بقلم جاف | (1984) لجورج أورويل: الرواية التي استلهمت حكم ستالين واختزلت سوريا الأسد

بقلم جاف | (1984) لجورج أورويل: الرواية التي استلهمت حكم ستالين واختزلت سوريا الأسد
يواصل موقع (أورينت نت) بالتعاون مع (راديو أورينت) نشر نصوص حلقات البرنامج الإذاعي (حبر جاف) الذي يتناول كلاسيكيات الأدب الروائي العالمي.. وفي هذه الحلقة نتوقف مع رواية (العالم 1984) للكاتب البريطاني جورج أورويل والتي كتبها عام 1949 ليهجو أنظمة الاستبداد الشمولية ويظهر كابوسيتها على البشر.. وهي الرواية التي اعتبرت واحدة من بين أهم 100 رواية في الأدب العالمي في القرن العشرين.

جمهورية الخوف

"قال أوبراين: كيف يفرض إنسان سلطته على إنسان آخر ويسيطر عليه يا وينستون؟

فكر وينستون ثم قال: بأن يجعله يعاني. 

الكلمات السابقة هي مقطع قصير من رواية، كلمات قليلة لكنها ذات مدلولات كبيرة، عن حال الإنسان في جمهورية الخوف.

صدرت رواية "1984" للروائي البريطاني جورج أورويل في الثامن من حزيران عام "1949"، وما لبثت أن ترجمت إلى 65 لغة، وعلى الرغم من مرور ما يقارب سبعين عاماً على صدورها، إلا أنها ما تزال تتصدر المبيعات على صعيد الروايات في العالم وذلك لأهميتها، ليس بوصفها رواية من أدب الديستوبيا الغرائبي فقط، وإنما لمحاولتها الأصيلة الغوص وتحليل طبيعة الأنظمة الشمولية في العالم، وكذلك تفسير الحياة غير الطبيعية في مجتمعات هذه الأنظمة. والجدير بالذكر أن مجلة تايم اختارت الرواية في 2005 ضمن أفضل 100 رواية كتبت باللغة الإنكليزية بين سنتي 1923 و2005.

ستالين المُلهِم!

على جزيرة جورا الإسكتلندية، وعلى الرغم من معاناته المؤلمة من مرض السل، اعتكف أورويل لكتابة روايته، وحدث هذا بعد مؤتمر طهران الذي قسم العالم إلى مناطق نفوذ بين دول الحلفاء، حيث تدور أحداث الرواية في 1984  بإحدى الدول الثلاث العظمى التي اقتسمت العالم بعد حرب عالمية، ونستطيع أن نستنتج خلال القراءة أن جورج أورويل استوحى روايته هذه من نظام ستالين، وأيضاً من أنظمة ديكتاتورية أخرى شكلت خطراً كبيراً آنذاك على الإنسانية، وما تزال. 

منها أنظمة جاءت وزالت قبل صدور هذه الرواية، وأنظمة أخرى لم تنتهِ بعد على الرغم من مرور عقود على صدور الرواية، مع أن بعضها يحتضر الآن مثل نظام البعث في سوريا، وبعضها ما يزال متربعاً على قمة أوهامه، مثل نظام كوريا الشمالية، وهنا يحق لنا أن نتساءل، إلى أي مدى نجحت الرواية كفن إنساني في كشف هذه الأنظمة على حقيقتها، وتعريتها، وتعرية جرائمها بحق الإنسان والتاريخ؟ الجواب على هذا السؤال قد تختلف تفاصيله بين قارئ وقارئ أخر، ولكن عموماً أعتقد أن القراء سوف يتفقون على أن هذا النوع من الروايات، وتحديداً رواية "1984" كانت بمثابة وثيقة أدبية كتبت في عصر معين لتأخذ دور الشاهد على نشوء الأنظمة الشمولية، والتحولات القسرية التي تفرضها على المجتمع وعلى الإنسان، وتبقى الرواية مع مرور العصور تدين تلك الأنظمة وتحكي لأجيال سوف تأتي فيما بعد، كيف تشوهت الحياة وأعيد ترتيب العقل البشري بما يناسب هذه الأنظمة.

عبقري رحل باكرا

ولد جورج أورويل في الهند لعائلة إنكليزية، ما لبثت أن عادت العائلة إلى إنكلترا حيث درس في مدارسها، ثم عاش متنقلاً بين فرنسا وإنكلترا، وحصل على فرصة عمل في مكتبة بينما بدأ في كتابة رواياته الأولى، سرعان ما انتقل إلى إسبانيا ليشارك في الحرب الأهلية الإسبانية، ضد الديكتاتور الإسباني فرانكو.

استقر أورويل في إنكلترا لتتوالى رواياته التي شكلت مدرسة خاصة بصاحبها، مثل "أيام بورمية" و "الحنين إلى كاتالونيا" و "1984" و "مزرعة الحيوان" قبل أن يتوفى باكراً في عام "1950" وهو في الـ 46 من عمره، بعد عامٍ واحد من صدور روايته الأشهر "1984"

دولة التلصص والمراقبة والأخ الكبير

في دولة الخوف، هنالك طائرات تتلصص على حياة الناس من خلال نوافذ الشقق السكنية، ويوجد شاشات للمراقبة في كل الغرف، إنها الرقابة الصارمة على كل شيء من قبل الحزب الحاكم، الذي يقوده "الأخ الكبير" وفي ظل هذه الدولة ذات القبضة الحديدية يعيش وينستون سميث، بطل الرواية، ومن عينيه نشاهد الحياة في بلادٍ يحكمها حزب واحد وطاغية يُقدسه الجميع غصباً عنهم، ويخافه الكل، في الوقت ذاته أفراد المجتمع متأهبون في كل لحظة للحرب، وكأن هذا المجتمع قد أوجده الطاغية من أجل حروبه الخاصة به فقط.. معتمداً على حكومة تتفنن بالتلاعب بالجماهير، وتشويه الحقائق وكتابة تاريخ مزور، وصولاً لتشويه كل مناحي الحياة، بما في ذلك تشويه الطفولة من خلال تربية صارمة مستمرة منذ زمن طويل، تحول البشري إلى ما يشبه الرجل الآلي.

شرطة الفكر 

مع وينستون سميث يتجول القارئ في هذه البلاد التي فصلها الطاغية وفقاً لمزاجه، على مقاسه الخاص، ليرتديها كما يحلو له، وكأنها ملك له.

نتجول مع وينستون بين الصفحات لكن بحذر، خوفاً من أن تلمحنا شرطة الفكر، شرطة الفكر التي لا توفر أحداً من الاعتقال والتعذيب حتى ولو كان وفياً للحزب والأخ الكبير، ضمن قائمة طويلة للمنوعات التي يجب ألا تتسلل للعقل، بل حتى الخيالات السيئة التي قد تداهم العقل فجأة، دون انتباه من الانسان، والتي لا تناسب الحزب الحاكم الذي يستطيع مراقبتها، يمكن أن تودي بحياة صاحبها مهما كان وفياً للحزب، وحتى الشخص الذي يحرض على الثورة ضد الحزب الحاكم، وهو "أوبراين" سرعان ما نكتشف أنه عميل للسلطة، ومهمته وهي الكشف عن المعارضين بادعائه المعارضة، مفارقات كوميدية على الرغم من سوداويتها، إنهم يراقبون حتى ما يجري داخل رأسك.. يعرفون عنك أكثر مما تعرف عن نفسك. وهذا ما يحدث لـ وينستون، الإنسان العادي وعشيقته الثائرة جوليا، خلال حياتهما بين الوزارات الأربع التي تبدو كإهرامات، وذات شكل مخيف، في بلاد الأخ الكبير. ومهمتها بالدرجة الأولى تزوير كل شيء هنا. وتشكيل القطعان الحزبية الوفية، وأخذهم إلى ما يسمى "فعاليات الكراهية" برعاية حكومة "الأخ الكبير".

مهمة تشويه الحياة

تتميز رواية "1984" بابتداعها لعدة مصطلحات تفسر طبيعة هذا النظام الشمولي، مثل: الأخ الكبير، والتفكير المزدوج، وجريمة فكر، والغرفة 101، شاشة العرض، و2 + 2 = 5، وبئر الذكريات وغيرها.

الحوارات المتناثرة بين الصفحات وعلى الرغم من هدوئها لكنها ترسم بدقة فلسفة هذا النظام الشمولي، وهدفه بالسيطرة على كل خلية في عقل الإنسان. وقدرة هذا النظام على خلق ماض وتاريخ غير صحيح، يخدمان الإيديولوجيا الخاصة به، والمسؤولة عن تشويه الحياة من خلال حكومة مسؤولة عن وزارات يسميها الروائي بأسماء تتناقض مع مهمتها إمعاناً بالسخرية منها مثل: 

وزارة الحقيقة التي تعمل على تليق الأفراد المعلومات المضللة والدعاية للنظام، ووزارة الحب التي تشرف على التعذيب، كذلك وزارة السلام المختصة بشؤون الحرب، وأما وزارة الوفرة فهي مسؤولة عن نقص الموارد..  

سوريا الأسد.. الإسقاط المثالي.

 في كل صفحة ومع كل سطر سوف يكون القارئ متأكداً أن هذه الرواية كُتبت عن سوريا، في الآونة الأخيرة، تخيلت بيني وبين نفسي أن جورج أورويل كان لديه في جدار غرفته كوة سحرية، خلف لوحةٍ ما، ومن خلالها كان يقفز ليتخطى عقوداً من الزمن، ويسقط داخل سوريا، ليتجول فيها بين عامي 1970 و2011 ويكتب عن طبيعة الحياة فيها، ثم يرجع من الكوة ذاتها إلى عام 1949 ويصدر الرواية التي كتبها ــ ربما ــ عن سوريا الأسد التي ستأتي فيما بعد.

هل قرأ بشار الرواية؟

أعتقد أن رواية "1984" تولد الكثير من الأسئلة داخل رأس القارئ، وتحرضه على التفكير وبصوت عالٍ.. ولكن ثمة سؤال أساسي كان يتسع داخل رأسي مع مرور الصفحات، وهو: هل قرأ بشار الأسد هذه الرواية؟ لماذا لا يقرأ هذه الرواية، لو أنه يقرأها فيعرف طبيعة الدولة التي ورثها عن أبيه، ويتعرف على والده وعلى نفسه من خلال شخصية "الأخ الكبير".

عندما انتهيتُ من قراءة "1984" كنت أردد في نفسي، هل قرأ طاغية دمشق هذه الرواية؟ وإذا لم يقرأها كيف يمكن أن نجبره على قراءتها؟

نسخة على باب القصر

لا أعتقد أن الطغاة يقرؤون الروايات، ولكن.. ولو على سبيل السخرية، إن استطعنا الوصول إلى باب قصره ووضع نسخة له من "1984" ورجعنا دون أن ينتبه لنا جنوده، نكون قد نفذنا عملية فدائية بحق عقله وأوهامه.

ولأننا لا نستطيع فعل هذا، فإنني الآن عبر أمواج البث الإذاعي أوجه له هذه النصيحة: عزيزنا بشار الأسد، نتمنى في أوقات فراغك من الجرائم أن تقرأ رواية "1984" ألست رئيساً مثقفاً كما يدعي أتباعك؟ إذاً، أتحداك أن تقرأ "1984".

التعليقات (2)

    محمد

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    أنو عأساس بتفهمو بالروايات وجورج أورويل وأنتو شلة طائفيين متعصبين عاملين موقع إخباري .... الأخوان المسلمين وباء للعصر

    عامر عبد الحي

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    لا يقرأ بشار الأسد ولا حافظ أسد الروايات لأنهم لا يعرفون القراءة لكنهم يحفظون كل أشكال التعذيب والقتل الهمجية! كما يتجاهلون النهايات المحتومة لها لأنها واقعة المحالة وعقولهم أصغر من أن تصدقها إلا عندما يقعون فيها، نهاية القذافي وعلى صالح نموذجا!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات