سوريا: ممارسة الأدوار السلطوية بسلطة تتهاوى

سوريا: ممارسة الأدوار السلطوية بسلطة تتهاوى
لا شكّ بأنّ مصطلح المعارضة السياسية يُشير إلى عدم الرضا عن سياسات وأفعال الهيئة الحاكمة، والوقوف في الجهة المضادة لها لتقديم الأفضل لشعوبهم وفق برامج سياسية واجتماعية واضحة، وهذا النموذج يوجد غالباً في الأنظمة الديمقراطية التي تسمح للمعارضة بممارسة حقوقها داخل الدولة. 

أما في الأنظمة الديكتاتورية تُمارس المعارضة دوها خارج البلد أو بشكل سري داخلهُ، لكنها – أي المعارضة- تبقى تعمل ضمن برامجها السياسية التي حددتها لنفسها.

وإذا أسقطنا هذا التعريف على المعارضة السورية نجدُ أن الفرق شاسع، لا بل يكادُ يكون معدماً من ناحية البرامج والأهداف والتطلعات والرؤى التي تفتقدها هذه المعارضة، وأنّ هذا التعريف السابق لا ينطبق على بعض من نصّبوا أنفسهم كمسؤولين في المعارضة السورية منذُ اندلاع الثورة السورية إلى يومنا هذا، فهم لا يوفرون مناسبة أو نشاط ليظهروا مدى تعطشهم لممارسة الأدوار السلطوية، لا بل ذهبوا إلى حد تقليد مسؤولي النظام الفاقد للشرعية في هذه الممارسات، ضاربين بعرض الحائط مآسي الشعب السوري الثائر الذي منحهم في البدء شرعية تمثيله في المحافل الدولية لتحقيق مطالبهم في الحرية والكرامة بعد انطلاق الثورة السورية .وبدأت هذه المعارضة تفقد شرعيتها شيئاً فشيئاً على المستوى الشعبي و المستوى الدولي. 

قبل أكثر من عامٍ ونصف وفي إحدى الفعاليات الثقافية التي من غير المستغرب أن يوجد فيها عدد كبير من نشطاء الثورة وسياسييها ، ومن غير المستغرب أيضاً أن يتصدر أحد أعضاء ائتلاف قوى المعارضة السورية قاعتها، ويتحلق به  من هب ودب من الحضور ليلتقطوا صوراً تذكارية تثبت أنهم في يوم ما وقفوا قبالة هذا الرجل أو بجانبه -علماً أن السيد عضو الائتلاف لا يمت للثقافة والمثقفين بصلة – إلا أنه لم يرغب بتفويت فرصة إظهار  اهتمامه ورعايته وسعة أفقه للجماهير، لكن ما يدعو للاستغراب حينها مشهد تربعه على عرش القاعة ودخول فرقة أطفال للترحيب به بوصلة أهازيج ورقص وتمجيد على طريقة " طلائع البعث "، ومن المؤكد أنّ السيد المسؤول كان راضياً كل الرضا عن هذه الفعالية ومنظميها وطريقة الاستقبال الحافل به، ومن المؤكد أيضاً أنه سيعيد الكرة متى ما سنحت له الفرصة، متناسياً وجود أطفال من أبناء شعبه يعانون الفقر والحرمان خارج جدران القاعة، وقد ظهر رضاه عن نفسه وعن منظمي الفعالية، بالتصفيق البارد تارة وبضم كلتا يديه كتعبير عن التحام المسؤول بشعبه تارة أخرى. 

وليس ببعيد عن هذا المشهد أطل علينا قبل أيام رئيس الائتلاف السوري المعارض، خلال زيارته إلى الأراضي المحررة في الشمال السوري، حيثُ تمّ استقباله بمراسم عسكرية مهيبة، لم تخرج عن البروتوكولات الرسمية قيد أنملة، وكي لا يبخس المراسم حقها، قام السيد الرئيس باستقبال مندوبي وسفراء المناطق " كما تم تسميتهم "، وقد وضع حجر الأساس لمستشفى في منطقة عفرين بريف حلب، ولم ينهِ زيارته إلا بتفقد أحوال سكان المخيمات، كما لم ينسَ الكادر الإعلامي المرافق لسيادته، التقاط الصور مع المنكوبين، بخطوات تعارك الوحل.

وهنا يأتي التساؤل: هل كان ينبغي أن يقوم السيدُ بوضع حجر أساسٍ لمرفق عام في مخيم اللاجئين، أم كان الأجدرُ به أن يسعى بكل جهده لإنهاء مأساتهم والعمل على عودتهم لمنازلهم المغتصبة من قبل نظام أسد وحلفائه؟! 

ولم يكن أيضاً للمؤسسة العسكرية التابعة للمعارضة نصيب أقل من غيرها، وفي هذه الحالة توجد أمثلة كثيرة لسنا بصدد إعادة طرحها.

ولن نقف عند ممارسات شخصياتٍ معارضة لأدوار السلطة المفقودة منها، فهي أكثر من أن تحصى في مقال واحد، وكما أنها لم تقتصر على تلك الشخصيات فقط بل لمسناها في جميع من فرضوا أنفسهم كقوى " الأمر الواقع "، فعلى الضفة الأخرى شاهدنا الاستعراض العسكري الذي خرج به " حسام القاطرجي " عضو مجلس الشعب وقائد إحدى الميليشيات الرديفة لقوات النظام، والذي رأى فيه مراقبون؛ رسالة إلى حلفائه، كي يثبت حضوره على خارطة النزاع السورية، كما لا يخفى على أحد تهافت الميليشيات الأسدية على اقتطاع مساحات نفوذ لها، حتى على حساب بعضها البعض، لتكون بمثابة أسواق لترويج تجارتها ولنشر أيدلوجياتها الفكرية والدينية.    

وهنا أيضاً يطول إحصاء الممارسات السلطوية، فانشغال وسائل إعلام النظام ووزارة خارجيته منذ مدة، بزيارة وفد دولة أبخازيا (العريقة) بين مزدوجين، والمراسم التي استقبل بها الزوار، توحي بأن أبخازيا قطبٌ يقفُ العالم له على قدم واحدة، وحصل ذلك بالرغم من عدم اعتراف أية دولة أو كيان بمشروعية نظام الحكم في سوريا وبدولة أبخازيا ككيان مستقل، كما لا ننسى انتصار مسؤولي النظام على الأزمة الاقتصادية بتدشينهم لآلة صرافة مالية، وخروجهم من العزلة الدولية المفروضة بافتتاح أول كشك للتحويلات المالية والشحن. 

وعندما شملنا قوى الأمر الواقع، فهذا ينطبق بالطبع على الجميع وبلا استثناء، فقوات قسد ليست أقل حضوراً من غيرها في هذا الأمر، فلا تكادُ تمرُّ مناسبة رسمية أو غير رسمية حتى تطل علينا قيادات" قسد " وعناصرها، بمراسم ومجالس واستقبالات، للاستثمار فيها إعلامياً على المستوى المحلي والدولي، وللحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية، لإبقاء مشروعهم قائماً إلى حين أيجاد حل سياسي يكونون جزءاً منه. 

وإن خروج تقرير مصير سوريا من يد السوريين ووقوف المجتمع الدولي والهيئات الأممية بموقف المتفرج على الكارثة، بالإضافة لرغبة الدول المتحكمة في إحلال الفوضى، جعل من فرض سلطة الأمر الواقع على امتداد الخارطة السورية أمراً ليس بالصعب تطبيقه.

ومن غير الصائب إدراج هذه الأفعال تحت بند الانفصال عن الواقع، لأنها تكريس واضح لمفهوم اغتصاب السلطة وممارستها بعيداً عن مشروعية أو توقيت هذه الممارسة، بالإضافة إلى الحالة التي يعيشها الشعب ضمن مناطق سيطرة القوى المختلفة، فبدل أن تشتغل هذه القوى على إثبات وجودها من خلال تقديم الخدمات والرعاية للمواطن المقيم في مناطق سيطرتها، ذهبوا نحو تثبيت موطئ جلوس لهم على سدة حكم لم يأتِ بعد. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات