إغلاق محلات الأسلحة في إدلب.. رسائل الجولاني للغرب أم ضبط للأمن؟

إغلاق محلات الأسلحة في إدلب.. رسائل الجولاني للغرب أم ضبط للأمن؟
أثار قرار إغلاق جميع محلات الأسلحة في محافظة إدلب من قبل حكومة الإنقاذ التي تعتبر الذراع السياسية لهيئة تحرير الشام، مخاوف واسعة لدى السكان والمراقبين حول إيجابية القرار وسلبياته والدوافع الخفية التي قد تضر بأمن المنطقة داخليا وخارجيا، وسط حالة من الفلتان الأمني تعيشه المنطقة بين خطف وسطو مسلح وجرائم أخرى ترهق المدنيين.

وأمهلت "الإنقاذ" في بيان رسمي، جميع محلات الأسلحة في إدلب للإغلاق التام قبل منتصف شهر شباط المقبل، مقابل إجراءات عقابية وقضائية بحق المخالفين، وعللت قرارها بحماية السكان المدنيين من أي مخاطر محتملة نتيجة انتشار السلاح والذخائر بشكل عشوائي بين الأحياء السكنية.

وبين التأييد والرفض للقرار الأخير وما قبله من قرارات متصلة أصدرتها "الإنفاذ" في وقت سابق، بدأت المخاوف لدى المدنيين والفصائل الأخرى من أن يكون قرار الإغلاق يتعلق بتوسيع "تحرير الشام" قبضتها الأمنية على المنطقة، أو التمهيد لتسليم المنطقة لنظام أسد عبر اختصار السلاح بعناصر الجولاني وسحبه من بقية الفصائل، فيما تخوف مراقبون من أن تكون تلك الخطوة دافعا لتقوية عصابات الخطف والسطو المسلح، مقابل من اعتبر الخطوة إيجابية لضبط الأمن والحد من تفشي السلاح بمتناول السكان وإبعاده عن الأحياء السكنية بعد تفجيرات عديدة تسبب بها محلات الأسلحة سابقا.

الجولاني يقدم رسائل للدول الخارجية

يرى المحلل العسكري العميد أحمد رحال أن "تحرير الشام" بقيادة الجولاني بقرارها الأخير حول إغلاق محلات السلاح تسعى لـ" ضرب عصفورين بحجر واحد"، أما الهدف الأول مفاده أن تحصر السلاح بيد عناصرها، وهذا يعني أن السلاح سيسحب من المدنيين وحتى الفصائل في المرحلة القادمة، كما تحاول في الوقت ذاته تقديم نفسها أمام المجتمع الدولي وخاصة تركيا والولايات المتحدة الأمريكية على أنها راعية الأمن والاستقرار في المنطقة، وبمعنى أدق فهي تغمز خارجيا بأنها تملك "سلاح الأمن والاستقرار"، وهي رسالة تفيد بأن "الجولاني سيد القرار والمعني بأي مخاطبة دولية في إدلب، ومن يملك قرار ضبط الأمن قادر في الوقت ذاته على تفجيره"، بحسب تعبيره.

غير أن المحلل العسكري راح إلى أبعد من ذلك واعتبر أن القرار قد يفهم على أنه "مغازلة" للقوات الروسية والتركية المنتشرة على الطريق الدولي (M4)، للفت نظر القوتين الدوليتين إلى ضرورة التنسيق مع الجولاني الذي يملك قرار الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الاستراتيجية المتنازع عليها بين موسكو وأنقرة.

تقوية عصابات "المافيات" 

من زاوية أخرى فإن الخشية الأكبر تتمحور حول تطبيق خاطئ أو مقصود للقرار على مبدأ الانحياز وتقوية العصابات المسؤولة عن الخطف والسطو المسلح (المافيات)، بينما يتم ذلك على حساب إضعاف المدنيين في منازلهم وأشغالهم اليومية، في وقت لا تستطيع "هيئة تحرير الشام" أو ذراعها "حكومة الإنقاذ" تأمين الحماية الكاملة للسكان، وهو ما أشار إليه الباحث في مركز الحوار السوري، محمد سالم.

ويقول سالم في حوار مع أورينت، "ما يزال في المنطقة مقاتلين أجانب وإتجار بالأسلحة بطرق التهريب وعبر السوق السوداء، وأحد الأمور السلبية التي تحتاج لدراسة هي أن تنمو تجارة الأسلحة في السوق السوداء ويصبح هناك مافيات للأسلحة، بحيث يبقى السلاح مع تلك المافيات ويحرم منها الضعفاء الذين هم بحاجة لحماية أمنية".

ويلفت الباحث إلى أن الكثير من المدنيين وحتى بعض النساء يحملون السلاح في الشمال السوري لحماية أنفسهم من اللصوص وعمليات السطو المسلح وغيرها من الجرائم، متسائلا عن إمكانية "حكومة الإنقاذ" في حماية المدنيين بعد تطبيق قرارها بسحب السلاح.

لكن إغلاق محلات الأسلحة من المستبعد أن يؤثر على تسليح الفصائل العسكرية الأخرى في إدلب كون  القرار لا يشملها بحسب "الإنقاذ"، ولأن تلك الفصائل لا تعتمد على المحلات في تسليحها مع وجود قنوات خاصة لها للحصول على السلاح والذخائر، بحسب سالم.

بين مؤيد ومعارض

قناة أورينت استطلعت آراء بعض تجار السلاح المشمولين بالقرار الأخير وكذلك آراء المدنيين المحليين وتراوحت المواقف بين التأييد والمعارضة، وبين من رأى أن القرار يحتاج إلى بعض التعديلات، واعتبر أبو يحيى الشامي وهو تاجر سلاح في إدلب، أن قرار سحب السلاح يصب تماما في مصلحة نظام أسد بشكل خاص، وفي مصلحة الدول التي أدخلت كميات كبيرة من السلاح للداخل السوري خلال السنوات الماضية وتسعى في هذه المرحلة لسحبه، مؤكدا أن ذلك القرار خاطئ بمجمله وقال: "هذا السلاح لا يسحب إلا بحالة وحدة، السلاح للدفاع عن أنفسنا وأرضنا، وهذا السلاح يجب أن يبقى معنا حتى الموت".

بينما انتقد تاجر سلاح آخر في إدلب، ويدعى أبو يحيى الحمصي، القرار واعتبر أن إغلاق المحلات بشكل كامل يعتبر غلطا كبيرا، مطالبا بإيجاد حل يناسب الأطراف، بحيث تنقل تلك المحلات خارج المدينة لتبقى المهنة في متناول المختصين وخاصة "مقاتلي الفصائل"، وتبعد أذاها في ذات الوقت عن المدنيين.

لكن المدني أحمد المحمد من سكان إدلب رحب بالقرار ووصفه بأنه "صائب مئة بالمئة"، وعلل ذلك بأن تلك المحلات تشكل خطرا على المدنيين لوجودها داخل الأحياء السكنية، مذكرا بانفجارين سابقين وقعا في الشارع ذاته الذي يعيش فيه، وأسفرا حينها عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين.

سحب السلاح لا يشمل الفصائل 

بدوره قال وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، أحمد لطوف، إن التفجيرات المتكررة في الأحياء السكنية وما خلفته من ضحايا في الفترة الماضية، كانت الدافع الأساسي للقرار الأخير الذي اتخذته حكومته، خاصة مع وجود خلايا تابعة لنظام أسد وتسعى لزعزعة الأمن وسلامة المناطق المحررة عبر قتل وترويع المدنيين.

ويوضح لطوف في تصريحات خاصة لأورينت نت، "كان هناك خلايا تعتمد على ركن دراجات نارية مفخخة أمام محلات تجارة الأسلحة لوجود ذخائر ومواد متفجرة معدة للبيع ضمن تلك المحلات، ليحققوا أكبر ضرر ممكن كون هذه المحلات ضمن التجمعات السكنية والأسواق بحيث يكون ضررها أكبر توصل المجرمين لمبتغاهم"، مؤكدا في الوقت ذاته أن القرار يشمل جميع المحلات والمستودعات المخصصة لتجارة الأسلحة والذخائر بكافة أنواعها بلا استثناء.

وإجابة على تساؤلات أورينت نت حول وجود دوافع خفية لسحب السلاح من الفصائل الأخرى في الشمال السوري، أجاب لطوف بقوله: "الكلام غير صحيح، لأن القرار واضح وصريح ويشمل كل من يقطن في المحرر ولا يشمل الفصائل العسكرية بكافة مسمياتها، ونحن نعلم بأن إخواننا المجاهدين في جميع الفصائل يحملون سلاحهم للرباط على الثغور لحماية أهلهم وذويهم في المحرر وليس للاتجار به، ولن نتعرض لسلاحهم بأي شكل من الأشكال".

فلتان أمني شاهد على الإنقاذ

وتعاني مناطق الشمال السوري، وخاصة إدلب الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" من فلتان أمني متمثل بتفشي جرائم القتل والسطو المسلح والقتل المجهول، إضافة للخلافات الشخصية بين السكان والتفجيرات المتكررة في الأحياء السكنية والأسواق الشعبية.

ومن خلال البيانات الرسمية الصادرة دوريا عن "حكومة الإنقاذ" تسجل مناطق إدلب جرائم بشكل يومي ضد مدنيين وأبرزها حالات القتل من قبل ملثمين، إضافة لحالات الخطف وخاصة النساء والأطفال التي يوثقها الناشطون، وهو أمر يكشف عجز "تحرير الشام" عن ضبط الأمن وحماية المدنيين.

أبرز تلك الحوادث كانت الأسبوع الماضي بسرقة أكثر من 12 محلا تجاريا للألبسة والهواتف الذكية في منطقة الصليبية، الواقعة ضمن المربع الأمني لهيئة تحرير الشام وسط مدينة إدلب، حيث تم إفراغ المحلات من جميع محتوياتها وبشكل ممنهج خلال ساعات الليل الماضي، تزامنا مع اختطاف طفلين (فتاة وصبي) في منطقة حارم، وجرائم قتل وسرقة أخرى بمناطق متعددة في المحافظة، وسط انتقادات واتهامات واسعة للهيئة بالمسؤولية عن تلك الحوادث.

إجراءات سابقة

وأصدرت حكومة الإنقاذ في تشرين الأول الماضي، قرارا يلزم السكان بترخيص السلاح في محافظة إدلب، وبررت ذلك بأنه للحفاظ على سلامة وأمن الأهالي، وبسبب كثرة حوادث إطلاق النار العشوائية وحفاظا على أرواح المدنيين، إلى جانب رفع مستوى الأمن وزيادة ضبط مكافحة الجريمة وإيجاد حل لعملية اقتناء السلاح وتنظميه.

وتسيطر "تحرير الشام"  بقيادة أبو محمد الجولاني على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب، بعد طرد الفصائل الأخرى من تلك المناطق وفرض نفوذها بمعارك واشتباكات واسعة على مدار الأعوام الماضية، رغم الرفض الشعبي لحكمها للمحافظة، وتعتبر "حكومة الإنقاذ" الذراع السياسية للهيئة.

التعليقات (1)

    رامي

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    خلصونا من فوضة السلاح والمخربين التكفيريين بادلب يعني لا عند النظام مرتاحين ولا بالمناطق المحررة. التنين خربوا سوريا وما بيحسنو يحكمو بدنا ثورة جديدة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات