تعدد الأصوات والرواة
بناء الرواية قائم بالأساس على عدد كبير من الشخصيات. تحكي كل شخصية الحدث نفسه من وجهة نظرها، فنشعر أنه يعاد من زاوية رؤيا جديدة مكرراً الأحداث نفسها، لكن هذا التكرار غير ممل أو بالٍ، إنما هو تكرار فيه انشغال بالحدث الحاضر والحالي، يؤسس لاستباق لاحق، يحول المحكي إلى بؤرة وعي مفتوحة على احتمال، البدء أو الموت.
هكذا فإن كل شخصية هي ذاتها الحدث، كلامها عنه وهو ماضٍ غير موجود، وانشغالها بما يحصل في اللحظة المحكية، يوجه اللحظة المعيشة نحو المستقبل، وبذلك هو يحقق وجودها ولكن نحو المستقبل، وهنا تصبح كل شخصية هي مستقبلها، وبين ماضيها الذي لم يعد موجوداً، وبين مستقبلها الذي لم يوجد بعد، يبرز الحاضر.
الرقة سيرة الحرب والذكريات!
الحدث التي تتناوب الشخصيات على سرد مجرياته ونتائجها على الناس والمكان، هي الثورة السورية بمراحلها المتعددة ضد النظام.
توغل الرواية في وصف ما حصل في مدينة الرقة خلال الثورة السورية من وجهة نظر معينة، وكأن الشخصيات شهود عيان على تفاصيل يومية في زمن الحرب، يحاول الكاتب من خلال تناوب السرد على ألسنة الشخصيات أن يكشف لحظة التاريخ من خلال وجهة نظر إنسانية، متتبعاً سير الحدث خلال ثلاث محطات أساسية في القص هي على التوالي:
- انطلاق المظاهرات السلمية في المدينة بحماسة وقوة ضد النظام.
- مرحلة التحرير وما أعقبها من تدمير وتشريد وقصف الطيران للمدينة
- لحظة ضياع المدينة حينما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية عليها وتفرق أهلها والنازحون إليها نحو مصائر مختلفة.
يمكن أن تجمع تلك الشخصيات في محوري (الخير/ الشر) مع ما يندرج تحت هذين المحورين من قيم ومعانٍ وسعي واختلافات تناقض وحروب وانهزامات، وما ينتج عن هذا الصراع من محصلات قيمية ووجودية، تحكم حياة الناس في العالم منذ الأزل، كما تصف واقع الرقة تاريخاً ومستقبلا معيشاً وحاضراً.
ويرصد الكاتب في روايته الحالة النفسية والذهنية للشخصيات التي تحيا الحرب المؤلمة، حيث ذكريات الخسارة والعار اللذين ملأ الشباب بالشرود ودفعهم لخلق عالم افتراضي آخر وحياة بديلة يعيشون فيها ويتمكنون من البقاء على قيد الحياة.
التكنيك وتحدياته
التكنيك المستخدم في العمل هو ما يمكن تسميته بالمونتاج المتوازي، الذي يقوم على سرد كل شخصية من الشخصيات للحدث المركزي الذي تدور حوله الأحداث.
نتيجة بناء السرد على بشكل رئيس على شخصيات العمل، نجد أن السارد استخدم ضمير المتكلم في سرد الأحداث، التي أتت على شكل وجهات نظر، أو نوع من الذكريات، وغالباً على شكل مونولوجات داخلية، لكن لإشباع الموضوع والحدث، لم يستطع السارد إلا أن يدخل الحوارات، الديالوجات، في متن مونولوجات الشخصيات، ما تسبب أحياناً في بعض التشويش، وأوحى بالضعف في تكنيك العمل الذي كان منفذاً بصرامة في بداية العمل ثم تم تجاوزه، وأصابه بعض التراخي في ضبطه في منتصف العمل.
إن رواية الشخصيات تعد من أصعب أنواع السرد، لأنها تقوم على تحدي تعدد الأقنعة التي سيرتديها السارد، والتي يحاول أن يقنع المتلقي عبرها، بأن المتحدث في كل مرة هو شخص آخر. أي أن السارد يتعرض كل مرة لتحد أكبر وأشد.
تحفة روائية عن الحرب
دعيس في هذه التحفة الروائية الحربية كما يمكن أن نسميها، يأخذك أيها القارئ، من يدك إلى ميدان الحرب بكل عناية، ويزج هناك وحيداً ويسألك أن تبقى بكامل وعيك، لتدرك النهاية، فما تلبث أن تسمع دوي انفجار قريب، تخرج رأسك إلى الورقة الأخرى تجد أشلاء قتلى، وصراخ جرحى يكاد صوتهم وهم مبتوري الأطراف يؤذي طبلة أذنك السمعية، وتتحول الحرب إلى هزيمة، وهجرة قسرية، لن يتركك تقاسي كثيراً، سيجعلك تسكن للحب بين الحين والآخر الذي يرسمه كاتب العمل بجميل العبارات، وهمس الحكاية، ثم يشدك من ذراعك للحرب مجدداً، ويجعلك تحزن على مصائر شخصياته، متسائلاً: هل تستمر الحرب؟ ألا يموت البعض فيها؟ ألا يخرج بعضهم الآخر وقد خسروا كل شيء، حتى الحب؟
يكتب يوسف دعيس سردياته بإخلاص، مقدما احتمالات متوقعة وغير متوقعة، فهو يطرح في نصه ما يمكن أن يحصل ونقيضه، إنه كاتب يتيح لقارئه سؤال السرد على أنه شريك يقظ ومتفاعل ومنتج.
الموضوع في رواية (باب الأبواب) بؤرة توتر مزمنة في حياة جيل سوري مهدد بالحرب والقمع لعقود من العصر الحديث، وهو جيل "أبطال" انتصروا لحق الناس في تذوق الحرية، وكافحوا بشجاعة في صراع البقاء على قيد الحياة.
التعليقات (1)