيران ويجعل الحدود الإسرائيلية أكثر أمانا. والضغط على روسيا في اوكرانيا أسبابه الأمريكية الداخلية والأوروبية ولا انعكاس له على الحالة السورية للاسف
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات