في دراسة لمركز أبحاث أمريكي: كارثة بيئية تنتظر سوريا بعد الحرب إن لم نتحرك جميعاً

في دراسة لمركز أبحاث أمريكي: كارثة بيئية تنتظر سوريا بعد الحرب إن لم نتحرك جميعاً
بعد مضي ما يقارب العقد على الصراع الدائر في سوريا، بدأت الأضرار البالغة التي لحقت بالبيئة في الظهور كمأساة مدمرة أخرى، وإن لم تكن مرئية، جراء الحرب التي شنها نظام أسد على الشعب السوري. إذ تفاقم التربة والمياه الملوثة معاناة المدنيين الشديدة أصلا، وتقوّض قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتعرض مستقبل البلاد للخطر ، في مرحلة ما بعد الحرب. 

ومع أن الحرب في سوريا بعيدة كل البعد عن نهايتها، إلا أن الأضرار البيئية الجسيمة سوف تشكل تحديات لا يستهان بها لتعافي البلاد بعد انتهاء الصراع في نهاية المطاف. إذ يشدد خبراء سوريون ودوليون على الحاجة الملحة لمعالجة التبعات البيئية السلبية –وإلا فإن الخسائر والعواقب الإنسانية المترتبة على ذلك ستغدو أشد وطأة.

تقول مروة الداودي، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، التي تركز أبحاثها على السياسة البيئية والأمن البيئي في سوريا: إن "تحديد تأثير الضرر البيئي أمر مهم للغاية، إذ لا يدرك الناس على الدوام حقيقة استمرار هذا التأثير بعد مرحلة توقف النزاع المسلح".

في الواقع الفعلي، أثرت الحرب في سوريا، التي بدأت عام 2011 على شكل انتفاضة ضد حكم بشار الأسد الاستبدادي، في شتى الجوانب البيئية. ومنذ ذلك الحين، تسببت مجموعة من الدول واللاعبين المشاركين في النزاع –بما في ذلك ميليشيات الأسد، والميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية والأفغانية واللبنانية المرتبطة به، والميليشيات الكردية، والجماعات الإرهابية مثل (داعش)- في أضرار بيئية على مستويات متفاوتة. 

إضافة إلى أن الهجمات المتكررة التي استهدفت آبار ومصافي النفط والمنشآت الصناعية، أدت إلى تلويث التربة، والماء، والهواء في سوريا. وفي غياب الإدارة البيئية جراء الصراع، كثيراً ما تطرح المخلفات الكيميائية والنفايات السامة في مياه البحيرات والأنهار، بينما تسارعت وتيرة اجتثاث الغابات والأحراج باطّراد. وبالفعل، انكمش القطاع الزراعي السوري، الذي طالما كان أحد ركائز اقتصاد البلاد قبل الحرب، بنسبة تجاوزت 40% من حيث القيمة الحقيقية. ويبدو أن صدى الإرث المسموم للحرب، الذي سيخلفه العتاد العسكري والذخائر غير المنفجرة إضافة إلى كميات هائلة من الأنقاض الخطرة، سيكون مدوياً لفترة طويلة بعد انتهاء النزاع، مع تداعيات خطيرة تهدد صحة السوريين وسبل عيشهم. 

ينشأ واحد من أخطر الآثار البيئية المدمرة بوجه خاص نتيجة "عسكرة المياه وتحويلها إلى سلاح". إذ حاولت الدول واللاعبون المتورطون في الحرب السورية على حد سواء، طوال فترة الصراع، اكتساب ميزة عسكرية عبر استهداف الخزانات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، أو عبر تحويل مسار المياه أو تخزينها.

ونتيجة لهذه الأساليب، يصعب على نحو 15.5 مليون سوري، أي أكثر من 90 في المئة من السكان، الوصول إلى مصادر المياه الآمنة، وذلك وفقاً للأمم المتحدة، ما يضاعف مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية التي تنتقل عبر المياه الملوثة. 

ويواجه سكان سوريا عدداً كبيراً من المخاطر الصحية البيئية الحادة والمزمنة على المدى الطويل، وذلك نتيجة مصادر المياه الملوثة، والتلوث، والمواد الكيميائية السامة. هنالك أيضا مضاعفات وعواقب أخرى ستبقى مدة طويلة، إلا أن تداعياتها على الصحة العامة ليست ملموسة بالقدر ذاته، وهي تنتج عن فقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة، وفقا لويم زويننبيرغ، مدير المشاريع في منظمة  "PAX" الهولندية غير الحكومية.

يقول زويننبيرغ إن التأثيرات البيئية للحرب "يمكن أيضا أن تسبب عواقب ضارة تهدد قدرة البلاد على مواجهة التغيير المناخي". على سبيل المثال، تقدر منظمة “PAX” أن نسبة تقارب 25 % من الغطاء النباتي في سوريا قد اختفى في أثناء الحرب، ودمرت معه مصارف التخلص من غاز الكربون الحاسمة الأهمية. وهذا يؤدي أيضا إلى تدمير النظم البيئية المحلية وجعلها أقل تنوعا ومرونة وقدرة على التكيف. ونتيجة لذلك كله، تصبح المجتمعات المحلية أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، بما في ذلك تآكل التربة والجفاف والتقلبات الجوية الشديدة. 

لهذا كله تداعيات خطرة على الشكل الذي ستتخذه سوريا في نهاية المطاف عقب انتهاء الحرب. إذ تعد البيئة الصحية أمرا جوهريا في دعم أولويات إعادة الإعمار والتعافي، وذلك بدءاً بتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية كالأمن الغذائي، وصولاً إلى الرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية. كما ستكون إعادة تشييد البنية التحتية للمياه واستعادتها أمراً حيوياً للغاية نظراً لدورها الحاسم في دعم الحياة. 

في هذا السياق، تقول إريكا وينثال، أستاذة السياسة البيئية في جامعة ديوك، إن "توفير المياه والخدمات الأساسية سيكون ضمن أهم الأولويات الإنسانية بعد انتهاء الحرب. وإذا ما لم يتم معالجتها، سيكون من الصعب فعلا مباشرة أعمال إعادة الإعمار". تناول بحث وينثال استهداف البنية التحتية للمياه، والصرف الصحي، والنفايات والطاقة، باعتباره سلاح حرب منتشراً بشكل متزايد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى التداعيات طويلة الأمد على حل النزاعات والتعافي.  

لم يطرح نقاش حول أهمية تأمين المياه النظيفة للاستقرار والرفاه الاجتماعي. لكن باعتبار ذلك منفعة عامة لا تدر دخلا حقيقا، "لا توجد لدى المجتمع الدولي نية للاستثمار في استعادة أنظمة المياه"، كما تشرح وينثال. وبالتالي، تميل الجهات المعنية في العديد من البلدان التي تضررت جراء النزاعات إلى الاعتماد على الصناعات الاستخراجية كالنفط والغاز والمعادن والأخشاب، لأنها أسهل في توليد العائدات. بينما لا يتم النظر إلى "مصادر سبل العيش الأخرى كالمياه، والأراضي، والقطاع الزراعي على وجه الخصوص، بالطريقة ذاتها مع أنها، في الواقع، أكثر أهمية للأمن البشري". 

ولأن الصراع في سوريا حال دون وجود أية إجراءات ميدانية منهجية لقياس الأضرار البيئية، يظل من غير المعروف الحجم الكامل لهذه الأضرار، ويصبح الحصول على بيانات موثوقة تحدياً كبيراً. 

يقول زويننبيرغ: "أولاً، يجب تحسين مراقبة وتقييم التأثيرات البيئية، مما يساعد في تحديد أولويات الاستجابة للأضرار البيئية وفهم نوع المساعدة المطلوبة".

وعلى الرغم من التكاليف الباهظة للضرر الذي لحق بالبيئة في سوريا، يحذر الخبراء من حقيقة أن الضرر البيئي يجب أن يزاحم مجموعة من أولويات التعافي الأخرى في سوريا من أجل جذب الاهتمام والتمويل.

وبشكل عام، هناك حاجة إلى نشر مزيد من الوعي -بين السوريين والمنظمات غير الحكومية الأجنبية والجهات المانحة للمساعدات- بما يعنيه الدمار البيئي في سوريا للبلاد الآن وللأجيال القادمة. يمكن للمانحين المساعدة، كما تقول الداودي، عبر التمويل المشروط الذي يضمن إعطاء الأولوية للبيئة بطريقة تدعم الأمن البشري.

قبل كل شيء، يتعين على المانحين الدوليين التأكد من أن الإغاثة والموارد التي يقدمونها ستعزز صمود المجتمعات المحلية السورية -وليس نظام الأسد. ونظراً لأن جذور الصراع متعلقة إلى حد بعيد بتوازن القوى المختل والموارد غير المتكافئة في المجتمع السوري، يجب أن يعالج التعافي النهائي بعد الحرب حالات عدم المساواة هذه. وإلا سيكون من الصعب تحقيق سلام طويل الأمد في سوريا.

وتضيف الداودي: "إذا لم نعالج القضايا الهيكلية، لن نصل إلى المساءلة والمحاسبة. وسيعد ذلك بمثابة وضع الضماد على حالة معقدة وإشكالية بلغت درجة الغليان، ولن يكون حلاً مستداماً بالتأكيد".

التعليقات (1)

    علاء كميان

    ·منذ 3 سنوات شهر
    علاء كميان
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات