عرسال واللاجئون السوريين: حين ضاق الجار المستضَعف بجيرانه المستهدفين!

عرسال واللاجئون السوريين: حين ضاق الجار المستضَعف بجيرانه المستهدفين!
كان عام 2014 مفصليا في عملية التهجير والتغيير الديموغرافي في سوريا، إذ شهدت منطقة القلمون عملية إبادة وتهجير جماعية على يد ميليشيات إيران وعلى رأسها حزب الله اللبناني، فنزح أبناء القلمون وضيوفهم من نازحي حمص بموجات كبيرة تجاه الحدود اللبنانية وخاصة بلدة عرسال المجاورة، ورغم أن استقبال الموجة الأولى من النازحين اتسم بكثير من المودة والتعاطف الإنساني من أهالي عرسال وبلديتها في الأشهر الأولى للنزوح بسبب كون حزب الله عدوا مشتركا للنازحين وضيوفهم المضطهدين في دولة يقبع السني فيها في أسفل قائمة المواطنة... إلا أنه سرعان "ما ضاق بابن الجار جيران" على حد تعبير سعيد عقل،  وبدأ في (عرسال) مسلسل آخر من عمليات استهداف اللاجئين وتشتيتهم واضطهادهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، صمن خطط منظمة ومدروسة تشرف عليها الحكومة اللبنانية بأوامر من جنرالات إيران في المنطقة.

الحصار والتجويع منذ الأسابيع الأولى!

 استقبلت بلدة عرسال أكثر من 80  ألف نازح من الأراضي السورية، وهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى رعاية مختلفة وضخمة في محاولة لإغاثة النازحين وتأمين ظروف حياة بسيطة، إلا أن عمل المنظمات الإغاثية والمحلية والدولية كان يصطدم بإرادة غير أخلاقية تفرض تهجير النازحين من عرسال إلى الداخل اللبناني أو إلى خارج لبنان، وذلك بتشديد الإجراءات على عمل المنظمات في عرسال أو استهداف طواقم المنظمات أمنيا، مما سهّل عملية تنصل المنظمات الدولية والمحلية من واجباتها تجاه النازحين، وشهدنا بذلك حصارا غير مسبوق على اللاجئين وجفاف موارد الحياة الأساسية من صحة وتعليم وتدفئة وأغذية ضرورية، مع شن حملات أمنية على مخيمات اللاجئين واعتقال العشرات منهم تحت ذرائع واهية، للضغط عليهم للفرار من المنطقة تحت أي ثمن، في حين قدرت أعداد اللاجئين في عرسال عام 2020  بحوالي (15 ألف لاجئ) حسب تصريحات (ميشال رندهاوا) المنسقة الأولى لحقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة (هيومن رايتس ووتش)، وفارق أرقام اللاجئين هذا يشير إلى استخدام أساليب لا إنسانية وإرهابية، يتعرض من خلالها اللاجئون إلى أبشع الانتهاكات العدوانية، في ظل غياب تام للمنظمات الفاعلة عن المجريات، وتحويل مجرى الإغاثات الإنسانية المقدمة من الدول المانحة إلى مناطق غير عرسال، واستهداف جميع تحركات الناشطين الحقوقيين المعنيين بتسليط الضوء على مأساة اللاجئين في بلدة عرسال، فبعد عام 2015  فرضت إجراءات حكومية لبنانية صارمة على عمل المنظمات داخل عرسال بالتزامن مع شح موارد الدعم المقدم من الأمم المتحدة لللاجئين بعد عام من تهجيرهم من منطقة القلمون، بل إن قرارات الدولة اللبنانية  المرتهنة وصلت إلى منع اللاجئين والمنظمات من بناء غرف إسمنتية بسيطة لحماية العائلات من ويلات موجات البرد والحر والموت في الثلوج وذلك عبر قرار أصدره مجلس الدفاع الأعلى عام 2019 ويقضي بتفكيك البنى الإسمنتية ليلقى اللاجئون حتفهم في عواصف الشتاء وحر الصيف، كما شكلت إجراءات الحد من تفشي (وباء كورونا) شكلا من أشكال التضييق التام والقهري على حركة اللاجئين في مخيمات البلدة، وانتهاكا آخر يضاف إلى الانتهاكات الواقعة على كاهل السوريين، فلا أحد قادر على إيقاف هذه الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين.

المصالحات وسيلة مبيتة مسبقا

 تنشط مكاتب وأفراد محليون بين صفوف اللاجئين في محاولة لإرغامهم على العودة إلى بلداتهم المحتلة من جميع أشكال الميليشيات الإرهابية الطائفية، وذلك بالتنسيق التام بين الأمن العام اللبناني وميليشيا حزب الله والنظام السوري، فلكل بلدة مكتب يقوم بتسجيل أسماء المرغمين على العودة وتسليمها إلى مخابرات نظام أسد عبر الأمن العام اللبناني، بانتظار موافقة أجهزة النظام على الأسماء، مع تقديم ضمانات شفهية للنازحين بعدم تعرضهم للاعتقال والترهيب عند عودتهم إلى قراهم، وهذا مخالف لمسؤوليات الدولة اللبنانية في حماية النازحين، وتمرد على قرارات المنظمات الدولية الفاعلة التي أكدت غياب سياقات العودة الآمنة للنازحين، بينما لا يحرك مكتب الأمم المتحدة في بيروت ساكنا إزاء هذه الانتهاكات ويرجعها إلى رغبة النازحين، وهذا التواطؤ على حقوق النازحين بدأ عند قدومهم إلى لبنان ليشهدوا حصارا وتجويعا آخر ومصالحات قسرية من دون ضمانات دولية.

حفلة تعذيب في حضن المخابرات

 في تواصلنا مع أسرة أحد العائدين: أكدت أسرته اعتقال ابنهم (م. س) بعد ستة أشهر من عودته، وأنه نقل إلى فرع الأمن العسكري بدمشق ليخرج بعد عدة أشهر من السجن، بعد أن دفعت أسرته أكثر من 7 آلاف دولار لصالح أفراد محسوبين على ميليشيات محلية مقابل الإفراج عنه، وأكدوا تعرضه إلى التعذيب والضرب المبرح والتهديد بالقتل، لينقل إلى مستشفى لمعالجة الكسور الظهرية والصدرية الناجمة عن شدة التعذيب في غرف السجون الممتلئة بالشباب السوريين، وأنه ما زال معرضا للاعتقال في أي وقت مع منعه من السفر خارج سوريا أو التنقل بين المحافظات.

جرائم مستمرة

لن ينتهي مسلسل الإرهاب والجريمة بحق السوريين في الداخل والخارج والذي ترعاه ميليشيا أسد والميليشيات الإيرانية الطائفية وتواطؤ الحكومات المأجورة والمنظمات الدولية، لنكون أمام مشهد آخر من مشاهد الهولوكوست السوري الذي ما زالت فصوله وجرائمه المرعبة تتوالى منذ عقد كامل من الزمن بلا توقف. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات