السبب ليس كورونا.. أمراض الصدر والجهاز التنفسي تتحول إلى ظاهرة في الشمال المحرر

السبب ليس كورونا.. أمراض الصدر والجهاز التنفسي تتحول إلى ظاهرة في الشمال المحرر
اضطرت نسرين كنعان (28 عاماً) لإدخال ابنها تامر ذي الأربعة أشهر المشفى مرتين خلال شهر واحد بعد إصابته بأمراض تنفسية تمثلت بالتهاب قصبات متكررة ونوبات ربوٍ حادة وسعال وارتفاع حرارة صاحبها ضيق تنفس وتراكم مفرزات على الصدر وسيلان أنف، وكل ذلك ليس بسبب كورونا ولكن بسبب كثافة الدخان الناتج عن المدافئ غير الصحية في مخيمات الشمال السوري.

آلاف المصابين

يعتمد معظم سكان المخيمات في إدلب على وسائل التدفئة البديلة كالبلاستيك والنايلون والفحم والبيرين وبقايا النفايات وإطارات السيارات القديمة بعد غلاء أسعار المحروقات والحطب، وعدم قدرتهم على تأمين وسائل التدفئة الآمنة والصحية، ما أجبرهم على اللجوء لتلك الوسائل منخفضة التكاليف، متجاهلين خطورتها الكبيرة على صحتهم، والتي تسببت بإصابة ما يقارب 8 آلاف بأمراض تنفسية.

تقول الكنعان إنها وعائلتها يضعون داخل مدفأتهم ما يمكن أن يجدوه في مكب النفايات القريب من مخيمهم كأكياس النايلون والأحذية المهترئة والقطع البلاستيكية والثياب البالية، ما يسبب " انبعاث روائح كريهة لا تقوى صدور الصغار ولا حتى الكبار على تحملها"، وتضيف " قلما يجد زوجي عملاً، وبالكاد نستطيع تأمين قوت يومنا، فكيف لنا أن نشتري مواد التدفئة المرتفعة الثمن في ظل ما نعيشه من أوضاع مأساوية".

وتوضح أن ابنها تامر راح يعاني من أمراض تنفسية عدة نتيجة الدخان الصادر عن المدفأة، وتُجبر في كل مرة لإدخاله المشفى لتلقي الأوكسجين وجلسات الإرذاذ وأدوية الالتهاب ليتحسن بعض الوقت، ولكنه سرعان ما يمرض ثانية نتيجة الاستمرار باستخدام ذات وسائل التدفئة لدفع البرد عن أجسادهم .

وتزداد الحالات الإسعافية يوماً بعد يوم لسكان المخيمات، الذين يتم نقلهم إلى المشافي القريبة بسبب حالات ضيق التنفس والاختناق الناجمة عن وسائل التدفئة البديلة، ويأتي ذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود، إذ وصل سعر برميل المازوت إلى 150 دولاراً أمريكيا، أما طنّ الحطب فوصل إلى 120 دولاراً أمريكيا، ناهيك عن أسعار البيرين والغاز وقشور الفستق لأناسٍ لا يملكون أدنى مقومات الحياة .

أصيبت أم أحمد الأربعينية بالتهاب القصبات الهوائية وسعال مستمر وراجعت الطبيب مع أبنائها عدة مرات منذ بداية فصل الشتاء هذا العام، وتُرجع سبب مرضها للأدخنة المنبعثة من مداخن المخيم، فتقول "داخل خيامنا المهترئة نضطر لحرق ما يمكن أن نجمعه لتدفئة أنفسنا وأبنائنا من البرد القارس، فنتعرض لدخان كثيف وروائح تجعلنا نختنق، وكثيراً ما نفتح باب الخيمة خلال تشغيل المدفأة لتخفيف نسبة الدخان الموجودة، وحتى حين نخرج من الخيمة لاستنشاق بعض الهواء النقي لا يكون ذلك ممكناً أمام الأدخنة الكثيفة المنبعثة من المداخن الأخرى التي توازي بارتفاعها مستوى الخيام ما يمنع الدخان من الخروج للأعلى بشكل مباشر ".

مخاطر كبيرة

الطبيب الاختصائي بالأمراض الصدرية لؤي الإسماعيل يقول إن هنالك زيادة ملحوظة لعدد الحالات المرضية التي تقصده خلال فصل الشتاء نتيجة استنشاق السواد الأعظم منهم الغازات السامة المنبعثة من المدافئ التي يستعمل أصحابها الفحم والملابس القديمة والمواد البلاستيكية .

ويؤكد أن هذه المواد وما تفرزه من غاز ثاني أوكسيد الكربون هي مواد "مسرطنة للجهاز التنفسي بامتياز"، وغالباً ما تكون خلف الأمراض الرئوية وخاصة الربو والتهاب القصبات المزمن الانسدادي وذات الرئة عند الأطفال والرضع.

وما لفت انتباه الطبيب الإسماعيل هو تكرار حدوث ذات الأعراض لدى المرضى المتعافين بعد فترة قصيرة، ما يدل على استمرار تعرضهم للأدخنة السامة المنبعثة من المدافئ، وهو ما يؤثر مباشرة  على صحة الجهاز التنفسي والقلب كونها مسبب للتصلب الشرياني.

ويلفت بدوره لخطورة الأمر ويدعو جميع المعنيين من حكومات إنقاذ ومؤقتة ومنظمات مجتمع مدني لدعم النازحين والفقراء، وتوفير مواد التدفئة الصحية لهم للحد من أخطار الأدخنة السامة المسببة لأمراض عدة لا تحمد عقباها، على حد قوله.

وبحسب منظمة أطباء بلا حدود والتي استمرت فرقهم ضمن العيادات المتنقلة في مواقع مختلفة من الشمال السوري منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019 بتقديم الاستشارات الطبية إلى حوالي 17 ألف شخص، عانى40 ٪ من المرضى الذين تمت معاينتهم من أمراض الجهاز التنفسي العلوي، بينما بلغت نسبة المصابين بعدوى الجهاز التنفسي السفلي قرابة 13٪.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات