بعد أربع سنوات من عودتها لـ(حضن الوطن)حلب الشرقية تعيش العقاب الجماعي والانتقام الطائفي

بعد أربع سنوات من عودتها لـ(حضن الوطن)حلب الشرقية تعيش العقاب الجماعي والانتقام الطائفي
نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" تقريراً تحدثت فيه عن الأوضاع المعيشية والخراب في الأحياء الشرقية بحلب والتي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة قبل سيطرة ميليشيا أسد عليها بدعم الاحتلال الروسي في 2016، وهذا نص المقال:

يقول سكان المدينة إنهم يواجهون تمييزًا من قبل نظام الأسد وذلك على خلفية ارتباطهم بجماعات المعارضة المسلحة سابقًا. 

لا تزال محافظة حلب منطقة أنقاض مهجورة تقبع في الخراب وتفتقر إلى أدنى خدمات الدولة، وذلك بعد مضي أكثر من أربعة أعوام على استعادة النظام السوري سيطرته على الأحياء الشرقية من المدينة، والتي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة.

يقول من تبقى من سكان تلك الأحياء إن إهمال المدينة هو سياسة عقاب جماعي تمارسها الدولة على المنطقة التي كانت يومًا ما أحد أهم معاقل المعارضة. 

أحكمت المعارضة قبضتها على النصف الشرقي من العاصمة الاقتصادية لسوريا وأعظم مراكز التبادل التجاري فيها عام 2012،  بعد عام على اندلاع شرارة الثورة ضد نظام الأسد، وعقب استهداف قوات النظام والقوات الروسية للأحياء الشرقية بالقصف الوحشي لشهور عديدة، وفرض حصار طويل على المنطقة، خرج مقاتلو المعارضة منها أخيرًا في ديسمبر/كانون الأول 2016. 

وبالإضافة إلى مقاتلي المعارضة وعائلاتهم، تم إجلاء آلاف المدنيين على خلفية اتفاقية أتاحت لهم الخروج إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا عبر "الممرات الآمنة". 

يقول أبو علي (36 عامًا)، وهو  أحد قاطني حي المشهد ومعيل لأسرته يعمل في مقهى صغير، " يمكنك بالكاد رؤية أحد في هذا الجزء من المدينة، لماذا يرغبون في العودة على أية حال؟"

"يعود التيار الكهربائي للعمل مدة أقصاها ساعة واحدة في اليوم، كما أن غلاء الطعام فاحش، ونادرًا ما يغطي دخلنا احتياجاتنا".    

"لو لم يكن أخي يرسل المال من خارج سوريا لنا، لبتُّ مشردًا وعائلتي".

في الحقيقة، ألحقت الأشهر الأخيرة من الحملة العسكرية الدموية التي شنها النظام أضرارًا بالغة بكل من البنية التحتية للنصف الشرقي من المدينة وسكانه. 

إذ شكلت المخابز، والمستشفيات، والمدارس هدفًا للقصف المنهجي للنظام، ما دفع آلاف السكان للنزوح من منازلهم الواقعة في أماكن تحولت لخطوط مواجهة أمامية للمعركة.  

كما يقول أحمد (41 عاما)، وهو كهربائي فضل ذكر اسمه الأول فحسب، إنه وبينما تعرض، كذلك، نصف حلب الغربي، الواقع تحت سيطرة قوات النظام، لأضرار بالغة على خلفية القتال، إلا أن هنالك فرقًا واضحًا في جودة الخدمات المقدمة هناك. 

أضاف أحمد، الذي انتقل إلى منطقة الحمدانية شرق حلب، عام 2012، عقب تدمير منزله في منطقة الشعار، أنه في حال توفرت مياه الصنابير في الأحياء الغربية مرة في الأسبوع، فإنها في المقابل تتوفر مرة في الشهر في الأحياء الشرقية، ما يدفع الناس للاعتماد على الآبار  في تلك المناطق. "ويوجد تباين هائل في الخدمات المتوفرة، وعملية إعادة الإعمار في المنطقتين. إذ تقتصر إعادة الإعمار في الأحياء الشرقية على المواقع التاريخية كالمساجد والأسواق القديمة؛ بينما أُهملت عملية استعادة الخدمات كليًا". 

وتابع أحمد، "بعد سقوط شرق حلب، لم توفر الحكومة سوى شاحنات تنظيف لمناطق معينة، وكان ذلك مجرد جعجعة إعلامية لاستعراض بدء عملية إعادة الإعمار، وكيف أن حلب ستغدو أفضل بعد فرض النظام سيطرته عليها. إلا أن شيئًا لم يثبت تلك الادعاءات الواهية، حتى اللحظة".  

إضافة إلى ذلك كله، باتت الطوابير التي تمتد مئات الأمتار لساعات طويلة في سبيل الحصول على أساسيات الحياة كالبنزين وأسطوانات الغاز المنزلي، وربطة الخبز المدعومة، أمرًا واقعًا لا مفر منه في كل من أحياء حلب الشرقية والغربية، كما هو الحال في شتى أنحاء سوريا.

"غدا الاصطفاف في أمتار طويلة من الطوابير أملًا في الحصول على الخبز، وأسطوانات الغاز وأساسيات الحياة الأخرى عملًا بدوام كامل لكل من يسكن هذه المدينة، أو لفرد واحد من كل عائلة على أقل تقدير"، أضاف أحمد. 

كما واصلت قوات الأسد، بدعم من الجيش الروسي والميليشيات الإيرانية وحزب الله، سيطرتها على معظم معاقل المعارضة باستثناء شمال غرب محافظة إدلب.

ومع ذلك كله، تعاني الحكومة في سبيل تعافي الاقتصاد الذي مزقته الحرب، وخصوصًا في ضوء مواجهة العزلة الدولية وتدهور قيمة الليرة السورية. إضافة إلى إحجام المانحين المحتلمين عن تقديم الدعم والتمويل اللازمين لإعادة الإعمار في ضوء غياب حل سياسي جذري حقيقي للصراع. 

 فضل "علي" ذكر اسم الأول فقط كالكثيرين من السكان الذين تحدثوا إلى The National، إذ طلب عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي الكامل خوفًا من ملاحقة النظام. يبلغ علي من العمر 39 عامًا، يعمل نجارًا، عاد إلى المدينة في يناير/كانون الثاني 2017 ليجد منزله في حي صلاح الدين، الذي كان ذات يوم أحد خطوط المواجهة الأمامية، أنقاضًا مدمرة، ويقول إن إعادة بناء منزله سيكلفه الملايين من الليرات.  "حتى وإن أعدت إصلاح منزلي وانتقلت إليه مجددًا، لا حياة في هذا المكان. لم تعد الحكومة أية برامج لإعادة بناء المدارس أو استعادة الخدمات. ولا أقصد منطقتي وحسب، بل كل المناطق المتضررة عدا 5% لازالت على حالها". ويتابع علي: "الأمر أشبه بالأحداث التي جرت في حماة على خلفية انتفاضة الثمانينيات (ضد حافظ الأسد)؛ حيث أهمل المدينة عن قصد، وقدم أسوأ سيناريو لتزويدها بالخدمات والمشاريع التنموية". 

"يبدو أن الأحياء الشرقية ستواجه المصير ذاته. وسندفع ثمن وقوع مناطقنا تحت سيطرة المعارضة"، أضاف علي. 

وعلى الرغم من قرارات العفو المتكررة التي صدرت بحق المتخلفين عن الخدمة العسكرية أو المتملصين منها أو أولئك الذين شاركوا في أعمال معادية للحكومة،  إلا أن الخوف لا يزال عاملًا مساهمًا في عزوف العديد من سكان الأحياء الشرقية عن العودة إليها.

يقول خالد حاج عبود (37 عامًا) الذي يقطن حاليًا في إدلب، إنه وبالرغم من عدم مشاركته في أية نشاطات مناهضة للحكومة لا يزال يخشى العودة إلى بلدته الأم. حيث أخبر The National: "إن فرصة اعتقالي من قبل المخابرات السورية لأنني عشت في منطقة وقعت تحت سيطرة المعارضة، قائمة بشدة. إن الداخل إلى سجونهم مفقود بل وميت". وتابع علي قوله: "لذلك أفضل العيش بحرية كنازح، على العودة إلى منزلي في حلب والتعايش مع رهاب الاعتقال". 

"إن الغالبية العظمى منا، سواء في مناطق سيطرة النظام أو في شمال سوريا، تحلم بالرحيل إلى مكان آخر في سبيل الحصول على حياة أفضل، لأنه وللأسف لم يعد هناك من مستقبل لهذا البلد".

التعليقات (1)

    فواز تللو

    ·منذ 3 سنوات 3 أسابيع
    من كاتب المقال؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات