تعالوا نسامح الأسد!

تعالوا نسامح الأسد!
كان حلمنا عندما انطلقت الثورة السورية إعادة رسم وتقديم الصورة الحقيقية لسوريا، بعيداً عما قدمه نظام الأسد الأب والابن، وبعيداً عن كل العبثيات والفوضى والقتل والإجرام التي مارسها هذا النظام.

كان حلمنا أن نصنع ونقدم نموذجاً عن القضاء العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها وينصف المظلومين، ونتلمس معنى كلمة عدل التي حُرمنا منها في الوطن السوري.

كان حلمنا أن نشعر ونعيش معنى الأمن ومعنى الأمان، بعد أن بات الشارع السوري يشعر بالأمن عند غياب رجال الأمن، وبعد أن أصبحت المعتقلات السرية والعلنية تزيد عن عدد المشافي السورية، وبعد أن أصبحت الأفرع الأمنية ومحققيها ومخبريها وملحقاتها تضاهي عدد مدارس سوريا بكامل مدرسيها.

كان حلمنا أن نقف باحترام لجيش الوطن، ونعيد هيكلة جيش وطني يفتخر به كل مواطن سوري كما يحدث في كل بلدان العالم، جيش تنحصر مهمته بحماية الوطن والمواطن، جيش يحمي الحدود والدستور ويطرح الأمان والاستقرار.

في المناطق المحررة كجزء من الوطن الأم سوريا، ومن خلال ثورة الشعب السوري العظيم، كان حلمنا كمنشقين (عسكريين وأمنيين ومدنيين ودبلوماسيين وقضاة ومحامين وكوادر طبية وهندسية ....إلخ) أن نقدم نموذجاً مصغراً عما نحلم به في سوريا الوطن الأكبر، لكن فاجعتنا كانت أكبر مما نتوقع وأكثر من أسوأ مما نتخيل.

في منطقة جغرافية صغيرة تضاهي فيها الكثافة السكانية، الكثافة في قطاع غزة، والمقصود هنا الشمال الغربي من سوريا والتي تجاوزاً سنقول إنها (محررة)، والتي يوجد فيها عشرات الفصائل، وكل فصيل من تلك الفصائل له كتيبته الأمنية الخاصة وله محكمته الخاصة بقضاتها وقانونها، ومع شريعة الغاب كانت تمرر عبرها كل ما يتمناه ويريده قائد الفصيل الذي تتبع له، هذا القائد الذي أصبح الحاكم بأمر الله والآمر الناهي الذي لا ترد له رغبات، أما المواطن والنازح والمهجر الذي خرج بثورته وقدم كل التضحيات لينعم بالأمن والأمان، عاد ليعيش معظم ما هرب منه عند نظام قاتل وفاجر.

عملياً، عشرات الفصائل المتناثرة والمبعثرة شكلت "نظرياً" ما يُسمى (الجيش الوطني) لكن دون أي تغيير فعلي على أرض الواقع، سواء بالصلاحيات أو النفوذ أو حتى بطريقة وأسلوب ونظام اتخاذ القرار، فصائل بقيت على حالها السابق دون أي تعاون وبدون أي تنسيق فيما بينها (إلا بأوامر خارجية)، لكل قائد (أمير حرب) حيز جغرافي حوّلها بـقراها وبلداتها لمزرعة خاصة له، وسكانها أصبحوا رعاياه وتحت نفوذه وسلطته، ونُصبت فوق تلك الفصائل سلطة قيل لنا إنها "وزارة دفاع"، لكنها لا تملك السلطة ولا القرار حتى على أصغر فصائلها، وزارة فخرية مهمتها شرعنة الموجود دون خروج عن الحدود أو تغيير المعهود.

أما الكتائب الأمنية فهي الأخرى بقيت على حالها وبنفس تبعيتها، فقط تم إخبارنا أن اسمها الجديد وصورياً أصبح (وزارة الداخلية)، والمحاكم التي كانت تعيش حالة تبعية مطلقة لقادة الفصائل لم يكن نصيبها أحسن حالاً، وحافظت على تبعيتها لكن تحوّل اسمها لـ(وزارة العدل).

لم يتغير شيء، بمعنى فقط، الصورة الفوضوية السائدة وُضع لها إطار مذهب خلّبي وعلقوها فوق رؤوسنا وقالوا لنا هذا هو الإصلاح وهذا هو مستقبلكم وبتلك الأدوات سننتصر.

طبعاً، هذا لا يعني نكران وجود قلة قليلة من قادة عسكريين وطنيين (أما المقاتلون فهم رجال شرفاء لا أحد يزاود على مواقفهم ووطنيتهم)، وكذلك وجود قادة أمنيين شرفاء، وقضاة مازال ضميرهم يعمل، لكن واقع هؤلاء (القلة) كان يقول إن إمكانياتهم أقل من قدرتهم على التغيير أو إصلاح أخطاء الأكثرية الغارقة بالفساد والفوضى والصفقات والإتاوات ..... إلخ.

على مدار سنوات ليست بقليلة حاولنا مع الكثير من الأكاديميين والسياسيين والعسكريين والثوريين والإعلاميين والنشطاء ووجهاء أشراف، التنبيه لأخطار الحالة الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تسود المناطق (المحررة)، وأن ما يحصل فيها من تجاوزات وانتهاكات قد يجر الجميع مستقبلاً لمحاكم الجنايات الدولية ولمحاكم حقوق الإنسان الأممية، ونبهنا وقلنا إن جرائم الإنسانية لا تموت بالتقادم، وعلى الجميع التنبه لمخاطر الاستمرار بهذا الطريق لما يحمله من ويلات كارثية لكل من يتشارك بإدارة تلك المناطق، لكن لا حياة لمن تنادي، وبدل الإصلاح وتصحيح المسار، مورست على كل منادٍ بالإصلاح عمليات كم الأفواه والاغتيالات والزج بالمعتقلات، ومن هم خارج مناطق نفوذهم وخارج جغرافية بطش سلطاتهم القمعية، لم يبخلوا عليهم بتقارير كيدية مخابراتية زجت بهم بالمعتقلات لإخماد وإبعاد صرخاتهم التي أصبحت تهدد مصالح ومكاسب ومنافع ومزارع أمراء الحرب وبعض الذباب المستفيد من وجودهم وسرقاتهم. 

ما تم سرده ليس بجديد ولم نخرج الزير من البير بما قلناه، لكن الملفت والجديد ومع هذا الواقع المأساوي وغير المبشر بالخير، خرجت علينا مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم أنهم بعض وجهاء المنطقة وبعض من أصحاب الذقون وبعض المتنفذين اجتماعياً بتلك المناطق، خرجوا علينا بأسطوانة مشروخة ومقززة تقول: عفا الله عما مضى وتعالوا نتعامل مع هؤلاء المفسدين والفاسدين من جديد، دعونا نفتح معهم صفحة جديدة، وبدأ هؤلاء المنافقون بإغداق المديح ومنح التبرير للفاسدين، ومحاولة رسم صورة جديدة للفساد تحت عنوان، أن هؤلاء القادة والفاسدين قد تابوا وأصلحوا وأنهم بدؤوا بفعل الخير بعد أخطائهم السابقة وأنهم ارتجعوا عن جرائمهم السابقة وانتهاكهم للأعراض التي قاموا بها، وأنهم يحاولون الآن تصحيح وقيادة المرحلة القادمة، وعلينا مسامحتهم والشد على أيديهم والتغاضي عن ماضيهم الأسود.

كان الأجدى بتلك الحفنة الضالة والمضلة والتي تظن نفسها من المصلحين أن تعلم أن مظالم الناس لا تموت بالتقادم، وأن عليهم الإجابة عن سؤال مهم: من أعطاكم الحق بالمسامحة عن حقوق المواطنين التي انتُهكت، والجرائم التي ارتكبت والأموال التي سُرقت, والحواجز التي أهانتهم؟

 ماذا عن المغيبين والمبعدين ومن يسامح عنهم؟

من أعطاكم الحق لتتحدثوا باسم المظلومين وتمنحوا صكوك الغفران عنهم؟

من سمح لكم بمنح ما لا تملكون لمن لا يستحقون؟

بعض المتذاكين خرج علينا أيضاً ليحاججنا بالقول: هذا النظام بكل ما يملك من فساد ومن إجرام ومن انتهاكات، هل وجدتم بينهم تبادل الاتهامات وإبراز الأخطاء؟

هل وجدتم أحد عناصر النظام أو حلفاءه يفضح تجاوزات الآخرين؟

نعم هذا الكلام صحيح، النظام بمعظم مكوناته يضم مجرمين وقتلة وشبيحة وجماعات التعفيش والسرقات و و و، لكنهم جميعاً يعملون لمصلحة النظام، ولأهداف النظام، وبقرار واحد للنظام، ولا يخرجون عنه، وبالتالي أمام هذا التوافق تبقى اللحمة بين مكونات النظام.

لكن من نتحدث عنهم وننتقدهم ونفضح تجاوزاتهم من أمراء الحرب الفاسدين وبعض الأمنيين والقضاة الفاسدين، وممن يُحسبون علينا بصفوف الثورة: هل يعملون لمصلحة الثورة؟

 هل يضعون مصالح النازح والمهجر في المناطق (المحررة) ضمن أولوياتهم؟

هل هناك أي تقاطعات بين توجهاتهم وبين بوصلة الثورة؟

هل ما زال هدف إسقاط نظام الأسد ضمن أجنداتهم، أم أصبح سقوط الأسد وبالاً عليهم وقطعاً لأرزاقهم؟

وبالتالي أمام هذا الواقع كيف نسكت عن هؤلاء؟

أليس وجود هؤلاء الفاسدين والمفسدين أصبح عثرة بطريق الثورة ويطيل من عمر الأسد ونظامه؟؟ وبالتالي أصبح التخلص منهم ضرورة ثورية وضرورة سياسية وضرورة عسكرية وضرورة حتى اقتصادية للمحرر؟

ختاماً يجب القول:

من يطالب بمسامحة أمراء الحرب والفاسدين بالمحرر، هو كمن يطالب بمسامحة عصابات الجولاني والبي كي كي عن جرائمهم، هو كمن يقول لنا: تعالوا نسامح الأسد!

التعليقات (4)

    ياسر منصور

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    يسلموا ياسيادة العميد الذين يستخدمون المهدانة مع نظام الإجرام , هم من نفس العقلية التشبيحية , لا يستطيعين العيش إلا مع الفساد .

    آشور

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    مشكور على النقد الضروري لكي يصحو البعض ممن يمكنهم فعل شيء فعلاً .. هؤلاء هم خدم مافيا الأسد ولا علاقة لهم بالثورة .. من هيئة تدمير الشام الإرهابية إلى مئات الفصائل المنحطة الأخرى .. الخنجر المسموم بظهر الثورة

    علي ابو لحسن

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    جزاك الله عناكل خير نعم نحن معك ونقول كل من يسامح الفاسدين فهو شبيح

    جمال الورد

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    تحياتي سيادة العميد أحسنت ????
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات