رواية (كرز حامض) للسورية سرى علوش: سيرة القاتل وتاريخ القتيل وطقوس الإجرام الأسدي

رواية (كرز حامض) للسورية سرى علوش: سيرة القاتل وتاريخ القتيل وطقوس الإجرام الأسدي
تحل رواية  الروائية السورية الشابة سري علوش"كرز حامض"كإشارة راسخة في الرواية السورية الجديدة-إن صح النحت-بدأت الرواية بوضع سيناريو بانورامي للثورة السورية ضد النظام الحاكم في دمشق، وقد وضعت عنواناً جميلاً للرواية كرز حامض، هذه الرواية تعد من أهم الروايات السورية التي تتحدث عن الثورة.

عشاق ممنوعون من العشق:

الرواية تنطوي على ذاكرة أكثر من قرائية عندما يتعلق الأمر بترميز الحالة الشعورية للكتابة، إذ يتحرك بندول السرد بين أقسى أشكال العنف الدائر في المكان، وأرقى مشاعر الحب بين البشر، كرسالة/شهادة سردية مشوقة ترسم تجربة شخصيات عانوا أهوال الحرب، على قسوتها، لكنها لم تسلب منهم عواطفهم الشخصية وأحلامهم وطموحاتهم الصغيرة في أن يشبهوا غيرهم من البشر:عشاق ممنوعون من العشق بفعل فاعل، الحرب.

  تشتغل سرى علوش على ثيمة الحرب/الحب كشهادة تقدمها بطلتها الرئيسية"أيلول" الذي تركت مكان الدراسة والعمل لندن لتعود إلى مدينة حمص كمكان للإقامة.

من حمص التي تقيم فيها خلال اندلاع الثورة السورية وتعمل باسم مستعار في جريدة، تبدأ سرى علوش حكايتها مثقلة بذاكرة شخصية نسوية، ذاكرة ارتبطت بمدينة ذات رمزية في ماضي وحاضر ومستقبل الثورة السورية.

أيلول الشخصية الرئيسية في العمل تترك ابنها الذي رزقت ولكن هذا الرزق يحرمه مجتمع يرفض الخروج عن ثقافة القطيع، قصة الحب التي نشأت بين أيلول السنية الحموية وشاب مسيحي دمشقي تعترضها أحداث قاسية تفضي للقطيعة سنوات،"فاطمة"التي تضيء المكان بضوئها الأنثوي الشعبي وهي المتحدرة من الطائفة العلوية.

"فاطمة"جعلتها الروائية محور السرد ومركز تقاطعات الشخصيات، رغم أنها شخصية ثانوية، جعلتها الروائية تمسك بالخيوط المتشابكة في السرد.

فهي عدا ربطها للشخصيات بين"أيلول"وعائلتها منذ الطفولة، وتنمو شخصية"فاطمة"فيما بعد لتغدو صديقة مقربة لـ"أيلول"ورابطة بينها وبين كل من الشخصيات"حبيبة"صديقة أيلول و"ميرا"أختها الظاهرية وابنتها التي لا تعرف الحقيقة.

وتريات الحب والحرب

بمرارة كبيرة تتحدث الروائية عن الحرب التي يشنها النظام ضد أبناء الوطن الناشد للخبز والحرية والسلام، هذه الحرب القذرة التي يشنها النظام بمساعدة إرادات داخلية وأخرى خارجية شريرة،  وما سيجرها من ويلات وخسارات للجميع، غيرت حياة الناس فكتبت عليهم الهجران والتشرد وفراق الأحبة وترك البيوت وخسارة العمل، حرب يوجهها الأقوياء والأثرياء التي يربحونها ضد الفقراء، حرب لا معنى لها سوى الظفر بمقومات حياة أفضل، بدأت ولا أحد يدري كيف تنتهي، هذه الحرب أدت إلى تردي الخدمات التعليمية والصحية والمعيشية، وتهافتت الأمراض مع الحرب لتحصد حيوات الناس الأبرياء والعزل، أي أنها لم تعتمد على العقل والمنطق والموضوع، وإنما توجهها غرائز همجية متطرفة لا تميز بين الأبيض والأسود، فمن معها هو الناجي وإلا فهو يستحق الفناء والموت.

سرد نسوي

الرواية تنتمي للسرد النسوي، لكنها ليست نسوية بمعنى متعصب يقصي الرجل ويلغي وجوده،تبدو نسويتها متوازنة غير متطرفة. لم تنتصر للمرأة على حساب الرجل. لم تنشغل بها دونه.لم تسعَ إلى تقويض الذكورة وهدمها، بل على العكس تماماً،  سعت للمصالحة وتعزيز العلاقة معه. معه فقط تبني الحياة، فينتصر الحب.

تنتقد سرى تشويه علاقة الرجل بالمرأة بموروثات ومفاهيم ذكورية فحولية قهرية، دنست الحب وأفقدته معناه النقي الجميل، لم تنتهك سرى محرم الجنس نحو الاحتفاء بالجسد الأنثوي وتكثيف الاعتناء بوصف العلاقة الجنسية.وهذا برأيي لتؤكد على رسالة روايتها.  

حدود المكان:الآن هنا:

تجري أحداث الرواية بين حمص المكان الأساسي وباقي المدن في سوريا كترسيخ عاطفي لمقولة"سوا ربينا"، ويستطيع القارئ أن يلمس الاهتمام بالمكان، من خلال محطات تحيل عليه في الفضائين الجغرافيين المشار إليهما، وبشكل خاص في الفضاء الحمصي عبر إشارات متعددة، وتنتبه الروائية إلى أمر يغفل عنه الكثير من الروائيين؛إذ تستثمر الوصف السردي في كثير من الأحيان، بديلاً عن الوصف الإنشائي الذي يتطلب توقفاً سردياً، فهي تجعل الوصف سياقاً سردياً بصرياً ينتقل إلينا عبر الشخصية الساردة، ومثلما احتفلت الروائية بتأثيث المكان بصرياً وشمياً وسمعياً، فإنها احتفلت أيضاً بتأثيث ذاكرة المكان، كما تستثمر الروائية في تقنية المفتوح والمغلق في تأثيث فضاء الرواية.

ويلاحظ القارئ أن العناصر الواصفة التي يتألف منها كل موصوف تشير إلى اهتمام كبير بها.

الماضي والحاضر والتأسيس للمستقبل

تعيش الشخصيات الروائية الماضي بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية؛ حيث يحضر من المكان الراسخ، والعادات والأطعمة والأغنيات، غير أن الروائية تحتفي فيه في بعض الأحيان احتفاءً مبالغاً به، وتحشد رموزه في سياقات متجاورة، تعرقل السرد، من أجل غاية سامية، لا تسوغها الضرورة الفنية، وإذا كان الحاضر يبرز من خلال تطور الأحداث والحوادث فإنه يبدو في كثير من الأحيان طرفاً في ثنائية الأمس واليوم، وذلك من خلال استحضارات الذاكرة التي تواجه اللحظة الحاضرة.

أما المستقبل الذي ما زال مجهولاً، فإن الكاتبة لم تعمل على تصوره من خلال الاستباقات اللغوية التي تبرز ملامحه، ولكنها تركت الكثير من المؤشرات لنثق به، وننتظر مجتمع ما بعد الرواية الذي سيكون أكثر توهجاً، وأقل قلقاً، ما دامت نهاية الرواية مجرد بداية جديدة.

إيقاع الزمن الثقيل

على الرغم من أن الزمن الواقعي كان بطيئاً جداً، فقد أفادت سرى علوش، في أحيانٍ قليلة، من تقنيات تسريع الزمن السردي ولجأت للتلخيص.

كما أفادت الروائية من تقنية الثغرة الزمنية التي تتجاوز زمناً بسرعة لا نهائية،  لتعرض زمناً آخر في سياق سردي واحد، دون إشارة سردية إلى فترة زمنية فاصلة، وتشحن الرواية زمنها بكثافة نفسية.

إنها ثيمة روائية عن سيرة القاتل وتاريخ القتيل وثنائية الحب والحياة صريعتا الموت، ولكن رواية"كرز حامض"للروائية السورية سرى علوش، تقول:لا تقلق أيها القارئ سنجتاز هذه الحرب، أيضاً، كما اجتزنا التي قبلها، لا خيار آخر أمامنا، سنجتازها بخسائر جمة، ولكننا لن نجعلها نزهة لهم، سيقيمون جنائزهم أيضاً، ونحن كلما قتلنا اشتد عودنا بينما هم كلما قتلوا وهنوا، هذا الفارق بين صاحب التراب والدخيل عليها، نحن نقاتل لأجل أن نستعيد حقنا بالحياة والحب والخبز والسلام بينما هم يقاتلون من أجل البقاء بالحكم، حياتنا وسيلة وحياتهم غاية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات