سنجار .. عقدة العثمانيين والصفويين وصدمة تحالف البارزاني مع تركيا

سنجار .. عقدة العثمانيين والصفويين وصدمة تحالف البارزاني مع تركيا
التسمية.. 

منطقة سنجار كغيرها من مناطق العراق، تاريخها يمتد عميقا لآلاف السنين، وتختلف الروايات حول تسميتها، ضمن تاريخها الأسطوري والميثولوجيات المحيطة بها، ترجح رواية أن أصل التسمية يعود لقصة سفينة نوح عليه السلام والطوفان الكبير، وتشير القصة إلى أن السفينة عندما مرت بالمنطقة اصطدمت بجبل سنجار فقال نوح: "هذا سن جبل جار علينا" ومن هنا جاءت تسمية الجبل "سنجار".

التاريخ.. 

لطالما برز اسم منطقة قضاء سنجار شمال العراق عبر التاريخ.. كان موطنا للأزيديين والسريان المسيحيين منذ القدم، ومر عليها ثقافات ومجتمعات متعددة تشهد عليها الآثار الفارسية واليونانية والرومانية، ولطالما كانت هذه المنطقة محطة لتقاطعات جيوسياسية وعسكرية وديموغرافية.. لطالما دمرتها المعارك والحروب و لطالما هجرت المظالم سكانها.. وليس من وليد الصدفة أن هذه المنطقة كانت ساحة المعركة الكبرى بين الصفويين والعثمانيين مطلع القرن السابع عشر.. وهي المنطقة نفسها التي تحولت في العام 2014 إلى بوابة لدخول تنظيم داعش إلى سوريا والعراق، واحتلت وقتها العناوين الرئيسية لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، وبات اسمها أشهر من نار على علم لناحية تعامل تنظيم داعش مع الأزيديين، قبل أن تستعيدها قوات البيشمركة وتدخل ميليشيات حزب العمال الكردستاني على الخط.

التغلغل الإيراني .. 

في العام 2017 انسحبت قوات البيشمركة التابعة للبارزاني من منطقة سنجار إثر الخلاف الذي وقع على الاستفتاء الفاشل لاستقلال الإقليم، مرغمة على الاعتراف ضمنيا بأحقية حكومة بغداد بالسيادة على القضاء الذي أصبح تحت سيطرة ميليشيا الحشد الشيعي الولائية، أي تلك التي أسسها أبو مهدي المهندس و تتبع بالمطلق لإيران والتي يتزعمها اليوم قيس الخزعلي .. وهذه الميليشيات جندت ميليشيات أيزيدية محلية من أبناء المنطقة.. تدفع لها رواتبها وتزودها بالسلاح والمؤن .. الخزعلي لم يكتفِ بالميليشيات الأزيدية بل نسج علاقات مع ميليشيات حزب العمال الإرهابية المعادية لتركيا والمدعومة إيرانيا والتي وجدت موطئا لها في سنجار.. وهذه انتقل ولاؤها من حضن البارزاني الذي كان يؤويها ويحميها إلى حضن الأحزاب والميليشيات الطائفية الحاكمة في بغداد.. يعني أن هذه المنطقة أصبحت منطقة نفوذ إيراني بالمطلق.. وهو ما لن يعجب الأتراك القريبون من حدود هذا القضاء.. ولن يعجب أيضا حليفهم مسعود البارزاني الذي تنازل مرغما عن تلك المنطقة ..لتذهب إلى خصمه الجديد حزب العمال وليرى بأم عينيه عناصر البي كي كي يسرحون ويمرحون في القضاء.. وفوقهم الميليشيات المؤتمرة بأمر طهران التي ترى في سنجار مشروع المعابر المفتوحة من إيران إلى العراق الى سوريا إلى لبنان خاصة أن أهلها ليسوا من المسلمين السّنة .. لتسود في المنطقة حالة من التشتت الديمغرافي فضلا عن الأمني و السياسي والإداري الذي سرعان ما انعكس على الوضع الاقليمي وتوازنات القوى بين أطرافه الأساسية، ولتتحول سنجار مجدداً إلى ساحة للتجاذبات بين المشروعين التركي والإيراني.. 

الاتفاق الموؤود.. 

قبل أشهر قليلة تم الاتفاق بين حكومتي أربيل وبغداد على انسحاب جميع الميليشيات من سنجار وعلى رأسها ميليشيات البي كي كي الكردية وعلى إدارة مشتركة للقضاء بالاشتراك مع الايزيديين .. الأمر الذي عرّض حكومة الكاظمي لسيل من الاتهامات والشتائم من الموالين لإيران.. بأنها سلمت رقبة العراقيين للأكراد كون هذه المنطقة هي الطريق البري الوحيد مع تركيا .. بعد أن باعت ميناء الفاو على الخليج البوابة البحرية الوحيدة للعراق التي دفع صدام حسين ثمنها آلاف المقاتلين خلال حربه مع إيران في الثمانينات.

 الاتفاق إلى الآن لم ينفذ.. ويبدو أن إيران مارست ضغوطا على ميليشياتها لايقاف التنفيذ، وهو ما جعل تركيا تضيق ذرعا وصدرها لم يعد يحتمل تمركز ميليشيات حزب العمال المدعومة إيرانيا في تلك المنطقة الاستراتيجية المفتوحة على سوريا بالقرب من حدودها لتشكل حلقة وصل بين عناصر حزب العمال في سوريا و العراق، وعليه ارتفعت حدة تهديدات تركيا في الفترة الأخيرة محذرة من أنها ستبدأ عمليات لاجتثاث الميليشيات الكردية من سنجار.

اللعنة الكردية 

 من أجل أن يكون التحرك التركي شرعيا تصر أنقرة على التنسيق مع بغداد وأربيل، الأمر الذي يحرج البارزاني ويضعه في مواجهة أمام شعبه الكردي الذي مهما كان كارها لحزب العمال الكردستاني، إلا أنه يرى في تركيا عدوه الأول، وأي تحالف معها لن ينظر إليه الأكراد إلا كحالة عمالة لتثبيت بقاء عائلة البارزاني في الحكم، على حساب الشعب الكردي المنهوب والرازح تحت خط الفقر، أما المراقبون لما يجري فيؤكدون أن أي تحالف أو عمليات في إقليم سنجار لن يثمر شيئا، وأن هناك خطة أمريكية لتحويل سنجار إلى منطقة حكم ذاتي، والنقاش تجاوز مسألة إن كانت هذه المنطقة ستتبع لإقليم كردستان، أم ستتبع للحكومة المركزية في بغداد، فالدول الكبرى هي من يقرر ويضع خارطة الدول الأخرى، وليس تركيا أو إيران، أو العراق الفاقد السيادة والمفتقر لحكومة وطنية فيما كل الأوامر تأتيه من طهران. 

بكل الأحوال يبدو أن سنجار هي أكثر من كونها معركة، إنها عقدة تتقاطع فيها حساسيات التاريخ والجغرافية وصراع المذاهب والقوى الإقليمية فيما يبدو أن الجرح الكردي سيتفجر من جديد على واقع مؤلم ينبغي على عقلاء الكرد التفكير به بعقولهم لا بعواطفهم وغوغائيتهم ... واقع يقول إن الشعب الكردي ليس واحدا، وربما لن يكون واحدا بالمطلق بعد هذه المعركة المحتملة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات