منذ اليوم الأول للثورة السورية وذهاب النظام إلى الحل الأمني مع قمع المظاهرات بالحديد والنار؛ أخذ أنزور وضعية المؤيد العلني للنظام، ودخل مع ثلة كبيرة من الفنانين والمخرجين خانة الشبيحة؛ وأعلنها بشكل صريح حين قال: "أنا أؤيد النظام وأؤيد الرئيس بشار لأنني أؤمن تماماً بأنه هو الوحيد القادر على إنقاذ سوريا وإيصالها إلى بر الأمان" وراح يروج لنظرية المؤامرة الكونية على سوريا، إلى أن صار بوقاً من الطراز الرفيع للقتل والتبرير له؛ لا يخجل من قلب الحقائق وطمسها؛ من خلال مقابلاته والبرامج والأفلام التي بدأ يعمل على إخراجها.
وطوال هذه السنوات لم يتغير خطاب أنزور قيد أنملة؛ بل صار يبالغ في تشبيحه الإعلامي وأفلامه ومسلسلاته (رد القضاء، فانية وتتبدد، دم النخيل ... الخ) التي تدعم شيطنة الثورة السورية؛ وإظهار الجيش وشبيحة النظام بمظهر الملاك الحارس والمخلص للبلاد من الإرهاب؛ وتأتي هذه المسلسلات على ما تم تدميره من منازل السوريين في حمص وداريا وجوبر ومناطق أخرى من ريف دمشق؛ على أنه من فعل الإرهابيين في محاولة لتضليل المشاهد العربي والعالمي عن حقيقة الجرائم المرتكبة بحق الأبرياء.
فكافأه أسياده بعضوية مجلس الشعب، وحصوله على أسهم من شركة الطاقة في سوريا.
بدأ أنزور منذ أيام بتصوير مسلسل (أقمار في ليلٍ حالك) الذي تبنت إنتاجه المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي وتشرف عليه وزارة الإعلام في حكومة النظام بشكل مباشر، ويتم تصوير العمل في ريفي حماة وإدلب المدمَّرين، بما في ذلك مشاهد عدة في مدينة اللّطامنة التي بقيت شوكة في حلق النظام حتى آخر نفس؛ قبل أن ينسحب منها جيش العزة المعتدل والممثل الأخير للجيش الحر في المنطقة ، بعد أن استعان النظام بطائرات في إسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين.
وعلمت من بعض الأصدقاء هناك أن أنزور ومعه قطيعٌ من عساكر "سهيل الحسن" يجبرون الناس على المشاركة ككومبارس في هذه العمل؛ ونقلوا لي بعض ما يجري من مشاهد التصوير؛ حيث يظهر أن النظام يدافع عن المدنيين، والمعارضة هي من تقوم بقصفهم وتهجيرهم؛ ويظهر النمر الوردي (سهيل الحسن) حملاً وديعاً يقاوم مع خرافه اللطيفة بقوة الحق هجوم الذئاب الإرهابية التي تفتك بالأهالي بأسنانها ومخالبها، ولا أستغرب هذه الرواية التي لم يكف عنها أنزور وأشباهه من مخرجي النظام وممثليه كجود سعيد وعارف الطويل ومن لف لفيفهم؛ عن تبنيها والترويج لها، لكن الجديد اليوم هو قصف هذه المنازل المدمرة من جديد؛ وبشكل حقيقي وليس تمثيلا؛ فقد طلب مخرج المسلسل استخدام الذخيرة الحية لتصوير مشاهد القصف والدمار، مما جعل الأهالي الذين أجبروا على المشاركة يقفون مذهولين؛ ليعيشوا الخوف والرعب مرة أخرى متذكرين ما فعله جلادو النظام، إلا أنه هذه المرة على يد جلاد يحمل الكاميرا ليؤدي بها رسالته الخبيثة.
أتساءل الآن عن الغصة الجديدة التي سيزرعها عديم الأخلاق في قلوب أهالي اللطامنة بالتحديد، ألم يكفه اختناقهم بكيماوي الوحش الأكبر، قتلهم وجاء يرقص على جثثهم؛ وعاد ليخنقنا جميعا بكذبه، ويخنق الحقيقة التي تغرغر في الصدور؛ ويكاد يُسمع أنينها حتى وإن سد العالم أذنيه عنها ما استطاع!
وأتساءل عن الفرق بين مخرج وآخر؛ وفنان وفنان؛ ما هو الفرق بين "سلوم حداد وباسم ياخور وسلاف فواخرجي وجوان خضر" وبين "مكسيم خليل ومي سكاف وجمال سليمان وعبد الحكيم قطيفان ويارا صبري وإيمان الجابر...إلخ" ما الذي يمتلكه هؤلاء الأحرار من القدرة الخارقة على التمييز!!!؟ حتى استطاعوا أن يضحوا بكل شيء ويتخلوا عنه ثمناً لموقفهم الرافض للنظام وإجرامه -وهل فعلاً يحتاج الأمر قدرات خارقة!- وما الذي يفتقده أولئك حتى استمروا إلى الآن في دعم القاتل حد الرقص على جراح الناس ومآسيهم والوقوف على أنقاض منازلهم دون أن تتفطر قلوبهم حزناً وخجلاً ممن قضوا فيها على يد جيشهم "الباسل"؟
كم شوّه هذا النظام كل المفاهيم والقيم، ولم يوفر جهداً في نزع ثقة الناس من كل شيء؛ جعل من الجندي الذي من المفترض أن يكون بالفعل حاميا للأرض والعرض وحشاً يستبيح الأرواح والدماء، جعل من الكلمة التي هي سلاح الأحرار في كل مكان سيفاً يحز أعناقهم، جعل من الإذاعة والتلفزيون والسينما مصدر قبح وإسفنجة لمسح آثار جرائمه الفظيعة، وجعل من المخرجين والفنانين مصاصي دماء.
لا أدري كيف سيستطيع الناس أن يصدقوا أن الفن رسالة سامية بوجود أنزور وأمثاله، وأن يؤمنوا بما نحكيه عن دور الفن في نقل أوجاعهم ومعاناتهم والانتصار لهم، وهم يرون الفن يقتلهم مرة أخرى ولا يرضى إلا بالذخيرة الحية.
التعليقات (5)