بعد فشل أستانا وسقوط سوتشي: مسار جديد حول سوريا.. وروسيا تستبعد إيران وتستحضر قطر

بعد فشل أستانا وسقوط سوتشي: مسار جديد حول سوريا.. وروسيا تستبعد إيران وتستحضر قطر
أسست روسيا لمسار جديد حول سوريا يضم تركيا وقطر، بما عرف بمسار الدوحة بعد جولة مكوكية للمسؤولين الروس في المنطقة العربية، وذلك بعد فشل موسكو بعشرات الجولات في مساري أستانة وسوتشي، وفشل خططها الدولية والإقليمية أحادية الجانب لفرض الحل في سوريا وفق الرؤية الروسية الساعية لإنقاذ نظام أسد وتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري.

وفتح المسار الجديد تساؤلات عديدة حول أهمية وأهداف الحلف الجديد في الدوحة من حيث الأطراف المشاركة، وخاصة استبدال إيران بقطر، وحول التغيّر الحقيقي في الموقف الروسي تجاه رؤية الحل السوري وتنازل موسكو عن حليفها أسد، بما يتناسب مع السوريين أنفسهم، في ظل استمرار القتل والنزوح والانهيار الاقتصادي غير المسبوق في مناطق سيطرة نظام أسد.

أورينت ناقشت المسار الجديد ضمن حلقة في برنامج "تفاصيل"، تحدث فيها المحللون المختصون حول أبعاد وأهداف المسار الجديد الذي أبصر النور قبل يومين، خلال اجتماع ضم وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر، وأثار تساؤلات حول غياب إيران للمرة الأولى عن ذلك الحلف.

ما الجديد في مسار الدوحة؟

يرى الكاتب والباحث في الشأن التركي، معين نعيم، أن التغيرات التي حصلت بعد تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة، دفعت الجميع لإعادة التفكير في كثير من القضايا، وقال خلال حديثه لأورينت: "لا أستبعد أن يكون اجتماع الدوحة نتاج تغير أو محاولات استخدام الملف السوري من قبل بعض الدول المعنية بالملف، واستبعاد إيران أعتقد أنه من ضمن ذلك التغيير".

ويضيف الكاتب أن "الملف السوري لم يعد مضمونا في اتجاه معين، ويبدو أن الكثير من الآراء تطرح ويعاد تدويرها لكي تنفذ بشكل أو بآخر على ارض الواقع".

أما المحلل السياسي الروسي يفجيني  سيدورف فيقول إنه من المبكر جدا "الحديث أن هذه الصيغة المتكونة من روسيا وقطر وتركيا سوف تترتب عليها نجاحات معينة أو حتى محدودة فيما يتعلق بأي تقدم يخص الملف السوري، ولا شك أن مستقبل التطورات في المنطقة ربما سيتبين إن كانت هذه الصيغة فعالة أو تحتاج إلى صيغ أخرى لن تنجح ولن تأتي بأي جديد في الجهود المبذولة لإيجاد حل وتسوية الأزمة السورية".

بهلوانيات لإفراغ القرار الدولي

من جهته اعتبر عضو هيئة التفاوض الدكتور يحيى العريضي، المسار الجديد بمثابة بهلوانية جديدة من قبل روسيا، وقال إن "هذه البهلوانية تعكس حالة من التأزم السياسي الروسي بالنسبة للقضية السورية"، ويضيف العريضي خلال حواره مع أورينت، أن "الهدف النهائي لروسيا من كل تلك العملية البهلوانية، هو الابتعاد عن الجوهر الأساسي  للقضية السورية، ظنا منها أنها تستطيع أن تنجز بعض الإنجازات على الصعيد السياسي، وتستفيد من ملفات اقتصادية وجغرافية وعسكرية عديدة من خلال تدخلها العسكري في سوريا".

وأشار العريضي إلى أن موسكو  تسعى منذ السنوات الماضية لإفراغ القرار الدولي (2254) من مضمونه، ابتداء من وقف إطلاق النار وتحويله إلى خفض تصعيد ضمن مسار أستانة، وانتقلت إلى مسألة أخرى، مشددا على أن كل الاحتمالات مفتوحة والمشاريع السورية لا نهاية لها، حيث قال: "هذا يعطي إشارة إلى أن السوريين يئسوا من المجتمع الدولي ومن تلك الألاعيب والبهلوانيات، لا نريد عداء مع روسيا بل نريد أن نستعيد بلدنا"، بحسب تعبيره.

بديلا عن أستانة وسوتشي؟

يرى الكاتب والباحث في الشأن التركي، معين نعيم أن مسارات أستانة وسوتشي لم تصل إلى نتائج حقيقية حول سوريا خلال السنوات الماضية، مضيفا أن الأطرف المعنية تحاول في كل فترة تجديد المسارات في محاولة للوصول إلى نتيجة لتحقيق حل سياسي في سوريا، في إشارة إلى مسار الدوحة الجديد.

أما المحلل السياسي الروسي يفجيني سيدورف فيرى في حواره مع أورينت، أن روسيا تحاول إيجاد حل جديد أو مسار جديد لحل الأزمة السورية على غرار مسار "أستانة" (روسيا وإيران وتركيا)، منوها إلى أن الغلبة التكافؤية كانت (2-1) لروسيا بسبب وجود إيران الحليفة لنظام أسد مقابل تركيا حليفة المعارضة، أما في المسار الجديد نرى الصورة انقلبت تماما بحيث أصبحت عكس أستانة، بمعنى (2-1) لتركيا وقطر حليفتي المعارضة مقابل روسيا لوحدها وهي حليفة نظام أسد، بحسب تعبيره.

استبدال إيران بقطر

وحول استبدال إيران بقطر يصف الكاتب والباحث معين نعيم خلال حواره مع أورينت، بأنه "أمر إيجابي"، معتبرا وجود قطر مكان إيران بمثابة "رسالة واضحة لأمريكا، وخاصة مع وجود حدة في التفاوض بين واشنطن وطهران في الآونة الأخيرة".

ويوضح نعيم "أعتقد تم استبعاد إيران لسببين، الأول أن الروس يرون أنفسهم الحاكمين لبشار الأسد وإيران معا، والسبب الثاني هو أن الأطراف على الطاولة يحاولون إظهار أنهم غير معنيين بالخلاف مع واشنطن"، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الجميع متفقون على اسبتعاد إيران، كون روسيا وتركيا تستفيدان من استبعادها.

كما أن قطر تعتبر الدولة  الخليجية الوحيدة التي يمكن أن يقف فيها الجميع في ظل خلافات مازالت عالقة بين بعض الأطراف، إضافة لوجود علاقات جيدة بين الدوحة وواشنطن وموسكو خصوصا، فضلا عن التعويل الروسي على تمويل أي حل في سوريا من خلال قطر، بحسب توقعات نعيم.

وبدوره يعتبر المحلل الروسي سيدورف أن اختيار قطر يعود لاعتبارات أخرى لاعلاقة لها بالملف السوري، ويوضح "على سبيل المثال سعي روسيا لأمرين، الأول السعي للمصالحة الخليجية التي حصلت سابقا، إضافة لمحاولة روسيا جذب قطر من أجل الجهود المبذولة للتسوية في سوريا، واعتبارات مصالحية أخرى بين البلدين".

بينما يرى عضو هيئة التفاوض الدكتور يحيى العريضي أن جميع الأطراف الدولية لا يريدون وجود إيران في الملف السوري، باستثناء المنظومة الاسبتدادية وخاصة روسيا، مضيفا أن غيابها اليوم عن اجتماع الدوحة هو غزل من نوع معين مع جهات دولية لا تريد وجودها"، بحسب تعبيره. 

متغيرات وتوازنات دولية

يشير المحلل الروسي يفجيني سيدورف إلى أن لغة المصالح تطابقت مع السعي الدولي والإقليمي لإطلاق عملية سياسية جديدة في سوريا، ويقول "ربما تبدأ تلك العملية من خلال إيجاد حل لأعقد مشكلة تشغل بال الجميع، والمتمثلة ببحث الأولوية بين تشكيل دستور جديد واللجنة الدستورية، أم الانتخابات الرئاسية".

يربط سيدورف التبدلات الجديدة لروسيا في مسار الدوحة بالمتغيرات الدولية وخاصة إدارة بايدين، ويقول في هذا الصدد، "أوباما عندما تحدث عن الشرق الأوسط الكبير كان يقصد شيئا يختلف عنه الوضع الحالي، وبالتالي نحن أمام تطورات جديدة بحاجة ربما إلى جذب المزيد من الأطرف بخصوص سوريا وملفات أخرى".

ويوضح المحلل الروسي، "لاشك أن روسيا تعول على ضرورة ربما البدء بإطلاق العملية السياسية في سوريا بجلب مزيد من الأطراف الدولية بما فيها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية". 

استماتة روسيا لإنقاذ الأسد 

ويتفق جميع المحللين الذين يؤيدون قضية الشعب السوري، على أن روسيا مازالت تحاول اللف والدوران على قضية السوريين عبر محاولات تمييع القضية ونصرة النظام وإعادته تأهيله بشتى الوسائل الممكنة، والأخطر هو الالتفاف على القرار الدولي وتفريغه من مضمونه من خلال مسرحيات طويلة الأمد وفارغة المضمون على حساب آلام ودماء السوريين.

وكانت العاصمة القطرية الدوحة شهدت قبل يومين اجتماعا ثلاثيا لوزراء خارجية تركيا وروسيا، لإطلاق تحالف جديد لبحث الملف السوري، جمع الدول الثلاثة بينما غابت إيران التي استبعدتها موسكو على عكس مسار "أستانة" الذي يجمع (روسيا وتركيا وإيران).

وقال لافروف في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الثلاثي "هذا أول لقاء على المستوى الوزاري بين الدول الثلاث بشأن سوريا"، لكنه أشار إلى أن المسار الجديد "عمره عدة أشهر ولا ينافس مسار أستانا"، مُرحّبا بما اعتبره الرغبة القطرية في خلق ظروف لتجاوز ما أسماها "الأزمة السورية".

ويأتي ذلك في إطار تحرك روسي عربي جديد بخصوص الملف السوري، الذي دخل مرحلة معقدة بسبب رفض نظام أسد وحلفائه روسيا وإيران الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي الرامي لفرض حل سياسي يمهد لمرحلة جديدة بدون أسد.

ورعت روسيا بمشاركة إيران وتركيا مسارات أستانا وسوتشي منذ عام 2015، في مسعى لفرض أجنداتها على مستقبل سوريا، لكن جميع تلك المسارات فشلت رغم الإصرار الذي أبدته موسكو في حل القضية السورية بما يتناقض مع القرارات الدولية ورغبة الشعب السوري ذاته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات