من هو الإرهابي وكيف أُحلتُ إلى محكمة الإرهاب؟

من هو الإرهابي وكيف أُحلتُ إلى محكمة الإرهاب؟
تواصل معي منذ ثلاث سنوات زميل من كلية الهندسة بجامعة دمشق كانت تربطني معه علاقة صداقة متميزة، وقال لي معاتباً: ماذا استفدت من الموقف الذي اتخذته ضد النظام؟ ها هم أحالوا ملفك إلى محكمة الإرهاب، وصدر قرار بفصلك من الجامعة، ثم نصحني بعدم العودة إلى سوريا ريثما تُحل هذه المشكلة. في هذا المقال سوف أكتب إجابة مختصرة لماذا أحالني النظام إلى محكمة الإرهاب موضحاً من هو الإرهابي الحقيقي، ولكن قبل ذلك لا بد أن أوضح أنني لم أكن قبل عام 2011 معارضاً للسلطة الحاكمة في سوريا، ولم يكن لدي أية مشكلة معها، وقد خرجت من سوريا بشكل نظامي عام 2010 قبل أن تبدأ الثورة بعام بقرار استيداع صادر عن رئاسة جامعة دمشق، ومصدق من وزير التعليم العالي في ذلك الوقت.

 للعمل في جامعة طيبة بالمدينة المنورة

 بدأت الثورة عام 2011 وأنا في المدينة المنورة، وبدأت أتابع أحداثها حتى بلغني بعد أسبوعين من بدايتها أن النظام أطلق الرصاص الحي على مظاهرة سلمية خرجت في مدينة الصنمين قُتل على إثرها مجموعة من الشباب، وقبلها أطلق الرصاص الحي على مظاهرة خرجت في مدينة درعا وراح ضحية ذلك أيضاً قتلى وجرحى من المتظاهرين. عندها قررت أن يكون لي موقف أخلاقي مما يحصل، وشرعت في كتابة مقال وضحت فيه رفضي لاستخدام السلاح ضد المتظاهرين من دون مواربة، ونصحت فيه من يحكمون سوريا اليوم نصيحة صادقة مخلصة ألا يتعاملوا مع المتظاهرين بالعنف المسلح، وطلبت في ذلك المقال أن يفهم النظام التركيبة العشائرية في محافظة درعا، وأن يستدعي بعض الباحثين لدراسة المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها.

مع الأسف لم يستمع النظام إلى هذه الدعوة، ولا إلى غيرها من دعوات صدرت عن بعض مثقفي حوران رسمت له طريق الخلاص بأقل الخسائر، واستمر في نهجه الأمني، وما زال لم يفهم أن هذا النهج لن يحل المشكلة بل يفاقمها وهذا ما حصل فعلاً. من هنا استمر موقفي على ما هو عليه الآن من دفاع عن المظلومين والذين انتهكت حقوقهم، ورافضاً للسياسة الأمنية التي طالت فيما بعد الجغرافيا السورية بكاملها، وأدت إلى ما أدت إليه من نتائج كارثية.

هذا الموقف الذي ترجمته من خلال كتابة مجموعة من المقالات تتحدث في مجملها عن حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية وكرامته، وحقه في العيش في بيئة آمنة، وحقه في المشاركة السياسية، هي التي دفعت عسس النظام، وبخاصة مساحي الأحذية من أساتذة كلية التربية بجامعة دمشق إلى كتابة التقارير، وتلفيق التهم التي أدت في النتيجة إلى إحالتي إلى محكمة الإرهاب. السؤال هنا: هل من يكتب مقالاً أو ينشر منشوراً على صفحات التواصل الاجتماعي يدافع فيه عن المظلومين والمشردين، ويحث النظام على الكف عن سياسة العنف مع أبناء شعبه يُعدّ ارهابياً؟ هل من وصل إلى درجة بروفيسور في اختصاصه، ونشر عشرات الأبحاث العلمية المحكمة في أوعية تربوية وثقافية متميزة، وألف أربعة كتب والخامس في طريقه إلى النشر، وكلها تتناول قضايا السلام والحوار والتسامح والحرية والتنوع الثقافي يُعدّ ارهابياً ويُحال إلى محكمة الإرهاب؟

 على أية حال، دعوني قبل أن أكتب لكم عن الإرهابي الحقيقي أن أسرد لكم قصة قصيرة حصلت معي عندما قدمت طلب اللجوء إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين، يومها سألني المحقق الفرنسي: هل يُعقل أن تُسبب لك هذه المقالات مشكلة في سوريا إذا فكرت بالعودة؟ فقلت له نعم، وإذا كنت تظن أننا نعيش في مجتمع يشبه المجتمع الفرنسي الذي لم يُعرض حياة "سارتر" للخطر عندما ألف كتابه الموسوم "عارنا في الجزائر"، وفضح فيه جرائم فرنسا في الجزائر فأنت على خطأ، لأن الرقابة البوليسية في مجتمعنا تمنع أي كاتب أن يدلي برأيه، وبخاصة إذا كان هذا الرأي يتعارض مع توجه النظام السياسي. والغريب أن المحقق لم ينزعج مما قلته عن سارتر وكتابه، بل أبدى ارتياحاً كان واضحاً على وجهه، وقد انتهى قراره بمنحي اللجوء لمدة عشر سنوات تجدد بعدها بقوة القانون الفرنسي.

أختم هذا المقال بالقول: إن من يمارس الإرهاب الحقيقي هو نفسه من يقتل شعبه صباح مساء، ويسرقه عيني عينك، ويتركه نهباً للفقر والبطالة والتشرد واللجوء، وهو نفسه الذي داس بأحذية الأمن والعسكر والشبيحة أبناء شعبه في بيوتهم وفي المعتقلات، وعذبهم في أقبية المخابرات والزنازين الرطبة، ووزع الثروة والمناصب على خلفية طائفية مقيتة. الإرهابي الحقيقي هو من قصف شعبه بالكيماوي والعنقودي والقنابل الانشطارية وصواريخ سكود. الإرهابي الحقيقي هو من باع مجدنا وأرضنا وتاريخنا في أسواق النخاسة للإيراني والروسي مقابل أن يبقي جالساً على كرسي الحكم. الإرهابي هو من عزل سوريا عن بقية العالم بسبب سياساته الأمنية، ولم يبق له غير دولة المافيات روسيا، وجمهورية العمائم وصكوك الغفران ومفاتيح الجنة. الإرهابي ليس من كتب مقالاً أو نشر منشوراً على صفحته في فيس بوك يستنكر فيه جرائم الحرب التي وقعت على السوريين، ويدافع عن المظلومين، وينتصر للحرية والكرامة الإنسانية. عودوا إلى رشدكم وارحموا شعبكم الذي أعطاكم كل شيء ولم تعطوه إلا الموت والفقر والجوع واللجوء.  

التعليقات (1)

    جامد

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    على من تقرأ زابورك يا داوود!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات