الهلال الشيعي في سوريا بين مراوغة حافظ الأسد وتسهيلات بشار

الهلال الشيعي في سوريا بين مراوغة حافظ الأسد وتسهيلات بشار
 بدأت إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي بنشر المذهب الشيعي في سوريا، إلا أن حافظ أسد كان حريصاً على إيجاد نوع من التوازن الذي ساهم بشكل أو بآخر بتقنين انتشار المذهب وإبقاء الأمر فيما يشبه حركة تبشير سريّة، وفي العلن كان يظهر تقرّبه من شيوخ وعلماء الدين السنّة الذين كان لبعضهم دور الأداة الفاعلة في تثبيت سلطته وإظهاره بصفة القائد المؤمن.

اختلفت الصورة بعد وصول وريثه القاصر بشار إلى سدة الحكم وتوليه السلطة بمباركة من علماء أبيه، خصوصاً بعد سقوط بغداد وما تلا هذا السقوط من لجوء أكثر من مليوني عراقي إلى سوريا، فاستقر غالبية العراقيين الشيعة في دمشق وريفها، وعلى وجه الخصوص منطقة السيدة زينب، لما لها من مكانة دينية، وبدأ نشر التشيّع يأخذ شكلاً علنياً، وقدم نظام أسد التسهيلات لافتتاح مدارس وحسينيات تجاوز عددها 12 حوزة بالإضافة إلى مدارس وكليات وجامعة شيعية ما بين عامي 2001 و2006 وفقاً لبحثٍ نشرته مجلة "المجلة"  عام 20013.

كذلك أدت سيطرة حزب الله اللبناني على القرار السياسي والعسكري في لبنان بعد 2006 إلى نشوء تحالف بينه وبين كل من إيران والنظام في سوريا، مما شجع على المضي قُدماً بنشر المذهب الشيعي، ومحاولة التغيير الديموغرافي في كل من سوريا والعراق ولبنان.

تناولت كثير من الدراسات والأبحاث موضوع التشيّع في سوريا من استلام حافظ أسد السلطة إلى يومنا هذا، غلب عليها الطابع الديني، باستثناء عدة أبحاث ناقشت الموضوع من منظور علمي اجتماعي، رصدت فيه التعداد الحقيقي للشيعة في سوريا الذين لم تتجاوز نسبتهم في كل الأحوال 1% من سكان سوريا وفقاً لبحث " المجلة" المشار إليه أعلاه ، ورصدت بعض الدراسات عدد الحسينيات والمراكز الدينية الشيعية، والتي تجاوزت إلى يومنا هذا أكثر من 900 حوزة وحسينية ومدرسة للغة الفارسية وجامعة بالإضافة إلى حسينيات قيد الإنشاء.

منذ أيام قليلة بدأت إيران بالتجهيز لافتتاح حسينية في بلدة مسكنة شرق حلب التي سيطر عليها نظام أسد والميليشيات التابعة له في تموز 2017، ومن المرجح أن هذه البادرة لن تتوقف هنا فحسب، فطالما هناك وجود إيراني ممتد من الحدود العراقية إلى العمق السوري مروراً بحلب ثم حمص ثم لبنان، سيتم الإعلان عن افتتاح المزيد من الحسينيات والمراكز الشيعية؛ سواء مكاتب عسكرية للميليشيات الموجودة هناك، أو مراقد ومراكز دينية شيعية.

وفي حادثة طريفة ومزعجة على حد سواء، أذكرُ أنه في صيف 2007 زار مدينة منبج رئيس القسم الثقافي في السفارة الإيرانية مع وفد من علماء الشيعة لحضور محاضرة تتحدث عن فضل الإمام علي رضي الله عنه حين مرَّ ذات يوم من مدينة منبج، وتحدث حينها الدكتور -حسب ما قدّم نفسه حينها- في الشريعة الإسلامية علي باشا عن أهمية وفضل هذه الزيارة التي قام بها الإمام علي للمدينة، وقدم بعض الدلائل السخيفة  التي تدلّ -حسب اعتقاده- أن منبج كانت مدينة شيعية ولابد لها أن تعود من جديد إلى الحضن الشيعي وآل البيت.

وبالطبع كانت السفارة الإيرانية في سوريا تستقطب المشايخ ووجهاء القبائل والمثقفين بالدرجة الأولى عن طريق الهدايا والحوافز والمناصب مقابل كسب ودّهم لخدمة مشروعهم في التغيير الديموغرافي في سوريا.

ولا يخفى على أحد أن سياسة نشر المذهب الشيعي أو الحملات التبشيرية الشيعية، جاءت بقرار سياسي من رأس السلطة في دمشق، وتحديداً في مدينة دمشق ومحيطها، كما هو الحال في منطقة السيدة زينب التي تحولت إلى أهم معاقل الشيعة في سوريا، أو في المنطقة الشرقية في سوريا مثل  مدينة الرقة التي نشطتْ فيها حركة التشيُّع في العام2006-  2007 والتي موّلت فيه إيران بناء مجمع ومسجد وفنادق ومطار، بل وبدأت بإعطاء حوافز مالية لكل عائلة تنتسب للمذهب الشيعي آنذاك وبعض مناطق دير الزور مثل حطلة والحسينية التي شهدت حركة تشيع واسعة وانتشاراً للحوزات والمساجد في الفترة ذاتها.

وبقدر ما هو ضروري أن نستذكر هنا التاريخ وحوادثه، بقدر ما نحمّل اللوم والمسؤولية على من يدّعون أنهم يمثلون أبناء المنطقة الشرقية من شيوخ قبائل ووجهاء ومثقفين، باعوا كل ما يملكون في سبيل التطبيل والدبك في الصف العامر لنظام أسد وإيران، وسيدفع أبناء المنطقة الشرقية ثمن هذه العمليات التي تستهدف بالدرجة الأولى القضاء على الحاضنة الشعبية للثورة السورية في تلك المنطقة التي ثارت بوجه النظام ومخططاته، خصوصاً أنّ أغلب هذه المناطق خرجت عن سيطرة نظام الأسد منذ منتصف 2012، وبالتالي يعمل النظام وإيران على تشويه تاريخ وحاضر هذه المنطقة ذات الغالبية العربية السنية، كما فعلَ ويفعل في كل منطقة يسيطر عليها بدءًا من التهجير والتدمير، إلى مصادرة الأراضي والأملاك وتحويلها إلى حواضن لإيران وميليشياتها من العراق ولبنان افغانستان.

من هنا ينبغي التأكيد على أنّ سقوط نظام أسد هو سقوط للمشروع الإيراني في سوريا والمنطقة، لأن مشروع الهلال الشيعي قرار سياسي مرتبط بالمنظومة الأمنية الحاكمة في سوريا، لذا، وكما هو معلوم للجميع فقد سارعت إيران ومنذ بداية الثورة في سوريا إلى إخمادها والسيطرة عليها، من خلال المجرم قاسم سليماني الذي زار دمشق بعد انطلاق ثورات الربيع العربي للتخطيط لما هو قادم، وكما صرح حسن نصر الله أنه كان ملازماً لبشار الأسد منذ انطلاق الثورة يخطط ويعطي الأوامر لدمشق للحيلولة دون انتصار الثورة السورية.

وما لم يسقط نظام أسد فإن ما يحصل الآن في سوريا من احتلال للمدن والبلدات واغتصاب ومصادر الأراضي وتهجير جماعي للعرب السنّة، فإن هذه الإجراءات ستترك جرحاً عميقاً على الخارطة السورية، وتشكّل خطراً على الهوية العربية والإسلامية في المنطقة، وليس مستبعداً أن تذهب إيران إلى ما هو أبعد من نشر التشيع وإتباع المنطقة لها مذهبياً، بل قد تعتبرها من بقية أملاكها، وبالطبع فإن النظام الخادم لها سيقول آمين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات