من اغتال الثورة؟؟

من اغتال الثورة؟؟
اغتيال الناشط السياسي اللبناني لقمان سليم شكل صدمة لكل وطني حر بعالمنا العربي، كون الجاني معروفاً، والجريمة متوقعة، وليست بجديدة في مجتمع اعتاد على نهج التصفيات الجسدية عبر عشرات الاغتيالات التي استهدفت شريحة وطنية معينة من المجتمع اللبناني الرافض للهيمنة الإيرانية على لبنان والباحث عن حرية وعدالة واستقلال لبنان.

لكن هل الناشطون فقط من يتم اغتيالهم؟

إن اغتيال ثورة شعب وحلم شعب هو أكبر بكثير من اغتيال ناشط أو سياسي وذلك ليس تقليلاً من شأنهم، لكن الجرائم تُقاس بمدى تأثيرها وبمدى أضرارها.

في سوريا انطلقت ثورة شعب يبحث عن الحرية والكرامة والعدالة، يبحث عن دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون، ولا يداس فيها الدستور ببساطير العسكر والأمن، شعب يبحث عن دولة يعم فيها العدل وحفظ الحقوق، تلك هي ثورة الشعب السوري التي انطلقت عام 2011، لكن الثورة السورية اغتيلت.

الثورة السورية اغتيلت من المجتمع الدولي الذي صمت ووقف عاجزاً عن جريمة قتل شعب ذنبه أنه طالب بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية، شعب خرج ضد ظالم مستبد ديكتاتوري فكان القتل والتشريد والتهجير عقاباً له، ولم تشفع لهذا الشعب كل المشاهد المروعة التي حملها الشاهد "قيصر"، ولا كل القصص المروعة التي رواها منذ أيام الشاهد (زد_30) في أروقة المحاكم الألمانية في محاكمة ضابط الأمن الأسدي أنور رسلان. 

الثورة السورية اغتيلت من نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس وحزب الله وكل من فتح مستودعات السلاح الاستراتيجية لقتل روح الثورة بنفوس السوريين وإخماد أنفاس الحرية بصدورهم، ورغم الأثمان الفادحة التي قدمها وما زال يقدمها الشعب السوري الحر إلا أنه لم يرضخ ولم يرفع الراية البيضاء سواء لنظام الأسد أو لأي من حلفائه برغم طائراتهم وصواريخهم وبراميلهم وكل آلة الحقد العسكرية والبشرية التي يمتلكونها وفنون تعذيبهم بالمعتقلات.

لكن: (ظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً  عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ).

الاغتيالات ليست بالضرورة أن تتم دائماً عبر أدوات خارجية، بل معظمها يكون من الداخل، والثورة السورية اجتمع عليها الخارج والداخل وأصابها في شبه مقتل.

اغتيلت الثورة أمنياً عبر غياب الأمن والاستقرار وانتشار الجريمة والتفجيرات وتسيد حالة الفوضى، عندما تم إيكال الأمن لمن لا يستحق، وعندما تم تجنيد واختيار معظم من يتسيدون المشهد الأمني اليوم ممن لا يملكون القدرة ولا الخبرة ولا الإرادة ولا النزاهة وتم تهميش أصحاب المعرفة من ضباط أمن وضباط شرطة هم الأقدر على قيادة الحالة الأمنية وتوفير متطلبات الحاضنة الثورية بالمحرر، فأصبحت شريعة الغاب هي من تسود، والقوي يلتهم الضعيف تحت أنظار تلك المنظومة التي يتصف معظمها بالفساد ومحاباة مراكز السلطة وأصحاب النفوذ ويكون فيها تطبيق القوانين على الضعفاء فقط بل ولصق التهم لهم إذا ما اقتضى الأمر أو اقتضت التعليمات، لأن عملهم ينطلق من مواقعهم المتسترة والمحمية بعباءة أمراء الحرب والفاسدين.

اغتيلت الثورة عسكرياً عندما تخلى معظم من تنطع لقيادة الحراك المسلح عن دور وهدف الحراك المسلح للثورة بجعل قتال نظام الأسد وحلفائه هو البوصلة والمعيار الذي يوجه العمل العسكري، وعندما انصرفوا عن هدف إسقاط نظام الأسد، وأصبحت حواجز الفصائل هي وسيلة للدخل ونهب الشعب المظلوم، وعندما أصبحت المعابر اللاشرعية مع أعداء الثورة من بي كي كي ونظام أسد وقاعدة رافداً لجمع الأموال، وعندما قُسمت المناطق (المحررة) لكانتونات ومزارع لأصحاب النفوذ من أمراء الحرب، تنشر فيها روح الاستبداد والتسلط دون رقيب أو حسيب.

اغتيلت الثورة سياسياً عندما أعطيت قيادتها السياسية من قبل من لا يملك لمن لا يستحق، فتحولت تلك القيادة لمجموعات استبدادية همها الأساسي ينحصر بالحفاظ على مقاعدها، عبر سياسة تبديل الطرابيش، وتبادل المنافع، وتوزيع المناصب، وتشكيل اللجان وفق أهوائها أو بما يوحى لها، بعيداً عن مصالح الشعب الذي أطلق تلك الثورة، ودفع أثمانها من دماء فلذات أكباده، وعبر تدمير ممتلكاته ومصادر رزقه، تلك القيادة السياسية القادم معظمها من خلف البحار بجوازات سفر أوروبية وأمريكية ومعظمهم لم يدخل سوريا منذ عقود وطريق عودتهم مفتوح إلى حيث كانوا قبل عام 2011، أو عبر "عدالة تصالحية" تُبقي لهم مكتسباتهم، أو عبر تقاسم عدد من الوزارات مع نظام أسد تضمن مشاركتهم بسدة الحكم والسلطة، بعيداً عن الدماء التي أُريقت والدمار الذي لحق بحاضنة الثورة، وبعيداً عن تشريد نصف الشعب السوري وأعداد المعتقلين والمغيبين.

اغتيلت الثورة قضائياً عندما وُلّيَ على (المحرر) من أضاع الحقوق، وتحابى مع الظالم، وسكت عن أنين المغتصبات وأصحاب المظالم، وسكت عن تغييب وكم أفواه النشطاء، وتغاضى عن ابتزاز أصحاب الأموال والتجار، وغض الطرف عن عمليات الاختطاف والحبس الزجري، وسكت عن ظلم أمراء الحرب وتجاوزاتهم.

اغتيلت الثورة إعلامياً عندما كُتبت التقارير الكيدية وزُج بالسجون والمعتقلات بكل من تصدى إعلامياً لفضح الظلمة وتسلط الفاسدين، فاغتيل الإعلامي حسين خطاب وسجلت القضية ضد مجهول (يعرفه كل أهالي المحرر)،كما سجلت تحقيقات محاولة اغتيال الإعلامي بهاء الحلبي ضد مجهول، وقبلهم كثر وبعدهم لن يتوقف الأمر.

اغتيلت الثورة مجتمعياً عندما أُفسد المجتمع، وانتشرت الخطيئة، وتفككت العلاقات الطيبة بين الناس، وأصبحت شريعة الغاب من تسود، فيُقتل رجل من اعزاز وترمى جثته بالشارع وتوضع عليها لافتة لتقول هذا مصير الخائن!!

من اعتقله، ومن حاكمه، ومن قاصصه، ومن أوصل الناس لتلك الحالة بعيداً عن صدق أو تكذيب التهم الموجهة للمقتول، لكن علينا أن نسأل: لماذا تمت تلك الجريمة بعيداً عن القضاء وبعيداً عن الأمن وبدون تحقيقات رسمية وبعيداً عن المحاكم وكل المؤسسات، وهل تروج تلك الحالة لسابقة يحتذى بها، وترسم لنا صورة المشهد القادم بالمحرر؟؟

اغتيلت الثورة إغاثياً عندما أصبحت السلة الغذائية همّ الناس لتأمين قوت أطفالهم، لكن فساد معظم الجمعيات والمجالس المحلية ومعظم القائمين على التوزيع تسبب بسرقة المهجرين والنازحين عبر من غاب عنهم الضمير وحركتهم شهوات حب المال، فتُوزع الإغاثة رغم قلتها على الأصحاب والأقارب والمعارف أو تُسرق وتُباع بالأسواق، رغم معرفتهم بأن المهجرين والنازحين وصلوا لمرحلة العوز وانعدام القدرة على تأمين حتى ثمن عدة أرغفة من الخبز تُسكت جوع أطفالهم.

الثورة اغتيلت أسدياً، وأمنياً، وعسكرياً، وسياسياً، وقضائياً، وإعلامياً، واجتماعياً، وإغاثياً، واليوم يتم قتلها مرة أخرى ... عندما تُصنف كل تلك الجرائم ضد مجهول.

العميد الركن أحمد رحال

التعليقات (3)

    سالم محمد

    ·منذ 3 سنوات شهر
    هم اهل الثورة ..

    زيد

    ·منذ 3 سنوات شهر
    الثورة فكرة والفكرة لا تموت أما روح الثورة فماتت مع الثوار

    الهيثم

    ·منذ 3 سنوات شهر
    عندما يموت الفقير من أجل الغنى تفشل عندما ينقسم الشعب بين الحرية والعبودية تفشل عندما يصبح القادة رجال أعمال وتجار دماء تفشل. يا ترى لو علم هؤلاء الشهداء ان أولادهم واهليهم سيشردون ويهانون ويغتَصَبون اكانوا سيرغبون بالموت، للأسف نحن حيوانات في غابة نأكل بعضنا البعض
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات