مؤسسو حزب البعث منع حافظ الأسد ذكرهم: كيف يزور النظامان السوري والإيراني التاريخ

مؤسسو حزب البعث منع حافظ الأسد ذكرهم: كيف يزور النظامان السوري والإيراني التاريخ
عندما كانوا يدرسوننا عن تاريخ حزب البعث أثناء مراحل الدراسة في مادة التربية القومية، كانوا يقولون لنا إن الحزب تأسس على يد مجموعة من الرفاق، وانطلق مؤتمره التأسيسي الأول في دمشق عام 1947 دون أي ذكر لاسم أي من هؤلاء المؤسسين الذين كان يعاديهم نظام حافظ الأسد كما عرفنا لاحقا، مع إغفال تام لتاريخ البعث وتحولاته منذ التأسيس حتى عام 1970. ذات مرة سألت مدرس القومية من هم هؤلاء الرفاق المؤسسون؟ فقال لي هم غير معروفين! لا أدري إن كان هو لا يعرفهم، وهذه واردة، كونه كان محامياً وتدريسه للقومية هو نوع من "التنفيعة"، وبذات الوقت هو عينٌ للنظام لمراقبة تلك المدرسة الإعدادية التي كنت أدرس فيها، كون الغالبية العظمى من مدرسيها ليسوا ببعثيين. الخيار الثاني هو أن المدرس كان يعرف، ولكنه لا يريد أن يقول خشية من فتك أجهزة الأمن به، كون حافظ الأسد هو الأمين العام لحزب البعث بشقيه القومي والقطري، ولا ينبغي أن يُذكر في حضرته اسم غيره، سيما وأن بين حافظ والمؤسسَيْن ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ما صنع الحداد، وهؤلاء هم من كانوا يُسمون القيادة القومية، فعندما كان صلاح جديد وحافظ أسد يسيطرون على السلطة بعد انقلاب شباط 1966 حُكم على عفلق الذي هرب من تلاميذه بالإعدام، ولم يعد بعدها إلى سوريا حتى بعد أن وافاه الأجل. أما البيطار الذي حاول كثيراً حافظ الأسد استمالته إلى صفه، كون أغلب الآباء المؤسسين كانوا في جانب بعث العراق-الخصم اللدود- بعد أن فروا تباعاً، خشية تعرضهم للتصفية أو الاعتقال، إثر الانقلابات المتتالية والمؤامرات التي كان الرفاق يحيكونها ضد بعضهم البعض. 

لم يستجب البيطار للأسد ولا حتى يعر انتباهاً لإغراءاته، رغم اجتماع بينهم دام لعدة ساعات في دمشق، وعاد إلى منفاه الطوعي في باريس، ليكتب مقالاً في مجلته الإحياء العربي، هاجم فيها طائفية النظام وإجرامه بحق السوريين، ويُقال إن هذه الزاوية هي التي أودت بحياة البيطار، فاغتاله النظام في باريس عام 1980.

ما قادني إلى هذا المدخل هو كتاب وقعت يدي عليه، عنوانه "صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية" الكتاب رغم أهميته إلا أنه يحتاج في بعض الأحيان إلى الغوص أكثر في المراجع التاريخية لتقديم الرواية الصحيحة المغايرة للرواية الإيرانية الخمينية لتاريخ إيران، الحديث منها والقديم على حد سواء. ما لاحظته خلال قراءتي لهذا الكتاب هو أن نظام الجمهورية الإسلامية يتعمق كثيراً في تاريخ إيران القديم الزردشتي، مشدداً على أن الإيرانيين ينحدرون من العرق الآري، في محاولة منه للتقرب من الأوروبيين، وهي محاولات بدأت منذ بداية القرن العشرين، لذلك تم تغيير اسم بلاد فارس وأصبحت إيران، وهي ذات الرواية التي كان يصدرها نظام الشاه البهلوي، والذي قام الخميني بالثورة عليه! 

يتم تعليم الطلاب تفاصيل كثيرة عن أسماء الأباطرة ومنجزاتهم وحروبهم، مع تنبيه الطلاب إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة الفرس، وكأنها تذكير للطلاب بأن هذه البلاد لكم وينبغي عليكم استعادتها، من هنا يمكن فهم التفاخر الذي يصدر عن قيادات إيرانية عليا بين الفينة والأخرى بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، رغم أن هذه العواصم هي الأسوأ للعيش والأكثر فساداً وسوداوية، ليس فقط في المنطقة العربية، بل على مستوى العالم، يكفي أن تعلم أن بيروت، التي كانت منذ زمن ليس ببعيد باريس الشرق، تعجز اليوم في ظل سيطرة ميليشيا حزب الله حتى عن جمع القمامة من الشوارع. طبعاً يجري في هذه الكتب التربوية تضخيم كبير لكل انتصار، وتصغير كل انكسار، بل حتى عدم ذكره في بعض الأحيان. ما ذكرني بحزب البعث بنسخته الأسدية، هو القطع التاريخي في سير الأحداث في إيران، فمنذ الفتح الإسلامي لإيران عام 636 بعد معركة القادسية هناك تعتيم على تاريخ إيران حتى قيام الدولة الصفوية عام 1500، التي قامت بقوة السيف بتغيير مذهب الأغلبية من السكان، وكأنهم لا يريدون أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ولا يريدون أن يقروا أن بلاد فارس كانت خاضعة حينها للحكم العباسي، بل حتى عندما يشيرون لهذه الحقبة لِماماً، لا يذكرون منها سوى أن الفرس كانوا الأساس فيها، فلولا أبو مسلم الخراساني لما انتصر العباسيون، ولولا الفرس لما انتصر المأمون على أخيه الأمين، ولولا البرامكة المتحضرون لما عرف العباسيون كيف يديرون شؤون الدولة المترامية الأطراف. الغريب هو أن نظام الحكم الإسلامي في إيران يعلّم التلاميذ في كتبه المدرسية أن الفتح الإسلامي لإيران كان اجتياحاً، في حين أن الاجتياحات المتتالية التي كان يقوم بها الصفويون لأفغانستان وغيرها من البلاد المحيطة بفارس يعتبرونها فتحاً! حتى أن التقويم الهجري الذي يعتمده الإيرانيون لا يعتمد النظام القمري، بل النظام الشمسي، الأغرب من هذا كله هو تصريح اسفنديار رحيم مشائي المستشار الأول للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي يقول فيه " النبي محمد لم يكن عربياً.. بل كان إيرانياً.. وأستطيع أن أثبت ذلك"، فالإيرانيون يحاولون في كتب المدارس تصوير العرب على أنهم بدو، حفاة، قساة، جائعون، ولا يعرفون الحضارة، التي لا يمثلها إلا الفرس. دائماً تحاول الأنظمة القومية والتيوقراطية لي عنق التاريخ حتى يتوافق مع إيديولوجيتهم المتعصبة، دون أي اعتبار لحقائق التاريخ ووقائعه المثبتة، ولكن الحقائق تبقى حقائق، ولا يمكن أن تمحى بجرة قلم.

 ما إن تزول هذه الأنظمة حتى تعود الرواية التاريخية التي كانوا يحاولون إخفاءها للظهور. ودون أي اعتبار للتناقض بين الشعارات المرفوعة والتطبيق على أرض الواقع، فكان حافظ الأسد القومي المتعصب و" العلماني" المتشدد هو أول المرحبين بقيام نظام الخميني في إيران، الإسلامي الأصولي، واليميني الفارسي، ولكن يبدو أن الانتماء الطائفي هو الأساس، ليكتشف المواطن البسيط أن كل الشعارات والجعجعات التي كان يقولها الطرفان عن القومية العربية أو عن الإسلام والوحدة الإسلامية، كانت تقال على سبيل "التقية"، التي تعني في إحدى تعريفاتها أن تقول شيئاً وتفعل ضده.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات