وما بعد لكن التي سيأتي تفصيل قصتها بعد قليل، بدأت ظاهرة الحراك الفيسبوكي المتخفي باسم العلويين بالتطور ووصل البل إلى ذقن بشار نفسه، بشكل ليس له سابق، وصل حد الاستهزاء به ومطالبته بالتنحي، فثارت حفيظة السوريين على الطرف المقابل بين المشكك والمتفائل والمتهم والشامت بهذه الاستفاقة المتأخرة إن صح التعبير.
ولحسم الجدل حول هذه الظاهرة المستمرة حتى الآن، تم جمع العديد من شهادات حية لعلويين مقيمين في الداخل ومقارنتها مع بعضها من جهة، ومع المضمون الذي حملته الصفحات المعارضة العلوية من جهة أخرى، كما تم جمع شهادات مختصين وعدد من الوثائق الأخرى، وذلك للإجابة على تساؤلات الطرف الآخر (الثورة والمعارضة) التي أثارتها الظاهرة، وأهمها؛ من يقف وراء هذه الصفحات وما دلالات توقيتها، ولِمَ لم تتحول هذه الانتفاضة الفيسبوكية إلى واقع حتى الآن؟.
إضافة إلى أسئلة أخرى تتعلق بصراع رامي مخلوف مع بشار وزوجته أسماء، وتأثيره على هذا الحراك الفيسبوكي الافتراضي.
شهادات حية ومقارنة المضمون
حصلت أورينت على ثلاث شهادات حية لعلويين يعيشون في اللاذقية وحمص وطرطوس، واتفقت على تسميتهم برموز، محتفظة بأسمائهم الحقيقية وصور المحادثات التي جرت معهم وذلك التزاما منها بمعايير حق الاحتفاظ بسرية المصدر وتأمين سلامته.
وأكد الثلاثة أن جزءا ممن يدير الصفحات المعارضة ضد بشار الأسد هم من العلويين، ولكن لم يستبعدوا أن يكون جزءا آخر من المخابرات التابعة للأسد وهو ما عززته شهادات أخرى لمختصين وأشخاص من الساحل يعيشون في الخارج، اصطلح معد التحقيق على تسميتهم بالمحكمين.
وقال الشاهد (ش، ك) أحد وجهاء الطائفة العلوية وهو من طرطوس ويعيش في مكان آخر داخل سوريا "بالتأكيد هناك علويون بين من يدير تلك الصفحات"، ولدى سؤاله من هم، أجاب "جزء كبير منهم من جماعة رامي مخلوف وأولاد غازي كنعان وأولاد علي دوبا وأولاد مفيد عبد الكريم وخصوصا الموجودين منهم في أمريكا أو فرنسا وفي بعض الدول العربية".
وأخبرنا بأن كل ضابط علوي يخرج من السلطة يتحول إلى ناقم ويستغل أي فرصة للوصول إلى السلطة.
وأضاف أن مجموعات شبابية أسسها رامي مخلوف في عام 2007 بعد الخروج المذل من لبنان كما وصفه، نواتها شباب بصمة سوريا لهم دور أيضا في إدارة تلك الصفحات.
أما الشاهد العلوي (ف ، ل)، فألمح إلى أنه ليس كل الصفحات سواء وهناك تصنيفات مختلفة لها، لافتا إلى أن البعض منها يديرها علويون بكل تأكيد، خاصة تلك التي تنشر معلومات لا يعرفها إلا شخصيات علوية مقربة، في إشارة إلى صفحة البهلولية نيوز وانتفاضة الساحل، اللتين تنشران سلسلة عن أبرز شخصيات الشبيحة العلويين في ميليشيات أسد وجرائمها بحق العلويين خصوصا والسوريين عموما.
لكنه لفت إلى أن الصفحات التي تعتمد أكثر على أسلوب السخرية والتهكم على الأوضاع غالبا ما تكون تابعة للمخابرات وتهدف لقياس ردة فعل العلويين واختبار درجة تأييدهم أو معارضتهم.
بدورها قالت السيدة (ن، و) من حمص، إن جزءا كبيرا من الشباب العلوي لم يعد يرى في بشار الأسد القوة التي كان يمتاز بها أبوه، فقد أنهكهم بالحرب وبوضع اقتصادي مزرٍ،.. "العلويون باتوا يرونه شخصا مهزوزا وضعيفا ويخضع لسيطرة زوجته التي يلقبونها في الوسط العلوي بالأفعى.
مقارنة الشهادات بالوثائق
ولم يكتف التحقيق عند شهادات العلويين بل بحث عن وثائق وشهادات أخرى تعزز أو تدحض ما قالوه، فوجد الآتي:
في 28 شباط أي قبل أيام، نشر أحد وجهاء عشائر العلويين من المذهب الكلازي من صافيتا (ساعدنا أحد مصادرنا في التحقيق على التعرف إليه والتأكد من شخصيته)، في صفحته على الفيس بوك كلاما جديدا ولم يسبق أن قيل من قبل، طالب من خلاله العلويين صراحة بعدم المشاركة بالحكم وتسليم السلطة للسنة بعد ضمانات واعترف بأن العلويين ارتكبوا أخطاء كبيرة في الحكم والإدارة، متهما حزب البعث والعلويين بالتسلط".. المقال طويل وقد تم إرفاقه كصورة للاطلاع.
ولدى مراجعة كتابات الرجل تبين أنه يكتب منذ فترة باسم مستعار إلا أنه موجود داخل البلد، ورغم أن لدينا معلومات كثيرة حوله لكن اشتراط المصادر يمنع من البوح بكل ما هو معلوم، والقصد فيما يتعلق بالهوية الشخصية، لحساسية الموضوع، وحساسية الجهة التي تحقق فيه.
شهادات المحكمَين
ووافق كل من الصحفي عبد السلام حاج بكري، المقيم في فرنسا، والباحث عبد الرحمن الصالح المقيم في ألمانيا، - وكلاهما من اللاذقية، وعلى اطلاع كبير بما يجري فيها، كما أن الصالح خبير بالبيت العلوي وتفرعاته العشائرية والعقائدية-، على جزء كبير من شهادات الشخصيات العلوية الثلاث.
وقال الصالح لأورينت، " نعم هناك صفحات يديرها علويون ولكنها تخفي نفسها بشكل أو بآخر، وهناك صفحات أقل انتقادا للنظام ولا تتطرق لبشار بشكل مباشر كما صفحة البهلولية مثل الوكالة الطرطوسية التي تعتمد الجانب الفكاهي بإيصال انتقاد مبطن للنظام بشكل عام".
وأضاف " أنا أعرف العديد من الشخصيات العلوية الناقمة على النظام وبشار الأسد ومنهم المدعو علي عاقل "؛ عاقل كنية مستعارة، وذكر لنا الصالح الكنية الحقيقية ولكن اضطررنا لإخفائها أيضا.
ولفت الصالح إلى أن بعض العلويين انقلبوا على النظام، ومنهم الصحفي المعروف إياد الحسين الذي خرج إلى ألمانيا، وبدأ ينتقد بشكل كبير النظام بعد أن كان مدافعا شرسا عنه وببساطة فإن منشوراته خير دليل على ذلك.
أما الصحفي حاج بكري فلم يستبعد أن يكون هناك علويون يديرون تلك الصفحات، ولكن بالتأكيد فإن هؤلاء الأشخاص سيكونون في الخارج، وفق رأيه، خاصة تلك الصفحات التي رفعت السقف إلى درجة انتقاد بشار أسد في إشارة لـصفحتي انتفاضة الساحل والبهلولية.
وأتفق مع الشاهد (ف. ل)، بمسألة وجود جهات تابعة للمخابرات تقف وراء تلك الصفحات أو بعضها لتقيس مستوى الغضب والتأييد والرفض للنظام في الشارع العلوي.
أسباب انتفاضة العلويـين الافتراضية
خلال العمل على إنجاز التحقيق، تعرف المعد على صفحات علوية أو تنطق باسمهم سواء عامة منها أو خاصة، منها إضافة إلى الصفحتين الأشهر البهلولية وانتفاضة الساحل، كل من الوكالة الطرطوسية وحركة أحرار العلويين التي أنشئت مؤخرا.
ومن الصفحات الخاصة صفحة العاقل وابن صافيتا وأحد وجهائها المذكور سابقا، والصحفي الموالي إياد الحسين، الذي لا يمكن لمن لا يعرفه من قبل إلا أن يقول إنه من عتاة المعارضة فيما إذا قرأ منشوراته خلال الأشهر الأخيرة.
وفيما يتعلق بأسباب هذه الانتفاضة، أجمعت كل الشهادات على أن الواقع الاقتصادي المأزوم في مناطق أسد هو السبب المحرك لهذه الانتفاضة التي ما تزال حبيسة العالم الافتراضي، غير أنه ليس السبب الوحيد والجوهري، فهناك أسباب أخرى.
ويعتقد (ش. ك) أن السبب الرئيس وراء هذه الانتفاضة هو النقمة التي حركها الواقع الاقتصادي، فكما ذكر سابقا كل ضابط أو مسؤول يخرج من النظام يتحول إلى ناقم، وبالتالي فإن رامي مخلوف وجماعته المتضررين يأتون في مقدمتهم وفق رأيه.
وأكد أن التمويل هو من يحسم الولاء سواء لجماعة مخلوف وغيره من الناقمين أو لبشار الأسد.
ورغم أن (ش. ك) لا يعطي أهمية كبيرة للتشيع في الأسباب التي دفعت إلى نقمة العلويين من بشار إذ يقول: من الصعب أن يكون هناك تشييع بالمعنى الحقيقي عند العلويين ومن الصعب أن يرتدوا حجابا أو يقيموا شعائر الصلاة".
لكنه يقر بأن هناك إنفاقا هائلا للمال من العلويين البعثيين وبتغطية أمنية على التشييع، وإن كان التشيع لن يكون بشكل مباشر، كما يعتقد إلا أنه سيكون على طريقة الحوثيين في اليمن، أي أنه سيعاد صياغة المذهب العلوي بنكهة شيعية، على حد تعبيره.
ويضيف أنه كعلوي يخشى من الإيراني الشيعي أكثر من السني السوري، فالخطر الإيراني هو الأكبر بكثير لأن مشروعه غيبي غرائبي غوغائي.
في حين يرى (ف. ل)، أنه إلى جانب الواقع الاقتصادي المتردي، هناك الضرر الذي يتلقاه العلويون من معامله الشبيحة المتنفذين السيئة لهم وسيطرتهم مع الطبقه الأولى من البعثيين على كل خيرات البلاد.
يقول " جميع العلويين يشاهدون سوء الخدمات التي قدمت من الدولة إلى من دافع عن النظام من جرحى الجيش ومن لف لفيفهم.. لقد قضى هذا النظام على مستقبل أي شاب علوي داخل البلاد وخارجها، بسبب الكره الأعمى الذي سببه لهم من قبل السنة؛ فالعلوي الآن أصبح يعلم أنه مكروه من الجميع".
لكنه وخلافا للجميع لا يرى أن لرامي مخلوف وجماعته هذا التأثير الكبير على الحراك رغم اعترافه أنه يتردد في الأوساط العلوية أن أسماء أبعدت مخلوف وتسعى هي وأقرباؤها للسيطرة على كل شيء.
وهنا يتبين أن هناك بعض التناقض في شهادته، فيما يتعلق بدور رامي مخلوف وجماعته في الظاهرة محل البحث.
وبحسب الشاهدة (ن. و)، فرغم أن مخلوف غير محبب في معظم الأوساط العلوية ولكن إقصاءه ثم إقصاء محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم ومصادرة أمواله وهو من أقرباء بشار أيضا اعتبر ضربة للعلويين لصالح امرأة (زوجة بشار)، وخاصة أن "الثقافة العلوية لا تعطي أي دور للمرأة في القيادة"، على حد تعبيرها.
بشار يبيع أقرباءه
نقلت لنا الشاهدة العلوية ما سمعته حرفيا من عجوز قرداحية (مسقط رأس بشار)، وهي زوجة "شهيد" من السبعينيات كما عرفت عنها ولديها أقرباء ضباط كبار في الجيش وفق تسميتها تقول :" ياعيب الشوم عم يبيع أقربائه من أجل زوجته ومن أجل روسيا".
ولا تقلل الشاهدة من أهمية الأسباب الاقتصادية، غير أنها ترى أن السبب الأول هو أن بشار لم يعد الحامي للرئاسة بشقها العلوي، وينظرون إليه على أنه شخص ضعيف ومهزوز ومسيطر عليه من قبل زوجته.
وبدوره يرى الباحث الصالح أن الوضع الاقتصادي هو السبب المباشر لهذا الحراك الفيسبوكي ولكن الأسباب البعيدة هي الشرخ الذي يتوسع داخل الطائفة بين العشائر والمذهبين العلويين الرئيسيين، فبشار منذ فترة يعمل على تجنيد الطائفة ويعسكرها، على غرار الطائفة الشيعية في لبنان سواء في ميليشيات نظامية أو شبه نظامية تتبع لأخيه ماهر أو أيمن جابر وغيرهما.
وأضاف أنه حتى يتمكن من ذلك اعتمد على مبدأين؛
-الإفقار لفرض الطاعة وهذا ما ضايقهم أكثر
- رواية المظلومية التاريخية أثناء الحكم العثماني والتلويح بعودتها إن تخلوا عنه.
أما الأسباب الأخرى التي أدت إلى الغضب من بشار الأسد في البيت العلوي برأي – الصالح- فهو انتشار التشيع الذي استفز شيوخ الطائفة، ثم جاء الصراع مع رامي مخلوف ليترك العائلات العلوية الفقيرة من ذوي القتلى والجرحى فريسة للجمعيات الشيعية بعد مصادرة ما يسيطر عليه من الأموال التي كان يساعدهم بجزء منها ليزيد الغضب أكثر فأكثر.
أربعة أسباب
ومن خلال مقاطعة آراء الشهود مع بعضها من جهة ومع فحوى تلك الصفحات أو معظمها فيمكن الوصول إلى أن جميعهم اشتركوا في 4 أسباب تقف وراء هذا الحراك الفيسبوكي
-الوضع الاقتصادي المتردي وطول مدة الحرب
- الانشقاق الذي سببه صراع مخلوف أسد في الصف العلوي
- الخطوات التي تقوم بها زوجة بشار التي يرى فيها العلويون سحبا للبساط من تحتهم ويبدو أنها برضا روسي.
- التشييع بدرجة أقل
هل تتحول الانتفاضة الافتراضية إلى واقع؟
رغم أن هناك نقمة على بشار الأسد للأسباب المذكورة، غير أن هذه النقمة لا تعدو عن تشويش من وجهة نظر (ش. ك)، فلايزال بشار يتمتع من وجهة نظره بتأييد جيد على امتداد الطائفة.
لكنه لم يقفل الباب تماما لإمكانية تحولها إلا واقع في حال استمر الضيق الاقتصادي وتصاعدت الأزمة المعاشية، فذلك سيدفع بالعلويين للبحث عن قيادات جديدة.
بدوره يقول (ف.ل) إنه من المستحيل أن يخرج العلويون بثورة حقيقية ضد بشار كما يفعل جزء لا بأس به من أهل السويداء لأن مشايخ الطائفة ما يزالون متمسكين ببشار رغم التأفف.
كما الخوف والرعب الكبير في الأوساط العلوية من مخابرات أسد ما يزال موجودا.
ما قصة لكن!
ما ورد في شهادة السيدة (ن. و)، حول أسباب عدم تحول انتفاضة العلويين إلى واقع، يعيدنا إلى المقدمة حيث قصة ولكن، فالشاهدة ترد على سؤال لماذا لا يثور العلويون؟ بأن السبب ببساطة هو النكاية.
وتستطرد بالقول " قد يكون الجواب مستغربا، لكنه حقيقيا.. العلويون سينتخبون بشار مرة أخرى . ببساطة لأنه لا يوجد بديل علوي آخر.
وتتابع " العلويون يخافون من أمرين فيما لو قاموا بثورة الآن ضد بشار، الأول الخوف من فقدان الوظائف والميزات في الوضع الجديد، والثاني هو الخشية من الحساب والمساءلة والمحاكمة.
وماذهبت إليه الشاهدة هو ما قاله العلويون العشرة في محضر الجلسة الحوارية باللاذقية المذكور في مقدمة التحقيق، فقد جاء في المحضر حرفيا" إن شخص الرئيس هو أكثر شخص ذي إشكالية وكل الناس تتحدث عنه بسوء ومع ذلك كل الناس ترغب بوجوده.. إن هذا يدل على خوف معظم الناس من المجهول"، والناس المقصودة في المحضر هم "العلويون" الذين كان عددهم في الجلسة 10 بينما حضر ثلاثة من السنة ومسيحيان وإسماعيلي واحد.
أما المحكّمان، الصحفي حاج بكري والباحث الصالح، فلم يخالفا كثيرا، ماذهب إليه الشهود الأساسيون (العلويون)، فرجح الأول أن هذه الصفحات ستكون أقرب للتنفيس منها إلى الحراك الواقعي، معتبرا أن هذا مفيد بحد ذاته للسوريين في الداخل في ظل ما يعانونه من مشاكل ومآسٍ، وربما يتحول إلى شيء أكبر على المدى الأطول، في حين لم يرى الصالح أن الأجواء ملائمة بعد لهذا التحرك الواقعي، لأن هناك جهلا حتى الآن من قبل السوريين بطبيعة المجتمع العلوي وجوهر الصراعات الموجودة فيه ، عشائريا ومذهبيا.
يشار إلى أن جميع الشهود العلويين أجمعوا على أنه لا دور يذكر للمعارضة في ظاهر انتفاضة العلويين الفيسبوكية، ووافقهم الباحث الصالح على ذلك بشدة، غير أن حاج بكري لم يستبعد دورها، وخلال فترة إنجاز التحقيق لم يتم الوقوف على وثائق تثبت فرضية حاج بكري أو تنفي ماذهب إليه الأكثرية.
التعليقات (3)