تفاصيل أسدية -3: حين عسكر حافظ الأسد دمشق وأوهم الجميع أن تجارها حلفاؤه بإرادتهم!

تفاصيل أسدية -3: حين عسكر حافظ الأسد دمشق وأوهم الجميع أن تجارها حلفاؤه بإرادتهم!
عندما تقول دمشق تقول الانفتاح التجاري. التجارة روح دمشق. الانفتاح التجاري في دمشق منفصل بالمعنى النسبي للعبارة، عن جوانب كثيرة في حياة الدمشقيين. هذا المفصل في الحقيقة، قلما تم التطرق إليه في الكتابات عن دمشق. دمشق بوصفها مركزا لريف شاسع وممتد، حتى مكة في قديم الزمن. حتى بيروت وعمان لا تشبهان دمشق في ذلك.

كل هذا الريف من مكة وإلى دمشق كانت هي مركزه. هذا التقليد عبر الزمان بقي في دمشق، لأن الأرياف التي حولها، لم يتسنّ لها أن تتحول إلى مراكز تجارية. ولهذا أسباب كثيرة لسنا بوارد التطرق لها هنا.

 الانفتاح التجاري تعيش معه وتعيش فيه. حتى بعد تشكل الدولة السورية الراهنة، على يد الاستعمار الغربي، بقيت دمشق مركزا لريفها الممتد إلى حمص شمالا وحدود الأردن جنوبا وحدود فلسطين غربا وفقراء لبنان معهم وشرقا حتى تدمر. كانت تنافسها حلب في ذلك. 

دمشق هذه بدأت مخاض ما بعد الاستقلال، حيث الجيش المشكل فرنسيا بجنرالات بدأت تدخل المضمار السياسي، وكأنه نزل على أهل دمشق بالباراشوت. حدثت عدة انقلابات بين عامي 1949 و1954 استطاعت النخب السورية في دمشق وحلب وحمص، البدء بتأسيس تجربة ديمقراطية. استمرت لمدة أربع سنوات، وعاد العسكر ليجبروا الرئيس شكري القوتلي المنتخب ديمقراطيا على تسليم السلطة لعسكر الوحدة السورية المصرية 1958. لم تدم إلا أقل من ثلاث سنوات تقريبا. حدث الانفصال لمدة سنتين قبل أن يقوم البعثيون والناصريون بانقلابهم في الثامن من آذار 1963. بقي الشغل الشاغل للعسكر من سيستولي على السلطة. في تصفية بعضهم بعضا. تحت شعارات ما هب ودب. حتى أتى حافظ الأسد وزيرا للدفاع على إثر انقلاب ما عرف بحركة الشباطيين 1966. 

• الثلاثي الطائفي وتسريح الضباط السنة! 

من ضابط طيار قائد قاعدة الضمير إلى وزير دفاع، وبدا بالاستيلاء على ما أسسه الجنرال محمد عمران. من تيار عسكري له سمة طائفية داخل الجيش. او ما عرف لاحقا بالعليات. استطاع الأسد الانقضاض من جهة على جماعة عمران المنفي خارج سوريا في لبنان، وعلى رفاقه من الشباطيين. صلاح جديد ونور الدين الأتاسي وعبد الكريم الجندي وغيرهم واودعهم بالسجون صبيحة انقلابه التشريني 1970. عبد الكريم الجندي الذي يقال إن الأسد من اغتاله ولم ينتحر، كما أعدم سليم حاطوم الضابط الدرزي الوحيد ذا الوزن في حركة الشباطيين، حيث كان قائد سلاح المغاوير. وقام بانقلابه وبعدها اغتال محمد عمران الذي أسس العليات. 

الثلاثي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد هم وراء تنحية الضباط السنة وغيرهم من الجيش. هذه قضية عليها شبه إجماع من مؤرخي تلك الفترة. هذه المعارك كانت تجري تحت جنح الظلام الدمشقي، وأهل دمشق خارج المعادلة كليا. باسم البعث رغم أنه عند قيام حركة 23 شباط 1966، كان تعداد البعثيين في دمشق لا يتجاوز 120 بعثيا. أغلبهم من سكان دمشق لكنهم من أصول ريفية. هذه اللوحة العسكريتارية والتي مثلها العليات في المشهد اللفظي الدمشقي عند الحديث عن السلطات. في خلال هذه السنوات السبع منذ عام 1963 وحتى عام 1970 تاريخ الانقلاب الأسدي، بدأت سلطة العليات تتقدم في الشارع على السلطات الرمزية لأعيان دمشق وتجارها. اضطرت هذه الروح التجارية إلى الرضوخ في النهاية لسلطة الأسد الانقلابية. 

• تجار دمشق.. بين التهديد والترغيب 

يذكر أنه درجت نكتة في الشارع الدمشقي والسني عموما، عند الحديث عن مشاركة السنة في الحكم الأسدي تقول" خذ كل المشاركين السنة في السلطة وأعطينا علياً واحدا". دخل الأسد بمساومات بين تهديد وترغيب مع تجار دمشق ومشايخها. أهل دمشق لا ناقة لهم ولا جمل بما يحدث في جيشهم، ومجالس أهل أبو رمانة الجدد. صار الأسد شريكا إجباريا لتجار دمشق. مباشرة أو عبر ضباطه. حسب كل حالة على حدة. وأطلق اليسار أو بعضه أن البعث والأسد قد قضيا على البرجوازية التقليدية. قسم من هذا اليسار أطلق عليها برجوازية كومبرادورية تابعة للإمبريالية، وقسم آخر بقي على صيغة البرجوازية التقليدية. وهي في الغالب تجارية في دمشق، وصناعية في غالبها في حلب. أو ما عرف لاحقا بظاهرة هروب العائلات الغنية إلى خارج سوريا خوفا من مراسيم تأميمية أيضا تنزل على رؤوسهم بالمظلة كما نزل المظللون الأسديون على سكان دمشق في بداية الثمانينيات، وخلعوا الحجاب عن رؤوس النساء. وصل الأمر إلى درجة أن كل تاجر دمشقي لديه رقم ضابط أسدي كي يسعفه في حال تعرض لمشكلة ما مع السلطة أو غيرها. وهذا بثمنه وليس مجانيا. عبر عن هذا الأمر شراكة رفعت الأسد مع نذير هدايا بشكل علني وفاقع. هي ليست شراكة إنما نذير هدايا يدفع رشاوى لرفعت الأسد للحماية. التاجر الذي ليس لديه رقم، يحاول التعامل مع الموضوع عن طريق تاجر آخر صديقه أو قريبه. واسطة تجر واسطة، والتاجر الذي لا يدفع ولا يشارك، يتوه بالبيروقراطية والدواوين الأسدية ويدفع. أهل دمشق بالكامل خارج السياسة. هذا هو العنوان. طبعا ككل سوريا لاحقا. لكن دمشق العاصمة والبداية القمعية تكون منها.

عندما تريد سلطة ما أن تؤمم قطاعا معينا، تؤممه من أجل خدمة الناس. وليس من أجل خدمة ديكتاتورها وضباطه. تحت بند التأميم ارتكبت جرائم. هؤلاء الضباط الشركاء كانوا يختارون حجابهم لخدمتهم الشخصية في مكاتبهم وبيوتهم من أهل المدن. لأنهم مرتبون!! أو يستطيعون دفع رشاوى للضابط كي يعفيهم من متطلبات الخدمة العسكرية الإلزامية في المعسكرات. كل إجازة يقابلها مبلغا من المال. والدمشقي القادر أو حتى الفقير كان يدفع. استولى الضباط على المساحة الدمشقية تعبيرا عن ظاهرة سيطرة الريف على المدينة أو ما عرفه بعض يسار ترييف المدينة. 

كان يختار الحاجب من أهل المدن لا من أهل الساحل. لأن اختيار فرد من أهل الساحل أو الريف ليس وراءه مكسبا ماديا، وربما لا يجرؤ يخاف أن يكون لهذا العسكري ضابطا قريبا، لا يريد أن يفضح نفسه، والعسكري من ريف الساحل لا يدفع أساسا.

الملاحظة هنا عسكرة دمشق أتت من فوق بقوة جيش أسسته دولة استعمارية هي فرنسا، لا علاقة لها بدمشق ومجتمعها وثقافتها آيا كانت. بالمقابل هنالك من يحمّل أهل دمشق مسؤولية عدم تدخلهم في السياسة، مع أن هذا غير صحيح، لكن أهل دمشق يستحقون لدارسة خارج هذا المنظار الضيق والسجالي. لكن ما يسجل لأهل دمشق وفقا لمعطياتي المتواضعة، أنهم لم يتعاطوا مع حاكم انطلاقا من هويته الدينية أو الطائفية أو الإثنية. حتى الاحتجاج المحدود الذي قاموا به أتباع الشيخ حسن حبنكة الميداني، هو اعتراض عابر على الدستور الأسدي سرعان ما انتهى وأقر الدستور.

 للحديث بقية...

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات