كيف تغلبت إدلب على خسارة أراضي ريفها الجنوبي.. وكيف ساهم النازحون والبيوت البلاستيكية بإيجاد حل للمواسم الزراعية؟

كيف تغلبت إدلب على خسارة أراضي ريفها الجنوبي.. وكيف ساهم النازحون والبيوت البلاستيكية بإيجاد حل للمواسم الزراعية؟
بعد الهجمة العسكرية الأخيرة لميليشيات أسد الطائفية والاحتلالين الروسي والإيراني منتصف عام 2019م ، وسيطرتها على مساحات جغرافية واسعة أغلبها من الأراضي الزراعية الخصبة، خرج عن الاستثمار الزراعي ما يقارب 47,000 هكتار من الأراضي، وانخفض إنتاج الحبوب والبقوليات الغذائية إلى أدنى مستوياته بشكل عام في مناطق ريفي إدلب وحماة، وخرجت مساحات مروية واسعة في ريف حلب الجنوبي من التي تنتج محاصيل الخضار الورقية كـ "البصل والبقدونس والفجل الثوم" عن نطاق السيطرة، الأمر الذي شكلّ عبئاً على كاهل آلاف النازحين الذين كانوا يعتمدون بشكل مباشر على إنتاج أراضيهم، وأدى لارتفاع أسعار الخضروات والحبوب، الأمر الذي استوجب حلاً بديلاً للنهوض بهذا الواقع الصعب على نحو مختلف. 

النازحون يزرعون الأراضي المشاع!

حتى الأمس القريب كان يعتبر الشمال المحرر من المناطق الصناعية الناهضة، وخاصةً بعد استقطاب رؤوس الأمول النازحة إلى مناطقه واستثمارها صناعياً، وكان الوضع الزراعي ضعيفا إلى حد ما، بسبب الاقتصار على الإنتاج الذاتي من أجل تحقيق الاكتفاء الاستهلاكي فقط، والاعتماد على مواسم زراعية محدودة، 

لكن قدوم عشرات آلاف النازحين إلى المناطق المحررة أسهم باستثمار الأراضي الزراعية وحتى الجبلية منها، ومايعرف بالمشاع، من أجل إنتاج محاصيل جديدة وخاصة القمح والشعير، مستغلين الحاجة الماسة لها، وخبرتهم السابقة كون أغلبيتهم من المزارعون الذين تركوا أراضيهم مرغمين، ولجؤوا إلى فكرة البيوت البلاستيكية لتعويض النقص الزراعي العام في المنطقة المحررة وتسريع وتيرة الإنتاج.

 بحسب (حسين العباس)  الذي يعمل مهندساً زراعياً وصاحب أحد مشاريع البيوت البلاستيكية في ريف إدلب "أوجدت البيوت البلاستكية توازناً اقتصادياً ما بين المحاصيل البعلية التي كانت تزرع بمناطق ريفي حلب وإدلب وصولاً لمناطق الباب وجرابلس، وزراعة الخضروات التي يؤمنها البيت البلاستيكي، وبالتالي تأمين المحاصيل المختلفة وبأسعار ثابتة لدرجة كبيرة".

المراحل.. والصعوبات

المهندس (العباس) تحدث أيضا عن المراحل والصعوبات قائلاً "معدات الزراعة المحمية أو البيوت البلاستيكية تبدأ بقناطر الحديد وعملية الحدادة والدهان وثم تغطيتها بالنايلون الزراعي وتزويدها بالمدافئ والإنارة الخاصة والفلين الزراعي والتربة الزراعية، حيث يبلغ تكلفة البيت الواحد بطول 40م وعرض 20م حوالي 1300دولار أمريكي  مع مراعاة اختلاف سعر الصرف، ويتم خلق جو اصطناعي مناسب لتقوية الشتل للزراعة المبكرة وتجهيزها للزراعة بالأرض الدائمة ضمن دورة زمنية حوالي 40 يوماً للمحصول الواحد، الأمر الذي يسهم في طرح أكثر من موسم في العام الواحد وضخ أكثر للإنتاج في الأسواق والانتقال من مرحلة الاستيراد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ثم  الانتقال لاحقا إلى مرحلة التصدير" .

وحول أهم الصعوبات أجاب (العباس)  "التكلفة المادية المرتفعة لاستيراد المواد الأولية كونها جميعها مستوردة وخاصة التربة الزراعية ألمانية المنشأ لاحتوائها على مواد عضوية وأسمدة مفيدة جداً، ناهيك عن ارتفاع أسعار البذور الهجينة المستوردة من تركيا وألمانيا وأمريكا وأسعار المحروقات التي نستهلكها كثيراً وخاصة مع موجات البرد والصقيع الذي يعتبر من أسوأ الصعوبات والمخاطر التي تهدد بتلف المحصول الزراعي.

اليد النسائية العاملة

تحتوي البيوت البلاستيكية على  أصناف  زراعية  متعددة تشمل كل الاحتياجات الأساسية في السوق لتلبية الطلب المتزايد على الحبوب والخضار والفواكه في ظل الكثافة السكانية العالية.. وبحسب (حاتم الجمال) المزارع النازح من ريف حماة الشمالي فإن " البيوت البلاستيكية تشمل كل المزروعات والأصناف  بشكل عام، كالبندورة والخيار والبطيخ والفليفلة والباذنجان، والتي لا تُزرع في الوقت الحالي في الأرض الدائمة، إضافة لشتلات الأشجار المثمرة بكافة الأنواع، وأزهار الزينة وبعض الصباريات والفسائل الحراجية.

وتتطلب البيوت البلاستيكية يدا عاملة كثيرة وخاصةً من النساء، حيث يحتاج العمل إلى خمسة عشر عاملا وأحياناً أكثر بحسب الطلب المتزايد أو "زركرة العمل" ويبدأ نشاط البيوت البلاستيكية من الشهر الأول وحتى الشهر العاشر من كل عام، ويُوزع بعدها على المساحات الزراعية المختلفة وبكميات متفاوتة موصى بها سابقاً".

البيوت البلاستيكية تتحدى

أهم ما يميز الزراعة المحمية هي إكسابها عمرا متقدما، كون البيت البلاستيكي يؤمن سلامة الشتل في ظروف جوية مضمونة وتقويته بالأسمدة والجو المناسبين، لإنجاح الإنتاج في مرحلة التنزيل في الأرض الدائمة، وحول هذا الأمر تحدث (علي معراتي) المزارع النازح من ريف إدلب الجنوبي لأورينت نت قائلاً: "عادةً ما تتم الزراعة التقليدية بالشهر الرابع، تفادياً لموجات البرد والصقيع، ونستغل تلك الشهور الأربعة بتجهيز الشتول بالبيوت البلاستيكية ضمن جو ملائم  مصطنع ونزرعها مباشرة بالأرض بعمر متقدم عن نظيرها بحوالي أربعين يوماً، ويكون الاهتمام بمساحات البيوت البلاستيكية أسهل وأوفر من الاهتمام بالمساحات التي تغطيها من الزراعة التقليدية".

ويرى المهندس (حسين العباس) الذي  يبدو مشغولا بفكرة تحدي استيلاء ميليشيات أسد الطائفية على الأراضي الزراعية في المناطق المحررة وقضمها.. يرى أن " البيوت البلاستيكية تعتبر حلا ناجعا لمواجهة سيطرة ميليشيا أسد على الأراضى الزراعية في أرياف إدلب وحماة وحلب"، ويوضح ذلك من نقاط عدة أهمها: 

1- تضييق المساحة الزراعية المُهتم بها ، فعلى سبيل المثال 500م ضمن المشتل كفيلة بتغطية 20هكتارا أو أكثر من أراضي الزراعة الدائمة

2- خلق أجواء المنافسة القوية لأماكن سيطرة نظام أسد، من حيث الجودة والوفرة والسعر المناسب، 

3- التحول إلى التصدير بدلاً من الاستيراد كما حصل في محصول البندورة على سبيل المثال لا الحصر.

التحسن الملحوظ

الجدير بالذكر أن تحسناً ملحوظاً شمل الواقع الزراعي في الشمال المحرر ، بالرغم من ضيق المساحة الجغرافية فيه نسبياً نتيجةً لزيادة ظاهرة البيوت البلاستيكية وسرعة إنتاجها لأكثر من موسم بالعام الواحد، في حين يبقى "صحن السَلَطَة" حلماً للقاطنين في حضن الوطن، المثقلين بالأزمات والذين بات توفّر صحن السلطة  - كما غيره من مقومات الحياة البسيطة -  مظهر رفاهية لكثير من الأسر هناك.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات