ماذا تستطيع السياسة لدى الثورة السورية فعله مع إيران؟!

ماذا تستطيع السياسة لدى الثورة السورية فعله مع إيران؟!
وقفت حائرا كيف أكتب عن إيران من وجهة نظر سوري منكوب بوطنه، ثائر على نظام مافيوي عميل، يبحث عن ورقة سياسية يتشارك بها مع غازٍ يَعتبرُ النار دينه وديدنه ودَّدانه؟! هل أكتب بلغة التاريخ، لغة عمر بن الخطاب "ليت بيني وبين فارس جبلاً من نار"؟! لكن جبل النار بقي حبيس الليت! أم أكتب بلغة السادات: "أنا أكثر من غضب ورفض الثورة الإيرانية لأنها ستشوه الإسلام وتُصدِّرُ الكراهية للجميع"!؟ لكن غضب القادة العرب على اعتداءات إيران بقي غضبا فرديا ضعيفا ولم يستطع أن يتجمع ويتحول إلى فعل! هل أبدأ من الماضي البعيد أم من الواقع الحالي وكلاهما يُقطِّرُ عنفا ودما وآلاماً وكراهية؟! تاريخ طويل بين العرب والفرس عنوانه: الدمار القادم إلينا من الشرق!

تشهد آثار بلادنا على أمم كثيرة عبرتها، الفرس 449 ق.م عبروا إلى بلاد الإغريق، ثم الإغريق إلى بلاد الفرس مرورا بالروم وصولا إلى الترك والإنكليز والفرنسيين وما بينهم من أُمَم، تركت آلاف الأوابد الأثرية التي تشهد على حضارتهم إلا الفرس! الذين عبروا غير مرة وامتد نفوذهم إلى جزيرة العرب فترات، لكن ليس لديهم موقع أثري واحد يشهد لهم حضارة في بلاد الآخرين كالجزيرة العربية وبلاد الرافدين والإغريق والترك؛ حتى عربستان التي احتلتها إيران عام 1925، لا تزال المنطقة الأقل إعمارا في العالم الثالث! لكن كتابات التاريخ أكدت أن عبور الفرس رافقه دمار النار.، حتى أطلقت عليهم أمم المنطقة: قوة من نار ودمار لا تعرف العمار!

سأسمح لنفسي ذكر رواية سمعتها من السياسي السوري عصام العطار، عافاه الله، أنّ آية الله الخميني زاره قبل أن ينتقل من فرنسا إلى إيران، فقال العطار للخميني (أن بمقدوره أن يكون زعيما للأمة الإسلامية) لكن الخميني أجابه بأنه (زعيم للأمة الجعفرية "الشيعية" وسيبقى كذلك)! هل كان هذا الجواب متضمنا رغبة الخميني الخفية بتحويل العالم الإسلامي إلى طريقته الدينية، كما سلك لاحقا؟!

أيد حافظ الأسد الخميني من اللحظة الأولى لوصوله إلى طهران! وتحالفا معا في الحرب على العراق. لكن في لبنان أصرّ حافظ على أن يكون صاحب النفوذ الأوحد فيه، ورفض محاصصة نفوذه مع طهران، وحرّض حركة أمل الشيعية التابعة له على شن حرب ضروس على حزب الله التابع لطهران في عام 1991، حتى خضع الإيرانيون لنفوذه في لبنان خضوعا مطلقا، وشهدنا من فيديوهات مسربة كيف كان حسن نصر الله يجلس في حضرة الضابط السوري المكلف في لبنان (غازي كنعان) بذل وكنعان لا يعيره نظره. 

استغلت طهران رغبة بشار الأسد بالاستقواء بها على حرس والده القديم مع الشهور الأولى لتوريثه حكم دمشق، وحققت له طلبه، بالمقابل أصبح السفير الإيراني مندوبا ساميا في دمشق تأتمر الوزارات بأمره، يغادر سفارته إلى أي بقعة سورية، ويجتمع بالسوريين الشيعة متى يشاء وأنّى يشاء، ليتحول بشار إلى دمية استجلب عليه غضب الغرب والعرب، وخسر نفوذه في لبنان وأصبح حسن نصر الله ذليل حافظ الأسد بالأمس سيدا على ولده اليوم!

قلة من السوريين فهموا مصطلح (تصدير الثورة الإيرانية) أثناء الحرب الإيرانية العراقية، لكنهم وعوه عندما بدأت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بتدمير المدن والقرى السورية الثائرة على نظام بشار، مرددين شعارات حاقدة مستخلصة من روايات مرسلة من عمق التاريخ! أما حين شاهدوا إخوانهم في المواطنة السورية من الشيعة وقد تحوّل أغلبهم مع اللحظة الأولى لانطلاق الثورة إلى أداة استخباراتية وأداة قتل بيد الإيراني وعميله بشار، أدركوا القوة الفتاكة لهذا الشعار وفكوا لغز زيارات السفير الإيراني وصحبه من قيادات حزب الله اللبناني إلى البلدات والأحياء الشيعية والمتشيعة حديثا، وأنها كانت عملية ممنهجة لتحويل الأهل والجيران طيلة أجيال وأجيال إلى أعداء!

يبقى اللغز المحيّر، على الأقل بالنسبة لي، ما هي الفكرة الجاذبة في دعوة ملالي إيران التي حوّلت عددا من أبناء الوطن إلى عملاء؟! البعض ادعى على الفقر واعتبر أن الـ 100 دولار التي يدفعها الدعاة الإيرانيون للفقراء في الأمم الإسلامية مترافقة مع بناء بعض المرافق البسيطة، كحفر بئر أو بناء مدرسة حسينية، هي العصا السحرية، لكن ماذا عن عدد من الشيعة في الدول الإسلامية الغنية الذين اكتشفت سلطات بلادهم تبعيتهم الاستخباراتية لِقُم وقبولهم القيام بزعزعة استقرار بلدانهم؟!

تقوم طهران بحرب بالوكالة في البلاد العربية، عبر تحويل بعض المواطنين العرب من أتبعية المذهب الشيعي، أو المقرب منهم كالعلوي النصيري في سورية ولبنان وتركيا أو الزيدي في اليمن، إلى أعداء لوطنهم عبر بث الكراهية والتفرقة، أو خلق جماعات متحولة حديثا إلى دين الملالي الجديد، كما حدث في السودان وإندونيسيا وماليزيا وغيرها، ثم السعي إلى خلق صِدام بين الكتلتين؛ قلة عددية مُزودة بأحدث الأسلحة والدعم السياسي الدولي الذي ساندها بأقليات أخرى ليتحول المشهد إلى حلف أقليات يقود معركة مدمرة ضد أكثرية عددية تملك قلة من سلاح، وترزح تحت وطأة مؤامرات دولية تكبح قدراتها السياسية والدفاعية (رواية داعش)، ليبدو المشهد العام وكأن البلاد في حرب أهلية وليست تحت اعتداء دولي! والنتيجه خراب ودمار وإفقار ومجاعات تؤدي إلى نهاية مأساوية للكتلتين وللوطن الذي احتضنهما! والأنكى أن الشعوب المتضررة لن تستطيع مطالبة إيران دوليا بتطبيق قوانين الاحتلال الدولية، كالحفاظ على وحدة البلاد وعدم ارتكاب مجازر وتنظيم شؤون الشعب المُحتلةِ بلاده...إلخ أو بالتعويض عن أضرار احتلالها، لأن تدخلها متلطٍ خلف ميليشيات محلية ومستجلبة تحمل خِرَقا ملونة بشعارات الموت وليست جيوشا نظامية!

اختلفت الآراء على دور إيران أهو أصيل يبحث عن نفوذ يعزز قدرات الدولة الإيرانية اقتصاديا وصناعيا وعسكريا كما أي دولة تحتل دولة أضعف منها، أم أنه وكيل لقوى أخرى؟!

لم تسعَ إيران للسيطرة على الثروات الطبيعية للبلدان المتورطة فيها، لكن قوى أخرى سيطرت عليها، ولا للسيطرة على مواقع جغرافية حساسة على المتوسط أو البحر الأحمر، لكن قوى أخرى فعلت! كما لم تُبقِ لشعوب تلك البلاد وسائل إنتاج بعدما دمرت ميليشياتها المدن والبنى التحتية وأفقرت وهجرّت الكثير منهم داخليا وخارجيا، بالتالي، لم تعد أيضا لدى تلك الشعوب قوة شرائية تستهلك منتجات إيرانية لنعتقد أنها تسعى لاستغلال إنتاج شعوب تلك الدول أو جعلها سوقا لتصدير منتجاتها. والأغرب أن حكام إيران فعلوا كل هذا على حساب أموال نفط وخيرات وإنتاج المواطن الإيراني، الذي رغم غنى بلاده افتقر جراء تلك السياسة، فهرع يقف في طوابير أمام السفارات الأجنبية ساعيا للخلاص. هذا ما يدفعنا للترجيح بأن النظام الإيراني نظام وظيفي لقوى أخرى، وليس كما يُدّعى عليه بأنه نظام يهدف إلى إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية!؟ إن ما تقوم به حكومة طهران لا يعدو عملية تفجير انتحارية لشعبها ولشعوب المنطقة. 

قد يكون مفهوما حاجة إيران لإضعاف وتدمير العراق الذي طالما كان جبل النار والسد المنيع في وجه طموحات إيران غربا وجنوبا، لكنه غير مفهوم بالنسبة للدول العربية الأخرى!؟ 

تقبلت المنطقة عبر تاريخها تغيرات دينية كبرى من الوثنيات إلى اليهودية فالمسيحية فالإسلام، لأن تلك المعتقدات حملت معها مشاريع ذات جاذبية إنسانية حضارية سياسية اجتماعية اقتصادية. هل يمكن اعتبار شعارات "يا حسين" و"لن تسبى زينب مرتين" مشروعا يجعل أُمّة ما مستعدة لتقبله والتضحية باستقرارها وبمعتقداتها السابقة حتى لو فُرض بالقوة؟! هل من أحد يستطيع أن يفسر كيف لمعتقد لا يحمل حاملوه أي مشروع، ويتضارب منتسبوه بالأحذية والقاذورات وغسيل الأرجل وتقبيلها والتمسح بها تبركا، وخزعبلات أخرى تمتهن كرامة الإنسان ابتدعها وسكبها ملالي إيران في المذهب الشيعي لتحويله من مذهب إسلامي له قدسيته الدينية وإبهاره الفكري، إلى دين جديد لا يمت إلى الإسلام ولا إلى العقل الإنساني بصلة، أن تقبل الأمم اتباعه؟! تحتوي الأديان بعضا من اللا معقول لكن دين ملالي إيران الجديد لا معقولياته لا يمكن لعقل بشري جمعي تقبلها! 

على حكومة طهران أن تدرك أن القضايا التي نشأت في التاريخ لا تزول بقرار(؟!)  إنّ إزالة السُنة من المنطقة، كما تحاول أن توهم مواطنيها والمواطنين العرب الشيعة، هو مشروع أقرب للهذيان ومحكوم بالفشل! إن حكومة إيران لم تستطع، تغيير دين سُنة بلادها، الذين يقاربون الـ 20 مليون نسمة، والشعب الإيراني بكل طوائفه وإثنياته في ثورات لا تكاد تخمد إحداها حتى تندلع أخرى؛ فهل تظن حكومة إيران أنها قادرة على تغيير دين أكثر من مليار ومئتي مليون يشاهدون مشروع الذبح اليومي في كل بلد تدخلت فيه؟!

قد يكون العرب بفرقتهم وارتهان قرارهم لا يستطيعون كبح الدمار الذي تلحقه إيران بالدول العربية، لكن الأيام دول ومن سره زمن ساءته أزمان، وعلى الشيعة العرب والأقليات الدينية والعرقية كافة أن تدرك أن الدخول في هذا المشروع سيجعلهم أول ضحاياه. وعلينا جميعا أن نسعى بسرعة جاهدين لخلق برنامج سياسي يبني مواطنة عادلة للجميع أقلية وأكثرية.

كما أن على الحاكم الإيراني أن يفهم أن البحث عن المشتركات ورعاية المصالح بين الدول هي الطريقة المثلى للتنمية والتطوير وخلق النمو والرخاء للشعوب المتجاورة؟!

هامش: 

** عندما انتهيت من كتابة المقال، أدركت، رغم محاولاتي، أني خسرت كتابة برنامج سياسي تتواصل الثورة به مع حكومة طهران! وهذا ما دعاني إلى التماس العذر لقادة الدول العربية لخسارتهم إمكانية إيجاد مساحة للسياسة مع حكام طهران طيلة 42 عاما من حكم الملالي، رغم محاولات الأحياء منهم والأموات!؟ فأي سياسة مع القادم إليك بالموت والدمار؟! وحده الغرب من وجد المساحة السياسية الواسعة مع النظام الإيراني. ربما هي علاقة الأصيل بالوكيل وربما لتلاقي المصالح على دثر أُمّة!

اقرأ أيضا:

من يملك مفتاح السلام مع إسرائيل الأقلية أم الأكثرية؟!

سوريا وتركيا: تَقَلُّب السياسة والجغرافيا!

التعليقات (1)

    Ahama Al Aryan

    ·منذ 3 سنوات أسبوع
    This what is all about. That is why Iran, her creaters in Lebanon and Yemen have in real term a full support by Isreal and the west. Not to mention the same for Al Assad Family. THE UAE have realised this 30 years late
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات