مؤشرات انحسار الدور الإيراني في سوريا وتداعياته

مؤشرات انحسار الدور الإيراني في سوريا وتداعياته
قمة ثلاثية في الدوحة على غرار قمم أستانا تجمع بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر..  ما الذي تغير؟! وما هي القواسم المشتركة؟!! وهل الدوحة تكملة لمسار أستانا وسوتشي؟! أم التغيير هذه المرة جذرياً.

تغييب إيران وتعوض روسيا غيابها  بإشراك قطر ليس هو المتغير الأهم في العملية.. فقطر حجمها وإن كان يعوض الحد الأدنى من الغياب العربي ودوله ذوات الثقل المركزي ـ لكن  يبقى  الدور العربي  شبه مغيب. 

وكان الروس والترك قد همشوا إيران في قمم أستانا وأبقوا القمم حكراً عليهم.. ولم تكن إيران حينها بمشاركتها بمستوى الدولتين القطبين، ولم يكن  سياسيوها  حينها بتلك الكاريزما التي  يتمتع بها أردوغان ونظيره بوتين.. وقد تزامن تهميش إيران في العملية السياسية  مع التنافر الروسي الإيراني  في الأجواء السورية. 

المتغير الأهم يظهر للوهلة الأولى هو وجود روسيا في قمة ثلاثية بين حليفين  يسمون بعضهم بمصطلح (الدولة الشقيقة) ..  تركيا وقطر دولتان متكاملتان  اقتصادياً ، وتجمعهما اتفاقيات دفاع مشتركة ويتعاونان لإرساء نهضة  شاملة . وإذا ما ذكرنا وضعية تركيا في قمم أستانا بين روسيا وإيران قبل سنوات ، فقد كانا أشبه بحليفين سيما فيما يتعلق بالملف السوري. اليوم وكأن الوضع  قد تغير، وتبادلت تركيا وروسيا الوضع الأمثل وبات لصالح تركيا بوجود حليفتها قطر وفي غياب إيران حليفة روسيا. 

المتغير الثاني الذي يستدعي الانتباه والوقوف عنده هو دخول روسيا ( سياسياً ) إلى منطقة الخليج في ظل تراجع للحضور الأمريكي  بشكل خاص وللهيمنة الأمريكية بشكل عام. 

هل أراد الأتراك بهذا إيصال رسالة إلى الأمريكيين؟! كان الروس قد أرسلوا رسالة مماثلة للأمريكان في أيلول الماضي  بتبنيهم دور الوساطة  في ختام معركة كاراباخ وما تبعها من لمسات قانونية  للهدنة  النهائية  قاطعين الطريق أمام الوساطة الغربية  سيما مجموعة مينسك التي كان يهيمن عليها الأمريكان والفرنسيون. 

 لماذا يوافق الروس على الوجود في قمة هم الطرف الغريب فيها في مقابل دولتين متحالفتين؟!  هل التنافر مع الشريك الإيراني (السابق)  كافٍ  لقبول روسيا بتحييد إيران من العملية السلمية ؟!. أم أن للروس حساباتهم الخاصة؟!!

رغم  أن حجم قطر وإمكاناتها  أصغر بكثير من مما لدى الثنائي الروسي التركي الذي باتت تجمعهم  شراكة واعدة سياسية واقتصادية ـ لكن تجمع قطر مع العملاقين قواسم واعدة رغم الفوارق الكبيرة . فالثلاث دول  يجمعها فضاء سوق الغاز . فقطر وروسيا من كبار المنتجين، أما تركيا فهي من أهم دول الترانزيت سيما للغاز الروسي إلى أوروبا ، فالمخيف والمرعب لروسيا اقتصادياً أن يزاحم  حصتها منتج آخر في سوق الغاز الأوروبي .

 فالروس يميلون لوضع معالم لحصص الغاز وحدود لفضاءاته، ولا يرغبون في الدخول في منافسات مع منتجين آخرين كما حدث العام الماضي بينهم وبين السعودية في سوق النفط ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى الدول الثلاث قطر وروسيا وتركيا هي دول تمتلك ودائع في البنك الدولي  وتستحوذ على ديون  لدول مدانة ( ربما يميل الروس لإبعاد شبح المنافسة عن سوق الديون . فالروسي هدفه الديون الأوروبية والهيمنة عليها، أما الأتراك والقطريون فهدفهم على الأغلب  ديون الشرق الأوسط ).

 الروس عادة يفضلون المصالح القريبة على المصالح البعيدة، ويفضلون الدفع ( الكاش) على غيره ـ هذه  سياستهم الجديدة التي  يصعب عدم ملاحظتها، ويصفون أنفسهم على ألسنة بعض نخبهم بأنهم أصبحوا براغماتيين بمعنى  (مصلحجية)..  كانوا قد تنحوا جانباً في معركة إدلب  في مقابل صفقة  الإس 400 وتركوا النظام السوري والميليشيات الإيرانية تواجه مصيراً قاسياً.

وبنفس التقديرات والحسابات  تخلوا عن ميليشيات حفتر في مقابل صفقة ترانزيت الغاز عبر الجغرافيا التركية ، وتخلوا عن أرمينيا في معركة كاراباخ الأخيرة مقابل تفاهمات مع الأتراك تخص البحر الأسود وأمنه  واتفاقات أخرى هي  طي الخفاء . 

عن ماذا يبحث  الروس في  الدوحة  وفي قمتها بعد أن كانت القمم كلها في ملعبهم وفي فضائهم ، من سوتشي إلى موسكو إلى أستانا ؟! وما الذي يريده الروس من الدوحة ومن القطريين ؟! وما الذي يخططون للحصول عليه ؟!. 

وعن ماذا يبحث الأتراك في الدوحة ؟ وما الذي يسعون له بين وعند ( أشقائهم ) القطريين  كما يسمون بعضهم بعضاً؟!!

هل تعد صفقة سلاح  (إس 400) كافية لإشباع نهم الدب الروسي ؟!! أم ما يتطلع إليه  عدة صفقات أخرى مع بقية دول الخليج بوساطة تركية ـ بداية من قطر مروراً بعُمان والكويت .. هل هذا كذلك نفسه ما يصبو إليه الذئب الرمادي التركي ؟! .. وهو الذي  تطلع إلى مزاحمة الهيمنة الأمريكية في المنطقة وبات يتصرف معها بندية موظفاً في ذلك شراكته مع  الدب الروسي.

 بلا شك عندما تعج المنطقة بعدة منظومات دفاعية روسية  سيُحرج النفاق الأمريكي المتسلط عليه، وهل تقوية مناعة الخليج بهذه المنظومات الدفاعية  هو استكمال  لمشروع محاصرة إيران من قبل تركيا الذي لم تعد تخفى ملامحه وتداعياته؟!! 

التركي  بات يمد نظره إلى الجزيرة العربية ويحوم حولها  في الصومال وباكستان وفي إريتريا وفي قطر نفسها. وهو الذي بات يطلب ود السعودية  ويلمح لها  بالمساندة في حرب اليمن.. ماذا لو صرح  الساسة الأتراك علناً  للسعوديين: "أشركونا في حماية أرض الحرمين  من أعدائكم الحوثيين ومن ورائهم إيران التي كسرنا أنفها في معركة إدلب الماضية، اسمحوا بفضلكم وكرمكم للبيرقدار أن تصفي حساباتكم  مع المتطاولين على أرض الحرمين.. هلا تكرمتم  ومنحتمونا الثقة !! فنحن اليوم نستدرج إيران في سنجار دعونا نضيق عليها الخناق في اليمن ـ من فضلكم ).. ماذا سيكون رد السعوديين  أمام هذا التطفل الإيجابي  والغزل الصريح والكرم الجزيل؟!

وفي خضم هذه الأطماع  والتقديرات والحسبات  ماذا بقي للملف السوري الذي هو شعار القمة وسبب انعقادها؟!!

في كل المعارك في العامين الماضيين  كان الروس قد خرجوا منتصرين اقتصاديا بما قدم لهم الأتراك مقابل حيادهم وتخليهم في معارك بداية من عفرين  نهاية بكاراباخ  وخرج الأتراك منتصرين عسكرياً وسياسياً .. الأتراك اليوم يدركون أن الروس لن يتخلوا عن النظام في الشام إلا بمصلحة عظيمة ، كما يقال بالعامية المصرية (هبرة)  تستاهل . وهذا ما لمح به الرئيس أردوغان بعد انتهاء معركة كاراباخ: " لماذا لا نطبق هذا الأمر في سوريا ".. يقصد الآلية التي تمت في كاراباخ بينهم وبين الروس مخاطباً الساسة الروس .. 

هذا هو مفتاح رضا الروس، وهذا ما جربه الأتراك معهم في خمس معارك.. 

هل تكون قمة الدوحة  بداية لنضج أجواء لصفقة كبيرة (هبرة) ترضي نهم الدب الروسي  يتنازل فيها عن الشام  ويتخلى عن النظام كما تخلى عنه في إدلب ويتركه هو وإيران مكشوفين ؟!

هذا ما ستؤكده أو تنفيه تداعيات القمة في قادم الأيام. 

التعليقات (1)

    د أكرم عبد القادر منصور

    ·منذ 3 سنوات شهر
    مقالة رائعة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات