مؤتمرات مانحين أم مزادات نخاسة اللاجئ السوري

مؤتمرات مانحين أم مزادات نخاسة اللاجئ السوري
نحن السوريون ... سكان المناطق المحررة والنازحون داخل سوريا، واللاجئون خارج سوريا .

نحن سكان المناطق المحررة وضيوفهم النازحين داخل سوريا لا أحد يعترف بنا كبشر، بل حتى كأرقام فقد توقفوا عن إحصائنا منذ سنوات بينما نسقط تحت القصف والتعذيب والمذابح،  أما من يخطئه الصاروخ أو البرميل أو سوط الجلاد فيعيش "غير مرئي"؛ بنزوحه، وجوعه، وأطفاله خارج المدارس ومعاناته وخيمته؛ كلها غير مرئية لا تعني العالم حتى من باب الإحصاء.

نصبح "مرئيين" فقط عندما نصبح لاجئين، وعندها كل يرانا بمنظاره الخاص .

تبدأ رحلتنا لنصبح "أرقاماً مرئيين" عند حرس حدود دول الجوار الشقيقة والصديقة الذين يروننا من خلال منظار بنادقهم ويحصوننا "كطرائد" استطاعوا اصطيادها، فإن نجونا واصطادونا أحياءً فالذل والطرد ينتظرنا .. لكننا حتى اللحظة نبقى "طرائد" وأرقاماً حبيسة سجلات بطولاتهم .

ثم نجتاز حدود القصف والموت لنصل إلى دول الجوار فنصبح لاجئين، عندها فقط نصبح أرقاماً مرئيين للعالم أجمع، بل يبالغون في إحصائنا ربما تعويضاً عما فاتهم منا وبقي في المحرر السوري "غير مرئي" تحت سكين الموت والجوع والتشرد، لكن دائما يبالغون في إحصائنا لأهداف من مستوى نبل السبب الأول، لكن كل يرانا من منظاره.

حكومات دول الجوار "الشقيقة" ترانا "سلعة/شيئاً" يمكن أن تبتز المانحين من خلاله لتعالج أزماتها المالية وفشلها كدول وأنظمة، أما حكومات دول الجوار الصديقة فتضيف الابتزاز السياسي للابتزاز المالي خاصة لجيرانها الأوروبيين .. لذلك نصبح مرئيين جداً عند كل هؤلاء لكن كأرقام مبالغ بها.

أيضاً معارضات الحكومات والأنظمة في دول الجوار الشقيقة والصديقة ترانا كي لا يفوتها المهرجان، فنحن اللاجئين "مادة/شيء" مناسبٌ لابتزاز حكوماتها، لتتركز سياساتها الانتخابية على انتقاد حكوماتها التي سمحت لهؤلاء "اللاجئين الوحوش" بالدخول وامتصاص خيرات البلاد مسببين أزماتها الاقتصادية ناشرين الفوضى والجريمة بغض النظر عن الإحصائيات التي تقول إن معدل الجرائم بين اللاجئين السوريين مقارنة بسكان البلاد هو الأقل .. وطبعاً هنا نصبح أيضاً مرئيين لكن من خلال بضعة مجرمين بيننا، وهنا   لابد أيضاً من المبالغة بأعدادهم لنصبح كلنا كهؤلاء؛ لاجئين مجرمين مرئيين، طبعاً ما أضفناه لاقتصاد تلك الدول ونحن نعمل وننفق، كلها أمور "غير مرئية" ولا وجود له ضمن إحصاءاتهم.

أيضاً نحن كلاجئين في هذه الدول نشكل "فرصة عمل" جيدة لكثيرين، بدءاً من أجهزة المخابرات مروراً بأرباب العمل الذين يتقنون استغلالنا، وبمن استطاع استغلال نسائنا وأطفالنا جنسياً، وصولاً لمرتزقة منظمات المجتمع المدني "المحليين" في الدول الشقيقة والصديقة بل والعدوة لنا وكل ما هب ودب؛ ليذرفوا الدموع أمام المانحين والإعلام لاستدرار أموالهم ليعيشوا "يومين حلوين" من هذا المال السهل.

طبعاً، هذه الفرصة لا تفوت مناضلي منظمات المجتمع المدني السورية جميلة المظهر والشعارات والموظفين الذي تلقوا دروس "إيتيكيت" النصب والاحتيال من المانحين في "ورشات العمل" فنبتوا كفطر مسموم على جسم ثورة ومعاناة السوريين، ليتحول اللاجئون بالنسبة لهم إلى "لقيط/شيء" مرئي كمتشرد اختطف طفلاً بريئاً ليشحذ عليه، وهنا أيضاً لابد من المبالغة في إحصائنا لتزيد الأعطيات وتتوسع غابات الاستغلال لتتوج على رأسها جامعة "غابة غازي عنتاب لمنظمات المجتمع المدني السورية" التي خرجت وصدرت خبراتها عبر العالم.

أيضاً لا يفوت ممثلي المعارضة السورية من متصدري المشهد ومؤسساتها المهرجان، وهي المؤسسات/الأشخاص/الفطور التي نبتت في نفس "الغابة" وعلى نفس جسم معاناة السوريين؛ ترتوي من أموال المانحين العطوفين على اللاجئين، لكن تكبر الصفقة هنا لتتعدى اللاجئين وتصبح كل ثورة السوريين وتضحياتهم ضمن المزاد مقابل مصالهم الشخصية وطموحاتهم السياسية الرخيصة.

الأمم المتحدة أيضاً لابد أن ينالها من "الرزق" شيء كعادتها في كل كارثة عالمية .. موظفين فاسدين برواتب عالية ومهمات وعقود فساد وغيرها كثير، وهنا أيضاً ترانا من منظارها أشياءً وأرقاماً تزيد وتنقص حسب المناسبة وطلبات جمهور المانحين.

لا يتوقف الاحتفاء بنا كلاجئين "مرئيين" في دول الجوار، فالكل له نصيب في الوليمة، الدول الشقيقة البعيدة تري شعوبها "بمنظارها" مصير التمرد على العبودية، وأيضاً لابد هنا من المبالغة في الأرقام والمعاناة لكن حتما؟ ليس بهدف إرسال العون والمساعدة .. كما يمكن أن نكون "مرئيين" لينظروا إلى كل سوري لديهم كلاجئ يستحق الاستغلال والاحتقار حتى لو كان يقيم في تلك البلاد منذ عقود.

وباعتبارنا تجاوزنا اعتبارنا "غير مرئيين" نازحين أو مقيمين في المناطق المحررة ننتظر الموت، وعبرنا إلى عتبة الضوء لنصبح لاجئين، فإن رحلتنا لا تتوقف عند الأشقاء والأصدقاء ولصوص الدار والأمم المتحدة، بل تتابع المسيرة إلى الغرب الأوروبي والأمريكي، فهنا أيضاً بتنا "مرئيين" وبأعداد مبالغ فيها أيضاً.

فبعض حكومات تلك الدول الغربية (أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا) والناجحة منها حصراً ترانا ليس فقط فرضاً عليها غير مرغوب اضطرتها له ألاعيب السياسة، وليس فقط كعبءٍ تقول به، لكنها أيضاً ترانا (دون إعلان) فرصة استثمار في الإنسان على المدى المتوسط والبعيد للحصول على يد عاملة ماهرة تنقصها، أيضاً نمثل فرصة لتقليص البطالة حيث خلق وجودنا عشرات آلاف فرص العمل المباشرة ومثلها من غير المباشرة، كما نشط وجودنا اقتصادها وهي تنفق علينا فتضخ في سوقها الضرائب التي كانت راكدة في خزائن الدولة، فما نحصل عليه نصرفه في هذا الاقتصاد .. لكن طبعاً دون ضجة حتى لا نكون مرئيين" جدا و"نشوف حالنا".

أيضا حكومات غربية أخرى "فاشلة" وغالباً عنصرية بتنا "مرئيين جدا" بالنسبة لها من جهة ابتزاز أشقائها الأوروبيين الناجحين مالياً لتعويض فشلها الاقتصادي الذي يوازي بكبره حجم عنصريتها، وهو أمر لا يفوت المعارضات والأحزاب والتيارات العنصرية في كل أوروبا التي بتنا "مرئيين جدا" بالنسبة لها باعتبارنا القناع الذي تفجر من خلاله دوافعها النازية والعنصرية والطائفية ... وهنا أيضاً لابد من المبالغة في أعدادنا وأخطاء البعض منا لزوم توضيح منظار الرؤية التي ترانا من خلاله.

أما من تسببوا في لجوئنا من نظام أسدي طائفي وحلفائه نظامي ملالي إيران وبوتين يروننا أيضاً بأكثر من منظار حسب موقعنا الجغرافي "كسنة" كما صرح بوقاحة وزير خارجية بوتين في أحد المناسبات، وكما تباكى عليهم في مناسبة أخرى داعياً لعودتهم متعامياً عن أن هؤلاء اللاجئين يفضلون العيش في أي مكان خارج سوريا (ومهما بلغ من سوء) على العيش في كنف احتلاله الطائفي.

في البداية نحن "إرهابيون" بنظر النظام الأسدي وحلفائه ما دمنا داخل مناطق سوريا المحررة غير خاضعين لسلطة الاحتلال الاسدي، ونتحول إلى "لا شيء" عند دول الجوار الشقيقة التي تضطهدنا، وإلى لاجئين مضطهدين في دول جوار صديقة أخرى(تركيا) يذرف من أجلهم حلف الشيطان الأسدي وحلفاؤه دموعهم بسخاء عبر إعلامهم متصيداً حادثة هنا أو هناك  تعادل جزءاً من تريليونات ما مارسه ويمارسه النظام الأسدي بحق هؤلاء السوريين، وبنفس الطريقة يصطاد حادثة هنا أو هناك في أوروبا لكن ليذرف الدموع على الأوروبيين مذكراً إياهم بأنهم استضافوا "إرهابيين" كون أي سوري يفر من إرهابه كذلك، لكن وللمفارقة لا ينسى أن ينظم مع حليفيه الروسي والإيراني مؤتمراً لعودة نفس هؤلاء اللاجئين "المساكين هذه المرة" مدعياً أنهم فروا من "الإرهاب الذي يحاربه" استدراراً لأموال الأمريكان والأوروبيين ليعيد بناء ما دمره وسرقه من أملاك وعقارات هؤلاء المهجرين ليعيد توزيعه على عصابته الطائفية تحقيقاً لأكبر جريمة تهجير طائفي تجري في العصر الحديث، فهو يعرف المزاج الغربي رامياً بخبث طعم "إعادة اللاجئين المسلمين الإرهابيين الذين يهددون أوروبا المسيحية".

كم أنت "ثمين" أيها اللاجئ السوري "المرئي" دون أن تدري أو تستشعر ذلك، تماماً مثل "العبد/السلعة" في سوق "النخاسة/ المجتمع الدولي" كما ينظر لك كل هؤلاء، لكنك تبقى أفضل حالاً من السوري "الخفي/اللاشيء" بنظرهم عندما تكون نازحاً في مناطق وخيمات المحرر من سوريا.

مؤتمرات المانحين وآخرها ما كان قبل أيام بذلت فيه الأموال بسخاء بلغ 6,4 مليار دولار؛ هي للعلم:

بقرار أوروبي فإن المساعدات الأوروبية للاجئين في دول الجوار "الشقيقة" ستصرف لحكومات هذه الدول لدعم اقتصادها ومؤسساتها وبنيتها التحتية "وفسادها" مقابل وعد منها بتوطين هؤلاء اللاجئين وعدم متابعة رحلتهم إلى أوروبا، لا عودتهم لبيوتهم (تثبيتاً للتهجير الطائفي في سوريا)، وهو قرار سمعته شخصياً في ندوة حوارية خاصة عام 2016 من قبل مسؤول ألماني عالي المستوى، والذي أضاف يومها أنهم كأوروبيين قد فوضوا "بوتين" إنهاء "الأزمة السورية!" (وعلى طريقته وبأي وسيلة وإن لم يقلها ذلك المسؤول الألماني مباشرة) والذي تعهد (أي بوتين) بالمقابل بضمان وقف تدفق اللاجئين، كون قضية وصول اللاجئين إلى أوروبا هو الأمر الوحيد الذي يشغل ضمير الأوروبيين المرهف والانتقائي لحقوق الإنسان .. وبالمناسبة، وما تسمعوه خلاف ذلك كذب.

أيضاً جزء كبير جداً (إن لم يكن جلها) من المساعدات الأمريكية تذهب لمناطق احتلال حزب العمال الكردي الإرهابي في شمال شرق سوريا الذي تحتله هذه الميليشيات الانفصالية، وجزءٌ أقل لمنظمة الأم المتحدة "الفاسدة"، ويذهب الجزء الآخر لرشوة لمنظمات ارتزاق المجتمع المدني السورية ومشغليها من منظمات أمريكية تسترزق على الملف السوري في ورشات عمل الارتزاق التي لا تطعم لاجئاً ولا تعلم طفلاً.

يذهب أيضاً جزء كبير مما تبقى من منح لمنظمات الأمم المتحدة الفاسدة لتصرفها جزءاً مهما منها على فسادها ورشاويها وموظفيها الذين هم "علقات/فطور" في كل أزمة إنسانية، أما الجزء المخصص للاجئين فيذهب بمعظمه لمناطق احتلال النظام الأسدي لتوزع بإشرافه على عائلات ميليشياته حصراً ولا يصل منها شيء لمحتاج نازح واحد في مناطق احتلاله، أما ما تبقى من نذر يسير فيذهب بشكل استعراضي لبعض المخيمات في "دول الجوار الشقيقة" .. ليبقى وبعد كل هذا المهرجان؛ ليبقى النازحون وأهل المخيمات في المناطق المحررة داخل سوريا خارج أي صورة واعتبار كونهم "لاجئين غير مرئيين" لا وجود لهم إلا كأرقام في دفاتر "الشحاذة" الأممية التي تلتزم بإيصال المساعدات فقط عبر معابر النظام الأسدي "الرسمية الشرعية" التي تعترف بها الأمم المتحدة.

هناك في كل ما سبق استثناءات لبضع دول فقط "شقيقة وصديقة" شاركت وتبرعت ووصلت أموال تبرعاتها لمستحقيها ولهم منا كل التقدير، لكن بالنسبة للغالبية العظمى وكما كل المؤتمرات السياسية التي تُعقد باسم القضية السورية، إنما هي مؤتمرات مزاد اسواق نخاسة "بيع العبد/ اللاجئ السوري" الذي لا يناله منها إلا سماع ثمنه في سوق النخاسة الدولي بين تجار الرقيق والمشترين، فلا بارك الله بكل دولار بذل خلال أي من هذه المؤتمرات (منذ أولها) ولم يذهب مباشرة للاجئين والنازحين المستحقين دون وسطاء، وهو تقريباً معظم ما بذل كمال سياسي لم يصل ولم يهدف لحظة لما جمع باسمه زوراً .. ولا بارك الله في من تبرع/رشى (من رشوة)، ولا في من قبض/ارتشى، ولا بالتبرع/الرشوة،  فهو مال قذر بكل المعاني السياسية والإنسانية والأخلاقية في مزاد سوق النخاسة الدولي للمتاجرة بالسوريين وثورتهم النبيلة.

فواز تللو / سياسي سوري

مدير مركز آفاق مشرقية للدراسات

برلين/ ألمانيا – 06/04/2021

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات