وبدأ الأسد يعد العدة لاستقطاب كل رجال الدين من الصف الأول في كل الأديان والطوائف والإثنيات. الاستقطاب بالترغيب والتهديد والوعيد. بظرف عدة سنوات بعد تلك الجولة صار كل رجالات الدين في الصف الأول أسديين. مسلمين ومسيحيين وفي كل الطوائف. الوحيد الذي بقي على مسافة من الأسدية هو سلطان الأطرش قائد الثورة السورية 1925. الذي رفض رمي عباءته على أكتاف الأسد بالمعنى المجازي للكلمة. سلطان الأطرش بخبرته التاريخية وحسه العملي، كان يدرك طبيعة هذا القادم الذي وضع كل رفاقه في السجن. هذه المسافة جعلت سلطان الأطرش عدوا للأسد لكنه كان يتجاهله. رقابة عن بعد كما يقال.
ودخلت دمشق في مرحلة جديدة لا عهد لها بها رغم تغيير الحكومات فيها فيما سبق. سأتناول في هذا القسم قصة الإيجارات العقارية. الدمشقي لم يكن يسأل عن هوية المستأجر الدينية أو الطائفية، في حال أراد تأجير بيته أو غرفة في بيته. كذلك بالنسبة للدمشقيين السابقين من أصول ريفية. كانوا يُؤجرون بدون عقود مكتوبة. الظاهرة الملفتة أنه تدفق على دمشق خلال السنوات الأولى من السبعينيات هجرة ريفية ملايينية. لكن الكتلة الأكبر كانت من أهلنا في الساحل. ما ميز هذه الهجرة أو الانتقال من الريف للمدينة، أن السوريين من أصول علوية ذهبوا إلى مؤسسات الجيش الأسدي ومخابراته.
كان هذا المسكين يأتي من قريته فقيرا، يستأجر غرفة في أطراف دمشق، أو في أحيائها الشعبية. لم يكن سكان دمشق مهتمين بطائفة المستأجر أو دينه. كما حدث مثلا بعد الثورة في بعض شوارع جرمانا الذي يغلب عليها الطابع المسيحي، ممنوع تأجير النازح إليها. هذه لم تحصل لا في اللاذقية بعد الثورة، حيث استقبلت اللاذقية وطرطوس مئات الوف النازحين. لم تحدث في السويداء التي استقبلت أهل حوران وغيرهم من النازحين. هذا الأمر يحتاج لبحث لوحده. بدا سكان دمشق تأجير بيوتهم أو غرف في بيوتهم كما أسلفت لعناصر السرايا والوحدات والمخابرات ولضباط الجيش المتخرجين حديثا.
ولم تمض سنوات قليلة، حتى بات المستأجر بقوة سلطته هو صاحب العقار!! الضابط الذي ترقى وبدأ في مرحلة السرقة، بات يؤجر غرفته نفسه لقادم جديد من الريف، دون موافقة صاحب البيت. وبقوة السلطة لا يستطيع صاحب البيت الاعتراض. هذه الظاهرة بدأت تفعل فعلها في سكان دمشق من غير العلويين. حيث بدأت البدلات العسكرية المموهة والقاف المشددة تعبيرا عن احتلال.
هؤلاء تركوا ريفهم الفقير من أجل فرصة عمل، لا ذنب لهم في ذلك بالتأكيد، لكنهم اندرجوا بحكم أن الأسد هو رب العمل في سياق تكريس طائفي لسلطته. أيضا من أتى من الجزيرة ومن إدلب ومن حوران. والتحقوا في وظائف الدولة الأخرى، أيضا كانوا ينظرون في غالبيتهم إلى أن الأسد هو رب عملهم.
دمشق لم تدفع ثمن مجيء هؤلاء الريفيين، بل دفعت نتيجة اندراجهم في السياق السياسي للسلطة الأسدية. لم يعد أهل دمشق ممن أجّروا عقاراتهم هم أصحابها. بل القادم الذي اندرج أسدياً، بات رمزا للسلطة. حتى أنه يورث أقرباءه هذه العقارات المستأجرة. أو حتى يؤجرها لقادم جديد. دون موافقة صاحبها الأصلي.
زادت هذه المشكلة عبئا على أهل دمشق وبدأت الشكاوى من هذه الظاهرة تزداد، بعد عشرين عاما أو أكثر أصدر الأسد الأب مرسوما ليحل هذه المشكل فحواه التالي: يثمن العقار ويأخذ المستأجر 40% من ثمنه والمالك الأصلي 60%. أخذ المستأجر أكثر مما دفعه خلال سكنه في هذا العقار" صورة سوداء لتفكير أسدي. بعدها اضطر قسم من أهالي دمشق أن يبيع منزله في دمشق ويشتري في دوما أو في حرستا أو السبينة. أولاً لارتفاع العقارات الجنوني، وثانيا لم يعد قادرا على إيجاد بيت لابنه إلا في هذه الضواحي. إضافة لذلك يهرب من الحضور الأسدي بشكله الطائفي إلى أماكن أقل حضورا فيها.
بدأت دمشق تشعر أنها محتلة. وللحديث بقية...
التعليقات (3)