أورينت في مقام "حبيب النجار" الذي روى قصته القرآن الكريم: قتله قومه وترك بصمته بحياة السوريين في تركيا

أورينت في مقام "حبيب النجار" الذي روى قصته القرآن الكريم: قتله قومه وترك بصمته بحياة السوريين في تركيا
رمز ديني كبير في تركيا.. تحيط به روايات وهالات من التقديس تفيد بأن قصته وردت في القرآن الكريم.. وعلى وقع القصة بني هذا المسجد والمقام حيث عُد مسجد حبيب النجار الكائن في مدينة أنطاكيا بإقليم هاتاي، نقطة سياحية هامة يقصدها السياح من دول عدة، فضلاً عن الأتراك الآخرين في الولايات الشمالية من تركيا، فمن هو حبيب النجار وما سر إطلاق اسمه على المسجد ومنطقة (الجبل الشرقي) بأكمله؟

 

 وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى 

يقول (الشيخ فيصل) وهو أحد خُدّام مسجد حبيب النجار في أنطاكيا في حديث لـ أورينت نت، إن "حبيب النجار يعد رمزاً دينياً كبيراً بالنسبة للمسلمين خصوصاً والمؤمنين بشكل عام، إذ إن تاريخ أنطاكيا من وجهة نظر المسلمين مرتبط به، فهو ذلك الرجل الذي قدم إلى هذه الأرض عندما كان يعمها الضلال والكفر والإشراك بالله، وكان أول من آمن بالله تعالى وبدعوة المرسلين في هذه الأراضي، وقد انضم إلى الدعوة مع المرسلين الذين عذبوا وقتلوا جميعاً في ذلك الزمان، لقد دفع (حبيب النجار) حياته ثمناً لإيمانه بالله ودعوة الناس للهداية، لذا ذكر الله قصته في القرآن الكريم، وهو ما نعتبره (تخليداً من الله لذلك الشخص)... لقد وصفه الله في كتابه بـ (الرجل).

وعن وجود ضريحين لنفس الشخص في المدينة أحدهما في قمة الجبل الشرقي والآخر في المسجد أجاب: "حقيقة أن الضريح الأساسي هو الموجود الآن ضمن حرم المسجد المسمى باسمه، أما الضريح أو (المزار) الموجود في قمة الجبل، فقد اختلفت الروايات بشأنه، إذ يقول البعض إن مكان إقامته كان هناك، فيما يقول آخرون إنه كان يسكن هنا، وأن الحجارة التي تشكل الضريح، ما هي إلا بقايا حجارة منزله الذي سكنه دون الوصول إلى رواية معتمدة بهذا الشأن، إلا أن الرواية (شبه الرسمية) هو أن مكان قتل حبيب النجار كان في تلك المنطقة، ثم نقل ليدفن هنا لاحقاً (أي داخل المسجد)".

 

رواية لا يصدقها العقل

(العم حسن)، وهو أحد الأتراك - السوريين القدماء، الذين عاشوا في أنطاكيا منذ أن كانت جزءاً من الأراضي السورية، والذي يعد (موسوعة تاريخية) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، قال في حديثه لـ "أورينت نت"، إن "حبيب نجار كان رجلاً عادياً يعبد الأصنام، إلا أن الله زرع النور في قلبه منذ أن التقى المرسلين الثلاثة المدفونين بجواره الآن، وتحول في وقت قصير إلى (داعية) يجوب هذه الأرض ويدعو سكانها إلى الله، أما عن مزاره الموجود في الجبل الشرقي، فهو المكان الذي قتل فيه، لذا أطلق عليه اسم (حبيب النجار) بعد الفتح الإسلامي، رغم أن تسميته الأصلية هو (جبل الحج)، نسبة لـ (كنيسة القديس بطرس) التي كانت مقصداً للحجاج المسحيين.

القصة نفسها كُتبت وعلقت على مدخل ضريحه في المسجد، وقد ورد في تلك اللوحة أن "الجبل الذي كان يقطنه حبيب النجار المسمى باسمه حالياً، كان يدعى (جبل ماغناردا)، وأن لقاءه بالرسل كان سنة 33 للميلاد، وأن من أهم أسباب إيمانه بهم، هو أن الله أذن أن يُشفى المرضى ويُعاد البصر للمكفوفين على أيديهم، وأن حبيب النجار والذي لقب بـ (النجار) لعمله في النجارة، كان له ابن مريض فأخرجه إليهم، فمسحوا عليه فشفاه الله، وأن (حبيب النجار) آمن بالله قبل 600 عام من بعثة النبي محمد (ص)، وأن الرسل حدثوه في ذلك الزمن عن نبي جديد".

وعلى الرغم من الرواية (شبه الموحدة) بين جميع سكان المدينة بشأن حبيب النجار، إلا أن بعضهم حمل بجعبته (أساطير وروايات يعجز العقل البشري عن تصديقها)، إذ إن هناك رواية يتداولها البعض في أنطاكيا، مفادها أن القبر الموجود في المسجد يضم (رأس حبيب النجار) فقط، أما المزار الموجود في الجبال، فيضم (الجسد)، وبحسب الأسطورة فإن الرأس إن عاد والتصق بالجسد مرة أخرى، (سيعود الرجل للحياة)".

  

مسجد بخمسة قبور

وفقاً لـ (الشيخ فيصل)، فإن المسجد بني بنفس المكان الذي دفن فيه حبيب النجار، وقد تم تشييد المسجد إبان الفتح الإسلامي لهذه الأراضي، إلا أن الكتب اختلفت في القائد الإسلامي الذي بنى المسجد. معظم الروايات قالت إن الصحابي (أبا عبيدة بن الجراح) هو من أمر ببناء المسجد بعد الفتح الإسلامي لأنطاكيا، وقد تم بناؤه قرب المقبرة التي تضم (قبر حبيب نجار والمرسلين الذين كانوا معه وقتلوا) سنة 638 ميلادية، ومع تواتر الحقب التاريخية، اتسع المسجد لتصبح المقبرة ضمنه".

يضم المسجد الذي صمم وفق النموذج المعماري في العصور الوسطى، خمسة قبور أولها وهو (في الطابق الأرضي)، قبر (الرسول يحيى) أو (يوحنا بولوس)، وهو أحد (الحواريين والرسل) المرسلين إلى هذه الأراضي، فيما يضم في أول طابق تحت الأرض وهو أشبه بـ (مغارة) صغيرة، قبرين اثنين قيل إن أحدهما لأحد المرسلين أيضاً ويدعى (يونس)، أما الآخر فهو مجهول الاسم، وفي الطابق الثاني تحت الأرض الذي أيضاً هو عبارة عن مغارة، يوجد قبر (حبيب النجار) والرسول الثالث ويدعى (شمعون)، رغم أنه لا روايات مثبتة، تؤكد صحة أسماء الرسل وما إذا كانوا رسلاً من الله، أم رسل المسيح إلى (تلك القرية)، إلا أن المسجد بحد ذاته يعد أول مسجد بني في تاريخ مدينة أنطاكيا ككل".

كما يضم المسجد بئر ماء، وباحة صممت على الطراز العثماني، تضم (أماكن للوضوء) كانت فيما سبق (نافورة ماء)، كتلك الموجودة في المسجد الأموي في حلب ودمشق، كما يضم المسجد عدة مكتبات عثمانية، ومعاهد لتحفيظ القرآن والسيرة النبوية، وأماكن كانت تستخدم فيما مضى لعقد الاجتماعات والنقاشات الدينية، وقد دمر المسجد عدة مرات، ويرجع ذلك إلى كثرة تعاقب السلطات والجهات المختلفة التي سيطرت على مدينة أنطاكية، وقد تم تجديده آخر مرة ليأخذ شكله وحجمه الحالي من قبل المديرية العامة للأوقاف في عام 2006، مع الإبقاء على معظم هيكله الأثري وترميم الأجزاء المتضررة منه فقط (ويكيبيديا)".

 

حبيب النجار.. الاسم الذي خُلّد في حياة السوريين

ربما يتبادر لذهن القارئ عشرات الأسئلة حول العلاقة بين (حبيب نجار) الذي مات قبل آلاف السنين والسوريين في تركيا اليوم، إلا أن الرابط بين الاسم والسوريين معروف وشائع في أنطاكيا جيداً وربما في العديد من الولايات التركية، فبحكم الأوضاع البائسة التي رافقت السوريين عند وصولهم إلى أنطاكيا، التي كانت محطة رئيسية في رحلة لجوئهم إلى تركيا وحتى أوروبا، اختار الغالبية السكن في منازل تقع بمنطقة (الجبل) المسمى باسم (حبيب النجار أو جبل حبيب النجار) لكون إيجارات المنازل هناك تعد (الأرخص) على الإطلاق، وهو ما كان يتناسب وما زال مع أوضاع كثيرين منهم".

 كما أن لمسجد حبيب النجار دورا كبيرا في حياة السوريين، إذ و مع قدوم السوريين إلى أنطاكيا، هرع أهل الخير وحتى المنظمات لتقديم المساعدة لهم، وبما أنه لم يكن آنذاك جمعيات ترعى هذه الأمور، كان المتبرعون يلجؤون إلى المسجد للتوزيع، أو يسلمون تلك التبرعات والمساعدات إلى إمام المسجد وهو يقوم بدوره بتوزيعها، كما كان (نقطة علام) لكل سوري يريد لقاء سوري آخر (رح شوفك عند جامع حبيب نجار)، إذ إن المسجد يُرى من أي بقعة مرتفعة في أنطاكيا حتى ولو كانت على بعد عشرات الكيلومترات.

لن تخرج من المسجد خالي الوفاض

 إحدى أبرز نقاط التراث المتعلقة بالمسجد، هو أنه وبعد كل صلاة جمعة يتم توزيع صنف معين من الأطعمة، إذ يعتبر كثيرون أن هذا واجب عليهم، و(حسنة) لروح من ضحى بنفسه لنشر عقيدة التوحيد في أراضيهم، حيث اعتاد المصلون وبعد كل صلاة جمعة في المسجد، أن يتذوقوا إما قطع الحلوى أو (وجبات صغيرة من الطعام) تتم تعبئتها في أطباق بلاستيكية وغيرها، أما في أيام شهر رمضان فهذه الطقوس تتخذ طابعا احتفاليا كبيرا وتصبح يومية، حيث يتم توزيعها على المصلين بعد كل صلاة تراويح.

التعليقات (3)

    بدر كنجو

    ·منذ 3 سنوات شهر
    جزاك الله خيرا - والله اعلم لما ذكر

    عمر النجار

    ·منذ 3 سنوات شهر
    الحمد لله على نعمة الاسلام الحمد لله الذي وفق بين المسلمين

    خالد محمد فضلون

    ·منذ 3 سنوات شهر
    معلومه جميله جزاكم الله خيرا
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات