السوريون يحيون ظاهرة نشر الكتاب العربي في تركيا ويتحررون من رقابة مخابرات الأسد!

السوريون يحيون ظاهرة نشر الكتاب العربي في تركيا ويتحررون من رقابة مخابرات الأسد!
تنتشر المكتبات العربية في عدة مناطق بمدينة إسطنبول إلا أنها تتركز بشكل كبير في منطقة الفاتح التاريخية، حيث لا يكاد يخلو طريق أو شارع من مكتبة، لدرجة أنها أصبحت ظاهرة واضحة للعيان.

ونظرا للمكانة التي يحتلها الكتاب لدى عشاق القراءة فإن المكتبات ودور النشر في الفاتح أصبحت مقصدا ووجهة للباحثين عن الكتب العربية بمختلف مواضيعها سواء كانت سياسية، تاريخيّة، روائيّة أو سيَرا ذاتية عن بعض الشخصيات المؤثرة.

ولكن ما الذي جعل أصحاب المكتبات العربية يختارون هذه المنطقة دون غيرها؟ ولماذا اختار هؤلاء هذا المشروع الثقافي في زمن تنحسر فيه الأضواء عن الكتاب وتضعف فرص تسويقه؟ وكيف استطاعوا أن يتغلبوا على واقع النشر باللغة العربية في بلد لا يتكلم العربية أصلا؟ ولماذا يتهمهم البعض باستغلال حاجة السوريين لكتب الأطفال التعليمية؟ 

كل هذه التساؤلات دفعتنا لفتح ملف المكتبات العربية في إسطنبول، ولقاء عدد من أصحاب هذه المكتبات ودور النشر وأغلبهم من السوريين

  • افتتاح مكتبة في زمن افتتاح المطاعم

 إبراهيم كوكي صاحب مكتبة ودار نشر "كتاب سراي"، قال لأورينت نت جوابا على سؤالنا هذا حول أهمية افتتاح مكتبة في هذه الأيام:  "إن هناك عدة أسباب دفعتني لافتتاح مكتبة منها: محاولة تغيير الفكرة السائدة بأن معظم السوريين لا يهتمون إلا بالمشاريع التي تتعلق بالطعام، ولذلك قررت أن يكون مشروعي مختلفا من خلال افتتاح مشروع ثقافي، وبما أننا لم نعد مجرد لاجئين كما أن وجودنا في تركيا لم يعد حالة مؤقتة بل أصبح حالة استقرار قررت أن تكون المكتبة جزءا في هذا المجتمع وترفده الجالية العربية بالكتب.

وأضاف كوكي أن من الأسباب الذي دفعته أيضا ودفعت معظم أصحاب المكتبات لاختيار منطقة الفاتح: "الفاتح فيها سوق قديم للمكتبات التركية وتبيع كتبا عربية دينية، كما يوجد فيها جالية عربية كبير"، متوقعا أن إقبال أصحاب المكتبات على الفاتح له علاقة أيضا بالموضوع المادي لأن المكتبة بالنهاية مشروع تجاري ونسب المخاطر فيه تكون كبيرة إذا لم يتم اختيار المكان المناسب.

  • أبناء المهنة ذاتها

وأوضح أن معظم من فتحوا مكتبات في إسطنبول كانوا في الأصل يعملون بهذا المجال في سوريا ولديهم خبرة جيدة، وأنه هو أيضا لديه خبرة بهذه المهنة، مؤكدا أن العمل في المكتبات يحتاج إلى خبرة كبيرة كما أن هناك بعض الصعوبات لمن يريد أن يفتح مكتبة بتركيا لأن الظروف الحالية تختلف عما كانت عليه في سوريا فمثلا هناك عملية الشحن والجمارك والضرائب وفترة وصول الكتاب واختلاف الذائقة عن الجمهور. 

ويرى كوكي أن ظاهرة انتشار المكتبات العربية في منطقة واحدة كالفاتح ليست ظاهرة سلبية بل على العكس يعتبرها مؤشرا جيدا ثقافيا وفيها فائدة للجميع.

من جهته، أشار عمار عبد الخالق صاحب "دار إتقان" للنشر إلى أنه رغم عمله في مجال المكتبات منذ 20 عاما إلا أنه كان متخوفا في البداية من افتتاح مشروع مكتبة في تركيا بسبب اختلاف اللغة ولكنه قرر في النهاية المضي قدما بهذا الأمر.

  • حاجة السوق

عمار عبد الخالق يعتقد أن سبب انتشار المكتبات العربية في الفاتح هو حاجة السوق حيث أن الجالية العربية كبيرة فيها وهناك طلب على الكتاب، منوها إلى أن الموضوع المادي وطلب الرزق من الأسباب التي دفعت الكثيرين إلى فتح مكتبة بالفاتح.

وبيّن أن انتشار المكتبات العربية في الفاتح وكذلك تأسيس العديد من دور النشر في تركيا ظاهرة جيدة، لافتا إلى أن أغلب من يعمل بهذه المكتبات هم من أصحاب الخبرة سابقا بهذا المجال.

أما زاهر بصبوص صاحب "دار الشامية" للنشر فيعتبر منطقة الفاتح استراتيجية لأنها مركز المدنية ونقطة التقاء مهمة، وتجمع كبير للسوريين، ولذلك من الطبيعي أن يتم افتتاح عدد كبير من المكتبات العربية فيها، منوها إلى أن السبب المادي يأتي في المقدمة الأسباب لفتح مكتبة بمنطقة الفاتح.

ورغم إقرار بصبوص بأن افتتاح المكتبة يحتاج إلى خبرة إلا أنه يختلف بالرأي مع من يقول إن أصحاب الخبرة هم فقط من يمكنهم فتح مكتبة، مشيرا إلى أنه بإمكان أي شخص مهتم بالثقافة أن يفتح مكتبة إلا أنه سيواجه صعوبات في عملية توريد الكتب بالطريقة الصحيحة والحصول على الأسعار المناسبة.

  • هل تلبي حاجة العرب للكتاب؟

أما بالنسبة لتلبية المكتبات لاحتياج الجالية العربية لا سيما السوريين للكتاب، فقد لفت كوكي صاحب مكتبة "كتاب سراي" إلى أن المكتبات العربية تحاول أن تلبي حاجة الجالية العربية الموجودة في تركيا، منوها إلى أن تلبية هذه الحاجة ممكن عن طريق التخصص كأن تختص مكتبة أو دار نشر بنوع معين من الكتب كـ "الكتب الدينية أو التراث أو الفكر أو السياسة أو الطفل.. إلخ".

وأكد أنه رغم وجود مكتبات عربية كبيرة مليئة بالعناوين المنوعة واستمرار عملية شحن الكتب إلا أن الطلب دائما أكبر مما هو موجود لأن ذائقة الناس متنوعة ولا أحد يمكنه أن يلبي جميع طلبات واحتياجات القراء.

في حين يعتقد عبد الخالق صاحب "دار إتقان" للنشر أن المكتبات العربية بعد مرور خمس سنوات أصبحت تلبي نسبة كبيرة جدا من احتياجات الجالية العربية في إسطنبول.

  • أسعار الكتب: تجارة مشروعة أم استغلال؟!

يتهم بعض السوريين المقيمين في إسطنبول المكتبات العربية باستغلال حاجتهم لتعليم أبنائهم اللغة العربية.. فهم يرون أن بيع الكتب التعليمية بالذات يتسم بأسعار مرتفعة.. وجوابا على هذه النقطة بيّن إبراهيم كوكي أن المكتبات تحاول أن تلبي حاجة الناس فيما يتعلق بتعلم اللغة العربية، ولكن موضوع تحقيق الأرباح متعلق بدار النشر فالمنتج عندما يتم طباعته في تركيا يكون سعره مختلفا عن المنتج القادم من الخارج فهناك جمارك ورسوم عالية، كما أن مصدّري الكتاب في الدول المجاورة لا سيما لبنان ومصر يبيعونه لتركيا بالدولار ولذلك يرتبط سعر الكتاب القادم من الخارج بالدولار.

بدوره، نفى عمار عبد الخالق أن يكون هناك استغلال لحاجة الناس لكتب تعلم العربية قائلا: "إن ما يحدث هو العكس حيث أن وجود عدد كبير من المكتبات خلق جوا من التنافس فيما يتعلق بالأسعار وهذا الأمر كان بصالح المشتري، مضيفا أنه ليس هناك أي استغلال لكتاب الطفل وارتفاع أسعار بعض الكتب سببه ارتفاع الدولار مقابل الليرة التركية، لذلك تسعى بعض دور النشر لطباعة الكتب البديلة في تركيا وتوفيرها للجالية العربية بسعر جيد".

ولكن بصبوص لا يتفق مع كوكي وعبد الخالق، حيث أكد أن هناك بعض المكتبات العربية أصحابها بعيدون عن مجال الكتاب وهمهم الوحيد التجارة وتحقيق الربح الفاحش واستغلال حاجة الأسر لتعليم أطفالها اللغة العربية ولكن هؤلاء لا يستطيعون الاستمرار وهناك تجارب كثيرة أثبتت ذلك.

ويبقى موضوع استغلال أصحاب المكتبات للزبائن وارتفاع أسعار كتب الأطفال التعليمية مسار جدل، حيث أكد بعض من التقتهم "أورينت" من مرتادي هذه المكتبات أن بعض الأسعار مرتفعة. وقال ربيع السيد إن بعض الأسعار المتعلقة بكتب الأطفال كالقصص والكتب التعليمية والوسائل المساعدة للتعليم مرتفعة ولا يمكن لجميع العائلات شراؤها.

في حين ذكرت نوال اللحام أن سعر بعض كتب قصص الأطفال مناسب لأنه يتم طباعتها في تركيا بحسب ما أخبرها البائع بعد سؤالها عن التفاوت بالأسعار بين كتاب وآخر، مشيرا إلى أن وجود عدد كبير من المكتبات في الفاتح يسمح للعائلات بالبحث عن الكتب التعليمية لأولادهم بما يتناسب مع وضعهم المادي. 

  • تحرر من الرقابة وحماية من السرقة

عانى السوريون في بلدهم من سطوة رقابة مخابرات الأسد على عملية النشر وتحولت رقابة وزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب بدمشق إلى رقابة أمنية منحطة قمعت الكثير من الأفكار ووضعت عشرات الكتب القيمة في الأدراج وحالت دون وصولها للقارئ.. من هنا كان سؤالنا عن الرقابة نقطة هامة في مسار ولادة الكتاب العربي في إسطنبول، حيث أكد أصحاب المكتبات ودور النشر العربية أنهم يطبعون الكتب في المطابع التركية أو في مطابع بيروت، وأنه لا يوجد رقابة على النشر والطباعة في تركيا، فهناك حرية في هذا الأمر، لافتين إلى أن أكثر الكتب التي تعرضها المكتبات وتلقى إقبالا عليها من الجمهور هي كتب الثقافة والسياسة والدين بالإضافة إلى الروايات وقصص الأطفال.

وعن الحماية الفكرية للكتاب من السرقة، يقول أصحاب دور النشر إنه عندما يصبح الكتاب جاهزا للطباعة يقومون بتسجيل عنوانه في وزارة الثقافة التركية ليتم بذلك منحهم رقما معينا ويصبح الكتاب محميا فكريا.

كما أن معظم أصحاب دور النشر العربية مسجلين في اتحاد الناشرين الأتراك ويحصلون على ترقيم دولي ويتمتعون بكامل الحقوق التي يتمتع بها الناشرون في تركيا، إلى ذلك يقوم الاتحاد برعاية المكتبات ودور النشر العربية المرخصة في تركيا.

ونظرا للعدد الكبير للمكتبات العربية وانتشارها تم تأسيس جمعية ناشري الكتاب العربي في تركيا قبل سنتين لرعاية مصالح دور النشر العربية.

ويقدر عدد المكتبات العربية في مدينة إسطنبول بحسب أحد أعضاء جمعية ناشري الكتاب العربي بحوالي 40 مكتبة بينما يوجد في منطقة الفاتح حوالي 10 مكتبات عربية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات