رواية (شظايا امرأة شرقية) لباسلة الصبيحي: نساء أعطب أرواحهن الرجال.. وهيمنة الذكور علة بلا دواء!

رواية (شظايا امرأة شرقية) لباسلة الصبيحي: نساء أعطب أرواحهن الرجال.. وهيمنة الذكور علة بلا دواء!
في أحدث أعمالها الأدبية، رواية "شظايا امرأة شرقية"، تقدم لنا الكاتبة السورية- الفلسطينية باسلة الصبيحي رواية مربكة طارحة تساؤلات عديدة عن الحب والخيانة والصدق والوهم.. وعن الذات المتجسدة بالمرأة والرجل!

تدور حول حكاية حب وردية حالمة، قصة حب "أحلام" لزميل الدراسة "عادل"، بدأت قصة الحب منذ الصغر، تزوجا ولم ينجبا أطفالا، عادل أعجبته "فاديا" عمة أحلام، ونشأت بينهما علاقة عاطفية، تلاحظ "أحلام" ما طرأ على سلوك زوجها "عادل" تعرف أن الزواج مقبرة الحب، ولكن لم تكن تتصور أنه بهذه المهانة والذل، الحسناء "أحلام" تقودها روحها الرقيقة لمركز للأمراض النفسية حينها تعتزل مهنة الجراحة وتتخصص بالطب النفسي، هنا تظهر حكايات عديدة لنساء أعطب روحهن الرجال، "آلاء" و"صفاء" وأخريات تتشابك مصائرهن داخل النص الروائي.

استعادة سلطة تمثيل الجسد الأنثوي

من المعلوم أن الهوية تمثل بؤرة مركزية في السرد النسوي، سواء على مستوى التجربة التي تحيل عليها الحكاية، وتتعلق بوضعية المرأة في المجتمع، والتي تميزت بالعنف التاريخي والتهميش الاجتماعي وسوء التمثيل،  أو على مستوى التخييل السردي الذي يتمثل بالبحث عن هوية بديلة، متحررة من سلطة التمثيل الذكوري المهيمنة.

 في هذه التجربة المتشابكة بين المرجعية والشكل السردي، وبين التاريخ والبنية، تقودنا إلى تأمل أبرز ما يميز السرد النسوي، حيث يمثل هذا السرد خطاب الذات إلى العالم؛ ويتم بناء صور وتمثيلات للذات "المرأة" من منظور كشف عملية الجنوسة gender وتعريتها بصفتها بنية رمزية طاغية تمنح من خلالها الهويات للرجال والنساء معاً، وتنظم ضمنها المعايير الاجتماعية من أجل المحافظة على سيطرة الذكور، والتي تجعل المضطهد في ظل غياب الوعي، يقبل اضطهاد جلاده له.

في سياق هذا الجدل السردي الناتج عن التوتر بين النسق والذات، بين ثقافة سلطوية تحتقر المرأة وذات تسعى إلى الخروج من النسق القمعي لهذه الثقافة، تتشكل ملامح البطلة أحلام في النص، من خلال رغبة محمومة تتجاذبها مشاعر متناقضة: الحب/ الكراهية، الانفصال/ الاتصال. فالبطلة أحلام التي قادتها نظرة حب رومانسية للزواج من عادل ستتحول حياتها الزوجية إلى جحيم يومي، وعلى الرغم من قسوة المعاناة اليومية، فإن البطلة حين أتيحت لنا الفرصة لكي تنفصل عن عادل، بعد أن أدركت خيانته مع عمتها فاديا، اختارت البقاء في المنزل، لتعيش وضعاً مزدوجاً تتجاذبه مشاعر متناقضة، ومواقف متنافرة، بين الواقع والرغبة، بين اليقظة والمنام، بين الوهم والحقيقة.

 

موضوع ملتبس.. وتباعد عاطفي! 

بسبب الجدل غير المحسوم الذي يفرضه منطق هذه التجاذبات الديناميكية على بنية السرد، تتعين الهوية صوراً مفتوحةً على صور الاختلاف وليس تحققاً نهائياً. إنها صيرورة بحث ملتبس، نتيجة التباس الموضوع، أي موضوع القيمة الذي تسعى الذات "دنيا" إلى تحقيقه. الانفصال أو الاتصال؟ هجران الزوج الخائن أو البقاء معه؟ وعلى الرغم من أن البطلة تقرر البقاء في البيت مع زوج خائن شبه ميت في قلبها، فإن هذه الحالة حالة انفصال وليس اتصال.

وعلى الرغم من عيشهما في مكان واحد (بيت الزوجية)، فإنه لم يعد بينهما أي اتصال عاطفي؛ التجاور المكاني يقابله التباعد العاطفي. وتجسد حالة التجاذب هذه وضعية بينية تشغل الذات فيه موقعاً مزدوجاً، هو موقع الما بين الذي يتبين في النص بصورة تمفصلات تخيلية ودلالية: عالم الواقع/ عالم الحكاية، زمن الوعي/ زمن اللاوعي، قانون السلطة/ قانون الرغبة.

إن وضع الازدواج الذي يجسد حالة التباس مضاعفة، الانفصال العاطفي في وضع الاتصال المكاني، ويجعل الذات تعيش متشظية في وضع زمني مزدوج بين زمن داخلي نفسي يحكمه الرغبة وزمن خارجي اجتماعي يحكمه القوة، يجد مجازه الحكائي في الحرب التي يشنها النظام ضد كل ما هو جميل وحولته لمسخ قبيح، مجرد من كل القيم الروحية والإنسانية.

ما يميز التمثيل السردي لحالة الحرب في الرواية أنه لا يقتصر على وصف كرنولوجية الحرب، بل يتجاوز هذا المستوى الخطي إلى تشخيص الزمن الحربي في زمن الإنسان، بما هو ذات وكينونة وقيم أخلاقية وإنسانية. إنه يركز على تشخيص الأثر "الفجعائي" لزمنية الحرب وليس على حدثها" الوقعائي"، بما يجعل الصيرورة السردية حاملة أثر الزمن في داخلها بوصفه مكوناً من مكونات هويتها الخاصة جداً. فالزمن يتعدى، هنا، وظيفة التعيين التي تحدد ميقات حدوث ظاهرة ما إلى ما يجعل هذه الأخيرة متضمنة الزمن في صلبها.

تتشكل الحكاية النسوية بوصفها عالماً بديلاً. إنها ملاذ الذات، فيه تعانق هشاشتها وتستعيد حريتها في البوح. هكذا، تتأسس العلاقة بين عالم الواقع وعالم الحكاية ضمن ثنائية القوة والرغبة. في هذه المعادلة غير المتكافئة، يمثل البوح السردي للذات نسقاً رمزياً دالاً لاستعادة الذات وبناء حكايتها، خارج سياسات الهيمنة الذكورية.

بين أيديولوجيا الذكورة التي تسعى للهيمنة وامتلاك المرأة ذاتاً وجسداً ويوطوبيا التخييل التي تسجد رغبة الذات في التحرر واستعدادة ذاتيتها المسلوبة، يتشكل منطق السرد الذي يخضع لصيغة دينامية من التفاعل المتشابك بين التخييل السردي والجنوسة، حيث يتركز التبئير في تمثيل حكاية البطلة أحلام على تقاطعات التخييل و"الجنوسة"و"الطبقة" و"الجسد"و"أيديولوجيا الذكورة.

في منطق الوعي السردي الموجه للبرنامج النسوي بالمفهوم السيميائي، تتشكل هوية البطلة، بوصفها ذاتاً متجذرة في إطار الجنوسة، تعي أن الأدوار الاجتماعية المحددة للمرأة والرجل في المجتمع، ضمن تراتبية مجتمعية تمنح الرجل امتياز الهيمنة، هي أدوار مبنية ومشيدة اجتماعياً وثقافياً، وليست معطاة بصفة طبيعية. بمعنى أنها نتيجة الجنوسة وليست الجنسانية، نتيجة الثقافة وليست نتيجة الطبيعة.

إن هذا التجاذب المنتج بين التخييل السردي والجنوسة في رواية (شظايا امرأة شرقية) هو ما يوجه البنية السردية للنص، سواء على صعيد المنظور السردي للبطلة أحلام، أو على صعيد بناء الصور والتمثيلات الخاصة بكل من جسد الأنوثة وجسد الذكورة، بحيث يتمظهر الجسد موقعاً لصراع المعاني والصور، من قبيل الذكورة والأنوثة، الذاكرة والنسيان، الرغبة والسلطة، المقاومة والقوة.

السرد: ازدواج الأصوات وتشعب الهوية

على خلاف النسق التقليدي الذي تسرد فيه الحكاية وفق مسار خطي، يهيمن عليه صوت السارد العليم بكل شيء، وينشر سلطته السردية والمعرفية إلى عالم الحكاية من وراء الستائر، يقوم التمثيل السردي في الرواية على نسق "الازدواج المتشعب"؛ إذ يتناوب على سرد الحكاية ساردان، البطلة أحلام والبطل عادل، والملاحظ أن السرد لا يقف عند هذا المستوى الأول من الانشطار الحكائي، بل يجعل هذا الازدواج السردي موضع انشطار ثاني أكثر تشعباً، حيث يقوم سارد من الساردين(أحلام وعادل)بتضمين حكايا جديدة، تروى بلسان شخصياتها، تنبثق عن الحكاية الأصلية، وتخلق، في الآن نفسه، مسارات سردية ودلالات جديدة، ما يفسح المجال لتوليد أصوات ومنظورات جديدة في التمثيل والرؤية.

  إذا ما حاولنا إعادة تنظيم تشعبات هذه البنية السردية المفتوحة، يمكن توزيعها على المسارات السردية التالية: قصة أحلام وزوجها عادل، وقصة طارق وحبيبته، وقصة النساء في المركز الصحي للأمراض النفسية الذي يحفل بعدد كبير نسبياً من القصص عن نساء مهمشات، ومسار الكتابة الذي يعرض لقضايا ابستيمولوجية تتعلق بطبيعة الحكاية وطريقة كتابتها في الرواية.

يغطي مسار الكتابة مجموع الخطاب الذي يتحدث عن سؤال الكتابة والحكاية، ويشمل علاقة أحلام وعادل بالكتابة التي تتمظهر في نزاع من يحكي. يؤسس محكي الكتابة خطاباً متميزاً عن المسارات الأخرى، هو الخطاب الميتا تخييلي Merafiction. ومعنى ذلك، أن الرواية لا تهتم  فقط بسرد أحداث الحكاية، بل تنشغل أيضاً في مستوى واصف يطرح مسألة ابستيمولوجية تتعلق بسؤال: من يحكي الحكاية؟ وحدود العلاقة بين الحقيقة والوهم فيما تحكيه الشخصيات، وتنازع علاقة الشخصيات بالمؤلفة، من منظور يعمق الفصل بين المؤلفة ذاتاً واقعية والشخصيات بوصفها ذوات متخيلة، ويخلخل مركز السرد،  لأنه يجعله موضوع نزاع بين المؤلفة والشخصيات.

تتعدد وظائف الخطاب "ما وراء التخيّلي" من نص إلى آخر، وتختلف من نمط روائي إلى آخر، وفي رواية (شظايا امرأة شرقية) ينهض الخطاب بتعزيز الخاصية التخيلية للحكاية؛ لأنه يجعل التمثيل السردي للحكاية موضوع تجاذب دينامي بين الحقيقة والوهم، بين الواقع والحلم. فالشخصيات المتخيلة في النص هي مرجع الأحداث والحكايات، وليس الواقع، والكاتبة ليست سوى ناقلة لهذه الحكاية من النسق الشفاهي إلى النسق الكتابي، أي أن دورها يقتصر على وظيفة التدوين. هذا التنازع على أصل الحكاية هو ما يخلخل مركز السرد  ما بين الكاتبة وشخصياتها الروائية المتمردة على سلطتها. والنتيجة أن مسألة "الحقيقة" و"الصحة" بالنسبة إلى هذه الحكاية تبقى موضع شك وارتياب.

خطاب الهيمنة التقليدي!

تسعى الكاتبة، من خلال هذا النسق السردي الذي يعتمد منطق الارتياب، إلى إرساء مسافة جمالية بينها بصفتها ذاتاً مرجعية وبين حماية شخصياتها المتخيلة؛ بما يرسخ استقلالية هذه الشخصيات ويضمن لها حرية التعبير والكلام عن تجربتها الأصيلة، خارج "سلطة المؤلف". ويتم تفعيل هذا الشكل الاستاطيقي على مستوى البنية السردية، باعتماد ضمير المتكلم في السرد، بحيث تروي الشخصية حكايتها بصوتها، من دون مراقب نصي مهيمن على كل شيء في عالم الحكاية، كما هو الشأن في السرد بضمير الغائب. وهذا ما يجعل الشخصيات في رواية (شظايا امرأة شرقية) تحرر من السارد السلطوي، العليم بكل شيء الذي يراقب الشخصيات في أسرارها الأشد خصوصية وحميمية، ويهمين على عوالمها الداخلية والخارجية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

رواية (شظايا امرأة شرقية) للكاتبة باسلة الصبيحي، التشبيه الذي اعتمد كعنوان يصف حال كل الشخصيات النسوية في العمل، ويصف النساء الراكضات نحو الحب، الباحثات عن الشعور بالراحة والأمان، ضمن سياق خطاب تقليدي اتهامي مكرّس، يسم كل الرجال بالهيمنة الذكورية... ولهذا فإنه ما إن تحصل النساء على تلك المشاعر، سرعان ما يهربن منها لأنهن لا يثقن بالآخر/ الخائن.. ونظن أن هذه المشاعر مجرد هدوء يسبق العاصفة التي ستطيح بهن وتطردهن إلى عمق مشاعر الخوف والقلق وعدم الشعور بالأمان.

التعليقات (2)

    نوره

    ·منذ 3 سنوات 8 أشهر
    الموضوع مطروح من وجهة نظر شخصيه مع احترامي الكاتبه ليس كل انسان يمر بمأساة في حياته بسبب بعده وبعد عائلته عن تعاليم الدين الاسلامى الحنيف. يظن ان هذه الظاهره منتشره في المجتمع الإسلامي. هي منتشره فقط داخل الاسر البعيده عن الدين وتعالميه.

    Nuria Delgado

    ·منذ 3 سنوات 8 أشهر
    نص فاشل نابع من تجربه شخصيه سيئه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات